الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

"خفاجي": مصر أول دولة في التاريخ عرفت معنى "الوطن" وجرَّمت التاَمر والتخابر

المستشار محمد عبدالوهاب
المستشار محمد عبدالوهاب خفاجى

أكد الفقيه القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، في ختام مناقشة رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث ماجد كيلاني عن موضوع: "التطور التاريخي للوظيفة العامة وعلاقتها بنظام الحكم في مصر القديمة" بكلية الحقوق جامعة السادات بالمنوفية أن مصر الفرعونية أول دولة فى الكون التاريخ الإنساني عرفت معنى "الوطن"، وجرَّمت التاَمر ضد نظام الحكم والتخابر مع الأعداء، قبل أن تعرفها المدنية الحديثة.

 

وحصل الباحث على درجة الدكتوراه بتقدير جيد جدا B من لجنة الحكم والمناقشة، التي تكونت من الدكتور محمد أنس جعفر أستاذ القانون العام المتفرغ بكلية الحقوق جامعة بني سويف ومحافظ بني سويف الأسبق والمستشار القانونى للمجلس الأعلى للجامعات  "رئيساً"، والدكتورة إيمان السيد عرفة أستاذ فلسفة القانون وتاريخه ووكيل كلية الحقوق جامعة مدينة السادات للدراسات العليا والبحوث "مشرفاً وعضواً"، والقاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة "عضواً".

 

وقال الدكتور محمد خفاجي، إن مصر الفرعرونية عرفت نظام الملوك المشرعين الذين اعتنوا بفكرة الوطن، واعتبروا أن تدبير المؤامرات ضد الملك من  الجرائم الخطرة ، التي رصدوا لها عقوبة (الموت - الإعدام) تأسيساً على أن التاَمر على الملك الإله أو الملك ابن الإله كالتاَمر والاعتداء على الاَلهة ،وهي جرائم تستحق "الموت" على حد التعبير الفرعونى، وكانت العقوبة تلحق بالجاني بغض النظر عن مكانته الاجتماعية أو درجة القرابة مع الفرعون، وفي بعض النصوص كان يسمح للمدانين بالانتحار بأنفسهم، كما عرف قطع الرقبة فقد وردت نصوص بقيام الملك الفرعونى بقطع روؤس عشرة من المتاَمرين ضد نظام الحكم الفرعوني، وكشفت الوثائق النادرة أن الملوك كانوا يشكلون محاكم خاصة للفصل وفي تلك الجرائم الخطرة لضمان سرعة إصدار الأحكام.

 

وأشار الدكتور محمد خفاجي، إلى أنه على الرغم من أن الملك الفرعوني في المملكة بشكل عام هو الكائن الغامض، صاحب القرار العتيد، ومغطى بزخارفه الذهبية، ويمارس الحكم من قصره شديد الأمان، إلا أن التاريخ الفرعونى عرف فكرة "المؤامرة ضد نظام الحكم" ونظم عقوبتها كأول دولة في التاريخ تعرف هذه الجريمة، وذلك فى عهد الملك الفرعونى رمسيس الثالث ( وسر-معت-رع-مري-إمن) ثاني ملوك الأسرة العشرين في مصر القديمة حكم من 1186 إلى 1155 قبل الميلاد، ورغم أن رمسيس الثالث قد اهتم بالسياسة الداخلية للبلاد بإعادة التنظيم الإداري إلا أن عهده الطويل - 32 عاما من الحكم - تراجع القوة السياسية والاقتصادية بسبب استراتيجياته العسكرية القوية وسلسلة الغزوات والمشكلات الاقتصادية الداخلية التي ابتلي بها سابقوه واَلت إليه، وقد حافظ على مصر وأنقذها من الانهيار في الوقت الذي سقطت فيه العديد من الإمبراطوريات خلال انهيار العصر البرونزي وانتهى حكمه باغتياله عن طريق مؤامرة ضد نظام حكمه كأول جريمة في التاريخ عن المؤامرة ضد نظام الحكم.

 

وأوضح أنه تروى لنا إحدى الوثائق النادرة عن المؤامرة التي تم تدبيرها ضد الملك رمسيس الثالث، بسبب اختياره لابنه الشرعي رمسيس الرابع كي يرث الحكم من بعده، التي عرفت بـ"مؤامرة الحريم" - وفقاً لنصوص قانونية مختلفة معاصرة للوقائع، وتعتبر بردية "لي ورولين" ونصوص "ريفود"، وكذلك بردية " تورين" هي المصادر الوثائقية الرئيسية – حيث دبرت إحدى زوجاته التي كانت من الطبقه الوسطى مؤامرة للتخلص منه ليصل ابنها للحكم ، وكانت زوجته تدعى "تايا – تيى"، التي فضلت أن ترى ابنها "بينتاوريت - بينتاور " هو الأولى بتولي العرش! وتم كشف المؤامرة التي شارك فيها حوالي ثلاثين من المتاَمرين من رجال الحاشية في القضية، ومديري الحريم والجنود والكهنة والسحرة، لكن المؤامرة فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي، وفشل الأمير بينتاور في الإطاحة بالابن الشرعي رمسيس الرابع، الخليفة المعين، وعندما تولى الابن الشرعي رمسيس الرابع الحكم قام بتشكيل محكمه خاصة لمعاقبة مدبرى تلك المؤامرة على والده، وقدم المتهمين بنفسه إلى محكمة خاصة وضرب مثلاً رائعا على النزاهة وقال للقضاة قولته الشهيرة: "ليكن ضميركم هو سيد الحكم"، وكانت عقوبة جريمة التاَمر ضد نظام الحكم هي الإعدام مع الحرمان من الدفن في المقابر، وذلك يعني  حرمان الجاني من الحياة الأخرى الأبدية وفقا لمعتقدات مصر القديمة. 

 

وأشار الدكتور محمد خفاجي، إلى أن الحضارة الفرعونية القديمة أول حضارة في التاريخ عرفت جريمة التاَمر ضد نظام الحكم الفرعوني في واقعتين الأولى في ظل الأسرة الثانية عشرة والثانية في ظل الأسرة العشرين على نحو ما سلف بيانه، ففي الواقعة الأولى نعثر على مؤامرة لقتل الملك "أمنمحات الأول "مؤسس الأسرة الثانية عشرة الذي حكم لمدة  30 سنة، حيث قُتل الملك بعد مؤامرة قام بها حراسه بتحريض من زوجة الملك أمنمحات الأول وكانت من الطبقة الوسطى بخلاف زوجته الملكية الأصل، عندما كان ابنه الملك الشاب ذلك الوقت "سيزوستريس الأول"، والجيش كله في حالة حرب وحملة عسكرية لمحاربة الليبيين على الحدود الغربية، فضلاً عن حملات عسكرية أخرى للمعتدين في صحراء سيناء، كما حقق نصرًا حاسمًا، وهو نصر أكد لمصر السيطرة على مناجم الفيروز في سيناء، وفي النوبة قاد عدة بعثات ويصعد نهر النيل إلى الشلال الثاني بالقرب من الحدود الحالية بين مصر والسودان، وبينما كان يشن حملة ضد الليبيين اغتيل والده أمنمحات الأول ضحية مؤامرة داخل القصر.

 

وأوضح الدكتور خفاجي، أن "سيزوستريس الأول" بعد انتصاره طار مثل الصقر لمنع أولئك الذين تملكتهم الجرأة، ويحاولون اعتلاء عرش حورس قبل انتهاء عزاء والده الملك المتوفى، وقد أرسل المتآمرون مبعوثًا من الجيش، بحجة وجود ابن ملكي آخر من امرأة من الطبقة الوسطى بغرض قيادة  الجيش  ولكن الابن الشرعي "سيزوستريس الأول" - الذي يعد ثاني ملوك الأسرة الثانية عشرة بعد والده - انتصر على المؤامرة وقضى عليها ومنع أخاه من اعتلاء عرش حكم مصر، وأصبح أحد أعظم الملوك في التاريخ المصري، دامت سلطته لمدة خمسة وأربعين عامًا على صعيد مصر العليا والسفلى حيث كان فرعوناً ذكياً، واستراتيجيا جيداً وبانياً عظيماً، وقد تمت محاكمة المتاَمرين.

 

واختتم الدكتور محمد خفاجي بأن مصر الفرعونية عرفت كذلك جريمة المساس بأمن الوطن، ومنها التهرب من شرف الجندية، وكذلك عصيان أوامر وتعليمات القاده ورؤساء الجيش وهي من الجرائم الماسه بالشرف، والاعتبار العسكري وكانت عقوبتها الطرد وكان يتم اعلان ذلك فى مكان عام، وأيضا جريمة التجسس والتخابر مع الأعداء، وكانت العقوبة رادعة مستمدة من الوسيلة التي ارتكبت بها الجريمة، وكما ذكر ديودور الصقلي أنه كان يقطع اللسان في حالة التخابر الشفهي، وتقطع الأصابع في حال التخابر بالكتابة.

 

تم نسخ الرابط