تشاركني؟ قذف بسؤاله الذي رماه فجأة، وقع السؤال على سؤالي، ما المقصود، ما الغرض، ماذا يريد هذا الرجل؟ أسندت يدي للقلب المسكون بدهشة السؤال، والحيرة في البحث عن جواب. ماذا يريد هذا الرجل من شراكة غير متكافئة، شراكة لا أملك منها سوى كفاءتي الإبداعية وكفاح سنوات أنتجت خبرة في علوم النشر والطباعة.
كنت مدعوًا على صحن صمتي وتأملي المشبع بعلامات السؤال بحثًا عن إجابة، تساؤلات يقف عليها وأمامها كهنة متمرسون في قتلها، بإيجابيات تمنحهم السلطة المعرفية.
جاءت إجابته عن تساؤلاتي كالضوء، تحوي كل شيء وتنفد إلى كل شيء. جاء صوت ماكسويل الواثق بخطواته:
"لا تتعجب، عرضي ينحصر في رغبتي بعودة صحفي إلى الصدور من لندن، فقد تأثر التوزيع نتيجة النقل من المطابع البعيدة خارج لندن وتأخر وصول الصحف لقرائها، في حين أن إصدارات ميردوخ توزع قبل إصداراتنا، وأتمنى أن تتوسع مطابعك لاستيعاب مجموعة ميرور نيوز، فنحن ننشر عددًا من الصحف البريطانية المهمة، منها ديلي ميرور وصنداي ميرور وصحيفة ذي إندبندنت اليومية البريطانية، وصحيفة الصين اليومية تشاينا ديلي التي تَصدُر بالإنجليزية في بكين ولندن، والصحيفة الأوروبية الأسبوعية ذي يوروبيان. ولي خطة ننفذها إذا وافقت على عرضي! أرجو أن تستجيب لعرضي الآن أو خذ وقتك في التفكير".
طلبت أن أنفرد بزملائي وإعطائي الفرصة للتشاور معهم، فقد تعودت في عملي محاورة الزملاء وبناء جسور التواصل معهم، فهناك قضايا لا يمكن اتخاذ أي إجراء فيها دون محاورةِ جميع الأطراف من أجل تجميع أكبر قدرٍ من المعلومات للقدرة على اتخاذ القرار المناسب والصحيح، فغياب الحوار معناه غياب جزء من الحقيقة ومن ثَم عدم اتخاذ القرار الصائب على الأغلب.. تركنا ماكسويل وانسحب مع فريقه ليتيح لنا حرية الحوار، وقبل أن يغلق باب القاعة علينا قرأت عيون الزملاء، إحدى لغات الجسد التي أجدت قراءتها، فالإنسان يمكن أن يتحكم في انفعالاته ولغة الجسد ككل، إلا أنه يظل عاجزًا عن التحكم في حركة العين. العيون بالأساس فاضحة ولا يمكنها أن تكذب أبدًا، العيون دائمًا تظهر انفعالات المرء، فهي مغرفة الروح، ومرآة تعكس ما يكنه القلب، تفضح كامل ما يشعر به الإنسان داخليًا، قرأت موافقتهم على الشراكة، مغلفة بالفرحة في عيونهم، وقبل أن أنْبِسْ بِبِنْتِ شَفَةٍ، فاجأني مدير المطابع دافيد ديلنچر بقيادته للحوار متهللًا بتمنياته بإتمام الشراكة والفرصة التي ستتيح له إدارة أكبر مطبعة في لندن بأحدث الإمكانيات، وشاركه الرأي بالطبع مدير مبيعاتي، وهو من عمل بإمبراطورية ماكسويل من قبل بيتر جاكسون.
وكالعادة كان رجال المال من جماعتي متحفظين، مؤكدين أن الأمر يتطلب درجة عالية من التحقق وتوخي الحذر قبل أن تتمكن الشركة من الدخول في شراكات أو توسعات. ويلزم الحصول على البيانات المالية للإمبراطورية المشاركة بأكبر قدر ممكن من الدقة، ومراعاة السيناريو الأسوأ للمستقبل المالي للمشروع، والاعتذار عن عدم الشراكة في حالة عدم اليقين.
تخوفات المحاسبين لم تنزع فرحتنا، والرغبة في المشاركة تُلحّ، فالأمر لا يصدق.. شراكة مع "تايكون" الإعلام الإنجليزي.. سقطت من رؤوسنا كل ما يحكي عن الرجل، اعتبرناها إشاعات ومحاولات إحباط للرجل المكافح من أشباح أعداء النجاح.
لم يستمر الحوار بيننا طويلًا، فسماء طموحاتنا تلمس النجوم.
أكملنا لقاءنا مع روبرت ماكسويل في مكتبه الذي يتوسط قاعتي الاجتماعات، بعد أن أنهى أحد اجتماعاته، وقبل أن يبدأ اجتماعًا ثالثًا، لأنقل له ناتج ما توصلنا إليه، والذي اعتبر بشرى سارة للسيد ماكسويل المفعم بالحيوية، الذي يعمل في مكتب ضخم به ثلاثة هواتف موضوعة على مكتبه، بينما كبير الخدم يدخل بشكل دوري مع المشروبات، وأمامه مخططان عملاقان يعرضان شبكة التوزيع للصحف وأرقام التداول الشهري والمبيعات لكل صحيفة بريطانية خلال العشر سنوات الماضية، وتوقعات السنوات العشر القادمة، عيناه عليهما طوال الوقت.
فرح بقرار الموافقة على الشراكة، وقدمني لرجاله مُعَّرْفًا "رئيسكم الجديد مستر حكيم سيتولى إدارة المشروع وستعملون مع فريق عمله بدءًا من اختيار الموقع الجديد وتصميم المباني وشراء الماكينات وأحدث المعدات".
ووجه كلامه إليّ: "التفاصيل القانونية والنواحي المالية أقترح أن تشكل مجموعة مشتركة من المحامين والمحاسبين القانونيين من كلا الطرفين يمكنك الاستعانة بهم في وضع العقود والأوراق القانونية والنظام المالي الذي يضمن حقوقنا في تعاملاتنا معًا. بالنسبة للمكان، فإن خطتي اذا وافقت عليها هي البحث عن قطعة أرض في آيل أوف دوجزIsle of Dogs فالمستقبل لهذه المنطقة. وكما تعلم من عام ١٨٠٢ إلى ثمانينيات القرن الماضي، كانت جزيرة آيل أوف دوجز واحدة من أكثر أحواض السفن ازدحامًا في العالم. وتعرف الآن باسم London Docklands، أو Canary Wharf، تشهد Isle of Dogs تحولًا كبيرًا. مبانيها ستكون ناطحات السحاب وليس السفن، هي التي تحكم الأفق من الآن وستتجول الاستثمارات المالية في شوارعها".
كان الجو العام للحوار مطمئنًا.. يسمح ببداية مبشرة، فهل الأمر سهل ومُسلٍّ دائمًا؟!



