أردني.. فلسطيني.. عراقي.. كويتي. مصري.. سوداني.. مغربي، جنسيات مختلفة مميزة ومحترفة مهنتها وتجيد عملها، فريق عمل صحفي أضفى للجريدة غناء بموروثه الثقافي المتبادل بينه وبين أسرة العمل، مفهوم تعودت عليه في غربتي الثانية، وعملي مع الصحافة المهاجرة.
الكاتب والمحرر والمترجم دافيد بشاي، المخرج الصحفي صابر كامل، رجل المهمات محمود الطوخي، مصريون في مجلة الحوادث، الأردني الشاعر والصحفي "محمد سعيد حسين المومني" المشهور باسم محمد سعيد الجنيدي، تركها ليرأس تحرير مجلة الاقتصادي التي أسسها أشرف مروان في لندن.. وغيرهم كثيرون لا مجال لذكرهم جميعا هنا، نفس التوليفة من جنسيات عربية مختلفة عملت مع صحف ومجلات مهاجرة من سوريا ولبنان ومصر والعراق والأردن والسودان وليبيا.
انتقلت معي تركيبة الجنسيات المختلفة إلى المغرب، فمن فلسطين لعب مصطفى أبو لبدة دور مدير التحرير في جريدة السياسة، واحد من الذين ستؤرخ لهم الصحافة الفلسطينية منذ بدأ مشواره في السبعينيات، لا يغادر صالة التحرير دون أن ينجز عمله بطاقة وحماس لا تنطفئ جذوته. وفي حالة استنفار مستمرة، يعدو ذهنيًا وعصبيًا بلا محطات راحة، كل همّه أن يجهز عددًا مهنيًا يحترم عقل وذوق القارئ. متواضع تواضع الكبار يتعامل مع وظيفته في إطار المهمات، وليس من موقع المتباهي، لا يلقي الأوامر بفوقية على العاملين في الصحيفة، فربح احترام فريق العمل، مؤمنا بأن الصحافة رسالة تكثيف فكر ومعطيات وقواعد وأسس مهنية.
ولمزيد من التعريف بالرجل فهو شاعر وقاصّ وصحفي فلسطيني من مواليد قرية صبّارين، قضاء حيفا المحتلة، عام 1941. هاجمت العصابات الصهيونية قريته في أيار/ مايو عام 1948، فقتلت عددًا كبيرًا من سكّانها رميًا بالرصاص، ثم أحرقت النساء والأطفال والعجزة الذين لم يستطيعوا الفرار. من بقي على قيد الحياة، فرّ إلى جِنين، وهناك عاش الشاعر مع عائلته في أحد مخيّمات اللاجئين. أكمل تعليمه في مدارس "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين"، ثم حصل على منحة دراسية ساعدته على إكمال دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت. تخرج فيها بعد أن أتم دراسة التاريخ والتربية، بعدها اختار الكويت لتكون مقصده، حيث عين أستاذًا في مدرستي (المباركية) و(العمرية)، فمسؤولًا عن القسم العربي بالعلاقات العامة في وزارة التربية والتعليم الكويتية. عشق الوسط الصحفي وأحب العمل فيه، وجذبته جريدة (السياسة) اليومية الكويتية، ليعمل بها مسؤولًا عن الشؤون العربية ومعلقًا سياسيًا في زاوية يومية بعنوان (الجهات الأربع). ثم اختير كمدير لتحرير صحيفة "السياسة" الكويتية. قضى الشطر الأكبر من حياته في الكويت، ومن هناك واصل كتابة القصّة والشعر ومقالة صحفية يومية باسم "الجهات الأربع"، وساهم في الكتابة لمجلّة "شعر" اللبنانية التي أطلقت أحد اتجاهات الحداثة الشعرية بين العامين 1957 و1969. وانتدبه الجارالله لتولي مهمة إدارة الإصدار المغربي لجريدة السياسة الكويتية.
أما العراقي رمزي صوفيا فقد أدار منظومة العمل في مكتب السياسة بالدار البيضاء كمدير إقليمي للصحيفة. كانت وسامته ستحمله نحو عالم التمثيل، لكن القدر جرفه نحو عالم الصحافة ليصبح واحدا من ألمع الصحفيين في المجال الفني. عمل صحفيا في مجلتي الموعد والشبكة البيروتيتين ومنابر أخرى متعددة ومن مقابلات له بالموعد مع الفنانة شادية وخلود مراد ملكة جمال بغداد لعام 1962. وعرف عن رمزي شغفه بالصحافة الفنية حيث أجرى لقاءات صحفية مع كبار نجوم السينما والفن والطرب في العالم العربي والغرب. مثقفا جمع بين شهامة العراقيين المثقفين ونخوة الصحفيين الأنيقين الذين عايشوا نجوم الفن الخالد فريد الأطرش، محمد عبد الوهاب، أم كلثوم وفيروز وكذا كبار الملوك والرؤساء في العالم العربي.
سبق أن ألف كتابا في هذا الموضوع تحت عنوان: "أيام مع النجوم" بمقدمة كتبها المطرب عبد الحليم حافظ. كان الرجل موسوعة حية، واسع الثقافة والمعرفة، متتبعا كبيرا لأحوال السياسة والأدب والفن، وعلى اتصال وثيق ومستمر بكبار القوم من ملوك ورؤساء وقادة وأدباء وفنانين، دون أن يغفل قلمه معالجة مواضيع ذات بعد سياسي.. ومرة أخرى جرفه القدر نحو المغرب الذي عشقه فاختار المقام فيه منذ سبعينيات القرن الماضي، ظل عراقي المنشأ ومغربي الهوى، فلطالما عشق المغرب والمغاربة منذ حلوله بها سنة 1975 لتغطية حدث المسيرة الخضراء، التي استرجع بها المغرب صحراءه من الاستعمار الإسباني كمراسل لجريدة "السياسة الكويتية"، واستقر منذ ذلك الحين بمدينة الدار البيضاء، وهكذا غطى الكثير من الأحداث التي شهدها المغرب من مؤتمرات القمم الإسلامية والعربية والإفريقية، والفرانكفونية، وغيرها من الأحداث لمدة تفوق أربعين سنة. ومن هذا المنطلق، قام بدور فعال للتعريف بالقضايا المغربية وإيصال صوته للبلدان العربية، خصوصا بالمشرق، عبر مقالاته وتغطياته الصحفية. وظل وفيا للمغرب مخلصًا لقضاياه، واختار إقامته بحي الروماندي بالدار البيضاء التي كان يستقبل فيها ضيوفه من المغرب والعالم العربي من إعلاميين ومثقفين ورجال أعمال بابتسامته وأناقته الراقية التي لم تفارقه، وكم كان يفتخر بتشريفه بالاستقبالات الملكية التي كان يحظى بها، سواء من طرف جلالة الملك الحسن الثاني موحد البلاد رحمه الله وطيب ثراه، أو من طرف عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس الملك الباني حفظه الله وأدام عزه. وألف صوفيا في هذا الصدد عدة كتب من بينها: "الحسن الثاني القائد في الأزمنة الصعبة"، "محمد السادس الملك الأمل" بتقديم الكاتب والمفكر المغربي الوزير عبد الهادي بوطالب مستشار الملك الحسن الثاني، الذي كان أستاذ كرسي محاضر في مادتي القانون الدستوري والنظم السياسية بكليتي الحقوق والعلوم الاقتصادية، وكان أستاذا للملك الراحل الحسن الثاني وللملك محمد السادس بالمعهد الملكي بالرباط. وشغل العديد من المناصب الدولية. وكتاب "محمد السادس ملك الإصلاح والتغيير" بتقديم المستشار الملكي محمد القباج. مسيرة صحفية حافلة بالأحداث والأسرار والنجاحات التي لم تفقد الرجل تواضعه، وهو من حاور نجوم الشرق والغرب، كما حاور كبار رجال السياسة على امتداد الوطن العربي، وعرفه المتابعون كوجه دائم الحضور في المؤتمرات الصحفية للملك الراحل الحسن الثاني، الذي لم يخفِ إعجابه بثقافته وذكائه، وفق ما أشار له الملك في أحد تصريحاته.
ومن المغرب، ومن الأسماء التي ضمها صوفيا لأسرة السياسة، الزميلة زهرة منون ناصر من مواليد الدار البيضاء، عاشقة القراءة والتصوير الفوتوغرافي. درست الأدب العربي ثم الحقوق بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وولجت المجال الإعلامي وهي لم تتجاوز العشرين من العمر، مع جريدة رسالة الأمة عام ١٩٨٥ بوساطة الكاتب محمد زفزاف التي كانت من تلاميذه حينما أخبرته أنها تبحث عن عمل، فقد كان الأب الروحي لها ويعتبرها ابنته ويحرص على نصحها وتوجيهها في كتاباتها الشعرية، والإعلامية المغربية هاديا السعيد التي كانت مراسلة لجريدة الشرق الأوسط اللندنية، مشرفة على مكتب الرباط وجريدة السياسة الكويتية مع رمزي صوفيا.
من السودان وصل أبو بكر الصديق إلى المغرب عام 1976 قادما من الجزائر، بعد رحلة لم تكن سياحية، قادته من السودان بلده الأصلي، إلى العراق ثم ليبيا والجزائر. وفي جريدة المغرب العربي الأسبوعية، وجد نفسه وما كان يبحث عنه ويسعى إليه. ومنذ إقامته بالمغرب وجد أبو بكر الصديق في الصحافة المغربية البيت الذي يؤويه والإخوة الذين احتضنوه، حتى عرض عليه صوفيا الانضمام ليتولى سكرتارية التحرير. وكان أبو بكر قد عمل مراسلا لمجلة التضامن وجريدة العرب التي كانت تصدر في لندن، وانتخب نقيبا للمراسلين العرب في المغرب واختاره زملاؤه من أفراد الجالية السودانية نقيبا لهذه الجالية. لقد أحب أبو بكر المغرب كما أحبه المغاربة، وأحب الصحراء وأهلها وكان ينتقل إلى الأقاليم الصحراوية بكل شوق ومحبة ليجد هناك أصدقاءه الذين أحبوه وفتحوا له قلوبهم، وارتاحوا له واحتضنوه.
ومن مصر أتى شاب خلوق تخرج حديثا في الجامعة المصرية في مهمة صحفية للمغرب، أحب الدار البيضاء، فعرض عليه رمزي صوفيا العمل بقسم التحقيقات وانضم لأسرة التحرير، الشاب الصحفي أشرف صادق الذي يتولى الآن مهمة نائب تحرير جريدة الأهرام المعروفة. ومن مصر أيضا أتى المهندس عزيز المصري ليتولى مهمة قسم فصل الألوان وتجهيزات الأوفست.
اكتمل نصاب كل شيء وبقيت أهم نقطة وهي توزيع الجريدة. طلبت الاستشارة وأخذت الرأي من الصديقين إبراهيم نصر مدير توزيع جريدة الأهرام وصلاح الغمري رئيس مجلس الدار القومية للتوزيع. واتفق رأيهما على الاستعانة بأحد عمداء الإعلام والصحافة المغربية محمد عبد الرحمن برادة، الذي قد تلقى تكوينه الصحفي، في بداية سبعينيات القرن الماضي، بعدة معاهد عليا للصحافة والإعلام في فرنسا، قبل أن يقوم بإصدار جريدة (correspondances de la presse). وفي عام 1977 أسس الشركة العربية الإفريقية للتوزيع والنشر والصحافة “سابريس” التي تعد أول شركة وطنية للتوزيع والنشر، التي كانت حاضنة لكل التطورات والاستحقاقات في المشهد الإعلامي في المغرب، وأكبر مؤسسة في هذا الميدان بالعالم العربي وإفريقيا.
وكان برادة عضوا مؤسسا لاتحاد الموزعين العرب، وانتخب رئيسا له. كما يعد برادة، الحاصل على الجائزة الوطنية للصحافة في دورتها الأولى، عضوا فاعلا بعدة هيئات ومنظمات دولية مختصة في النشر والتوزيع ورئيسا سابقا لجمعية جوتنبرج الدولية فرع المغرب. ومعها استطاع برادة لم شمل شخصيات مرموقة ووجوه إعلامية في تاريخ الصحافة المغربية والعربية، حظي باحترامهم، وتابعوا مسيرته التي بصمها بلغة التحدي والإصرار من أجل نجاحاته.
بعد اللقاء معه أنا وصوفيا وأبو لبدة، تم الاتفاق وتعاقدنا مع الشركة العربية الإفريقية للتوزيع والنشر والصحافة على توزيع جريدة السياسة الكويتية…
.. ويصدر العدد الأول من جريدة السياسة الكويتية من المغرب.



