عدت إلي وحدتي في مقر قيادة اللواء الخامس بالفرقة ١٩ مشاة ميكانيكي في قطاع الجيش الثالث الميداني بعد انتهاء أول أجازة لي منذ ترحيلي من مركز التدريب في صحراء المعادي، كانت معنوياتي مرتفعة بعد زيارتي للأهل والأصدقاء في مدينة المحلة الكبرى، وكان حديثي معهم طوال الأجازة عن الوحدة التي انتقلت إليها على خط النار والمشهد المؤلم للعلم الإسرائيلي الذي يرفرف أمامنا علي الضفة الشرقية للقناة ونحن ننظر إليه في ألم وحسرة وننتظر اليوم الذي نعبر فيه القناة إلى الضفة الشرقية ونحرق هذا العلم ونرفع مكانه علم مصر ،لم يكن هذا شعوري فقط لكنه كان شعور جميع الضباط والجنود المتواجدين علي امتداد الجبهة، كان البرد القارص في فصل الشتاء في شهور نوفمبر وديسمبر ويناير وكانت الحياة صعبة في الخنادق ومع بداية الربيع وفي شهر مارس جاءت التعليمات بالاستعداد لمشروع تدريبي بالذخيرة الحية ومناورات استعدادا لعبور القناة واقتحام خط بارليف وكانت التدريبات شاقة استعدادا لهذه اللحظة والحالة المعنوية مرتفعة عند جميع من في الجبهة وتسلمنا السلاح الآلي والذخيرة الحية والقناع الواقي وتم تقسيم مجموعات العبور وتوزيع الأفراد علي المركبات ورسم شعار علي الخوزة علي الرأس حتي تتعرف كل مجموعة علي بعضها وتحددت كلمة السر التي نتحرك بها في مختلف المواقع وأعلنت حالة الطوارئ وألغيت الأجازات واستمرت هذه الحالة عشرة أيام ثم جاءت التعليمات بإنهائها وعادت الحياة إلي طبيعتها وفتحت الأجازات، وبعد ثلاثة أشهر وفي شهر يونيو جاءت التعليمات بتكرار نفس المشروع التدريبي لعبور القناة واستمرت حالة الطواريء والرماية الليلية بالذجيرة الحية لمدة أسبوعين حتي جاءت التعليمات بانتهائها، وكان العدو الإسرائيلي على الضفة الشرقية للقناة يرصد هذه التحركات على طول الجبهة ويرفع درجة الاستعداد عنده استعدادا لمواجهة القوات إذا عبرت القناة ،ولم ندرك في ذلك الوقت أن هذه المناورات كانت جزء من الخديعة الكبرى لإسرائيل، لأنها كانت تكلف الاقتصاد الإسرائيلي ملايين الدولارات نظرا لعمليات التعبئة واستدعاء الإسرائيليين ليتركوا عملهم وينضموا لوحداتهم ويتم توزيعهم علي الجبهة . وفي نهاية شهر يونيو جاءت تعليمات القيادة العامة بتسريح الضباط والجنود المجندين منذ عام ١٩٦٦ وإنهاء خدماتهم بالقوات المسلحة وبالفعل سلمت مجموعة من هؤلاء المجندين أسلحتهم وتسلموا شهادة إنهاء الخدمة العسكريةوودعناهم وغادروا أماكنهم، ثم جاءت تعليمات أخري بضرورة إرسال أسماء الضباط الراغبين في أداء عمرة رمضان هذا العام لاتخاذ الترتيبات اللازمة لهم وهنا انتشر في الجبهة أننا سنعود لحالة الاسترخاء العسكري وقلنا إننا لن نحارب وربما ننتظر ست سنوات أخرى في هذه الأوضاع الصعبة.
وفي أول أكتوبر ومع بداية شهر رمضان المبارك صدرت التعليمات بالاستعداد لمناورات العبور واتخذنا نفس الإجراءات السابقة وقلنا كيف نقوم بمناورات عسكريةونحن صائمون لكن هذه المرة كانت المفاجأة الكبرى.
(يتبع)



