د. إيمان ضاهر تكتب: الدنيا كتاب كل خطوة منه تفتح لنا صفحة
أيها القارئ اليقظ أنا نفسي موضوع كتابي كما يقول الشاعر فيكتور هوغو، فالكتاب الجيد هو الرفيق الأنيس الرقيق، وهل نستطيع اقتحام الليل بدون تأبط الكتاب وتدفق رقة الأوراق؟ وأليست كل ورقة الرحمة الممهدة لمقاومة هاوية الجهل، حيث يزحف العقل ويهلك أيضًا الصدق؟
قارئي العزيز، من السهل أن نحلم بكتاب كما أنه من الصعب أن نصنعه.. الكتاب شخص ما ولكن لا تنخدع، "إنه العتاد" أي عدة كل شيء، إنه السيف والعمل لجمهورية عالمية شرارة شمس الحرية، وأليست النور في الكتاب؟ افتحه على نطاق واسع ودعها تشرق فلتكن عتادا للعفاة في قاموس الأفكار المتلقاة.
ما هدف القارئ من الكتاب؟ عما يبحث؟ وأجيب أن يقرأ نفسه وبينما يقرأ يعتقد أنه رما هو من كتبه حتى إنه يلوم الكاتب لأنه أخذ مكانه.. وأحيانا ما يشعر الإنسان اليقظ الذي يقرأ الكتب العظيمة بقشعريرة مفاجئة يتبعها نوع من الحرارة الزائدة. إنها فعالية الكتاب، تكون عونا متواضعا والفكرة بلسما والكلمة ضمادة والشعر طبيبا، كما يزعم أمير الشعراء أحمد شوقي. ويجيبه كبير أدباء الأدب الخالد طه حسين: "الكتاب خير جليس في كل زمان ويضيف ويل لطالب المعرفة أن رضي عن نفسه".
والكتاب هو السلاح الأول في معركة أم الدنيا "مصر، الأمة المفتوحة يتدفق من أحشائها نهر نبيل محاط بصفين من الكتب"، هدفه منع الحضارة من تدمير نفسها. إن فكرة أننا كبشر نولد ونعيش هويات مختلفة على نطاق واسع.
ولكن كيف تؤثر الهويات المختلفة على عمل الكاتب وتشكل استجابة القراء وتحدد موقعهم في المجتمع الأدبي؟ هل تصبح هوية واحدة حتما أكثر سائدة من الآخرين؟
وماذا ينقذ البشرية المجتمعية اليوم من العنف والظلام؟ البشرية اليوم تعذبها ظلال مظلمة وتعاني من أزمات فادحة بيئية وسياسية واجتماعية واقتصادية.. فما هو دور المعارض في مواجهة المصائب التي تضعف الإنسان؟ أليست معارض الكتاب حالة فكرية للخيوط التي تنسج فيها تجاربنا ورحلتنا ومعاناتنا وسعادتنا؟
أليست ولادة ككل عام بنهوضها ونشرها لمعالم الأدب والرواية والترجمة والشعر وكل أبواب الفنون الجميلة؟
وأليست من أكبر المظاهرات، حيث يحتشد الناس للاحتفاء "بعرس الكتاب" الذي يضفي على الحياة الثقافية والتربوية والتعليمية "بهاء ورونقا وارتقاء"، علاقة الإنسان الحميمة مع "شرف الكلمة"، فكلمة بعد كلمة بعد كلمة هي القوة.
أليس معرض الكتاب هو المفجر، الذي يعمل على تفاعل البشر، وابن مصر يعشق الكتاب وها هو سعيد مدى الحياة.. فأي دور كبير يلعب معرض الكتاب الدولي المصري؟
تكمن أصالة هذا المعرض في استهدافه الدائم للمبتدئين والمحترفين في الكتب والموسوعات وعامة الناس، وهو ما يفسر انطلاقته الواسعة الغنية بالحضور من كل فئات المجتمع.
ما سر نجاح هذا المعرض سنويا؟ يعتمد سر نجاحه على تنوع الدعم والعروض التقديمية والاجتماعات والمنصات، مما يجعل مصر، في كل عام تحت الأضواء باذلة قصارى جهدها لحمل رايات البهاء الأدبي والفني وكل أشكال التعبير الثقافية المتنوعة، وكلها متاحة في رحاب المعرض، أكبر موطن للكتاب في العالم.
ويعتبر هذا المعرض سفيرا ممثلا الشعوب بأكملها لعرض الإنتاج الفكري الإبداعي بورش ثقافية ممتعة وكأن باحاته عالم مصغر يحكي بإسهاب عن حضارة هذه الأمة المصرية العريقة، ملتقى الحضارات من كل بقاع الأرض وهذه السنة ستكون دولة النروج الاوروبية ضيفة عزيزة على هذا العرس المجتمعي، وسيبرهن المعرض للعالم أجمع مدى إبداعه وابتكاره بمواهب مذهلة لتنوع صناعة النشر الأدبية بكل ادواتها، يضاف إليها توليد فوائد اقتصادية واجتماعية وإنسانية كثيرة لصناعة النشر والقطاعات الإبداعية الأخرى، لتجسيد ثقافة التواصل الاجتماعي والسلام الإنساني.
وأي رتبة احتل القارئ المصري في العالم؟ شعب مصر الحببب حاز على المرتية الخامسة في العالم بمعدل ٧ ساعات ونصف حسب الاستطلاع البريطاني عام ٢٠٢١.
"مصر أمة تقرأ"، نعم، وفي القراءة الانفرادية يكون لدى الإنسان الذي يبحث عن نفسه '"فرصة" للقاء نفسه تنساب إلى عزلته وبفأسها الجليدي القاهر تكسر الروح المتجمدة أحيانا لتوهبها أجنحة تحلق بها في أي مكان بلهو مباح ونبيل. هذا اللهو المؤثر شبيه بأزميل النحات الذي يساعدنا على نحت كتلة أفكارنا ومشاعرنا في أعماق انقسنا. وماذا يحدث عندما تقرأ العيون؟ كل القراءات العظيمة في تاريخ الوجود زرعت علامات الاستفهام بوفرة...ففي الكتابة قارئي الوفي اليد تتكلم وفي قراءة العيون تسمع الكلمات.. قلت لنفسي طالما هناك كتب، فإن السعادة مضمونة، الكتابة تعني عدم التحدث، علينا بالصمت، إنه الصراخ دون ضجيج.
وأخيرا، الكتاب لديه قوة سحرية.. راقب ما يحدث في رأس طفلك عندما تقرأ له قصة! فهو يستمع اليك بشغف وينغمس في العالم الذي تكشفه له. وفجأة تبدأ الشخصيات في التحرك ويصبح للذئب خطما أكثر حدة، والأميرة لا تقع بالضرورة في حب أميرها! وتبقى القراءة فعل حب، فالكتاب وكل ما يغزيه ويدغدغه فهو خيالنا ويحول دماغنا إلى غرفة عرض شخصية.
أستاذة في الأدب الفرنسي واللغات
والفن الدرامي من جامعات السوربون في باريس



