الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

السيارات الصينية.. قصة 100 عام من التجارب والاستثمار الناجح في المنتج الوطني

أول سيارة صنعت في
أول سيارة صنعت في الصين روزا أوتو

لم يكن سهلا انتزاع الصين الريادة العالمية في صناعة السيارت وخاصة الكهربائية، وما وصلت إليه هو مسيرة قرن من التجارب والتخطيط والاستثمار في ثقافة دعم المنتج المحلي، لهذا أصبحت الصين أكبر بلد مهيمن على الصناعة في العالم، وتنافس أسياد المجال منذ نشأته في الغرب.

 

وترصد «روزا أوتو» أهم المحطات التاريخية للصين في صناعة السيارات وكيف وصلت إلى هذه الدرجة من التطور .

 

صناعة السيارات الصينية.. تاريخ حافل بالتجارب

يذكر التاريخ الصيني أن أقدم سيارة في البلاد، هي سيارة الإمبراطورة تسيشي، المرأة الحديدية التي سيطرت على الكلمة العليا في البلاد أواخر عهد أسرة تشينج، واستمرت في السلطة مدة 47 عامًا، والسيارة موجودة الآن في القصر الصيفي الشهير، وتعرف بـ«السيارة رقم 1 في الصين».

 

كانت السيارة هدية للإمبراطورة من يوان شيكاي حاكم مقاطعة شاندونغ، وأول رئيس للصين لاحقا، وجلبها من هونج كونج عام 1902، وهي من منتجات شركة بنز الألمانية عام 1898.

 

أسباب منافسة الغرب في صناعة السيارات 

في عام 1903، بدأ توافد الشركات الأجنبية العاملة في مجال بيع السيارات وقطع الغيار وتأجير السيارات واحدة تلو الأخرى، بداية من مدينة شنجهاي العاصمة التاريخية للاقتصاد الصيني.

 

بعد نحو ربع قرن وتحديدا عام 1929، بلغ عدد السيارات المستوردة في الصين 8781 سيارة، وتدفقت عليها السيارات من جميع أنحاء العالم، وخلال عام واحد فقط، ارتفع العدد بشكل ملحوظ  عام 1930  إلى 38484 سيارة، وحتى هذا التوقيت لم تكن هناك سيارة واحدة منتجة محلياً.

 

مع تزايد عدد السيارات في البلاد، بدأت مناشدات رجال الدولة والسياسة والاقتصاد بضرورة اقتحام هذا العالم ومنافسة الغرب، ووقف حائلا أمام هذا المطلب، البنية التحتية غير المؤهلة في البلاد، حسب كتاب «استراتيجية تأسيس جمهورية الصين الشعبية» للدكتور صن يات، الفيلسوف والمنظر الثوري التاريخي للصين.

 

بدأت الصين على استحياء عام 1928 إنتاج عدد من السيارات التجريبية من خلال تعيين مهندسيين أمريكيين، وفي مارس 1929، قدم مصنع مينشنج أول سيارة تجميع أطلق عليها «رايلي» ولسوء الحظ، قبل تصنيع السيارة الثانية، احتلت اليابان المقاطعات الشمالية الشرقية الصينية الثلاث وتوقف المشروع.

 

ازدهار صناعة السيارات في الصين الجديدة

بعد نجاح النظام الشيوعي في ترسيخ قبضته على السلطة كانت الصين قد استغرقت نحو نصف قرن للعودة من جديد إلى عالم صناعة السيارات، ورسمت الدولة الجديدة 3 مراحل تاريخية للتحول الصناعي في جميع المجالات ومنها السيارات: من الصفر ــ التوسع في الصناعة والإبداع ـ النمو والتنمية الشاملة.

 

في عام 1953 بدأ العمل التحضيري لصناعة السيارات، وخرجت أول سيارة في يوليو 1956 وكانت عبارة عن شاحنة، الأمر الذي يعطي صورة عن كيفية تفكير النظام الصيني الممتد حتى الآن، فإنتاج شاحنة وليس سيارة للاستعمال الشخصي، يعطي رمزية للعمل وقدسيته وتفضيله على الرفاهية في المرحلة المبكرة من عمر المشروع الصيني.

 

بعد الشاحنات اتجهت الصين لإنتاج المركبات العسكرية وسيارات الإسعاف المدنية، وسيارات الإطفاء، ولم تبدأ في إنتاج السيارات السيدان للاستخدام الشخصي إلا عام 1958، بعد نحو 5 سنوات من البدء في المشروع.

 

مع الوقت زادت مصانع قطع غيار السيارات وورش الإصلاح لتقليد وتجميع السيارات، وأحدث ذلك طفرة كبرى في تطور صناعة السيارات بالصين، وارتفع عدد الشركات المصنعة للسيارات، من مصنع واحد فقط عام 1953 إلى 16 مصنع عام 1960.

 

مع دخول حقبة الستينيات، نفذت الحكومة الصينية سياسة جديدة تحت عنوان «التكيف ـ التوحيد ـ الإثراء ـ التحسين» وخصصت الدولة صناديق ائتمان لخدمة خطة تعزيز وتطوير صناعة السيارات، وفي عام 1966، وصل حجم الاستثمار الصيني في الصناعة إلى 1.1 مليار يوان، وأسفر عن إنتاج 60 ألف سيارة سنويا.

 

أسباب نمو صناعة السيارات الصينية

كثفت الصين في هذه المرحلة من اعتمادها على الاقتصاد الوطني ومصانع السيارات المحلية، ورفضت الاستيراد بأكثر من 1% فقط من احتياجاتها، لتدخل المؤسسات في تنافس داخلي، أسفر عن تسجيل رقم قياسي في صناعة السيارات الصينية من حيث التصميمات وإنتاج معدات التصنيع، وبناء المصانع بمفردها دون استعانة بخبرات أجنبية.

 

وحملت الدولة الصينية المصانع الخمسة القديمة مسؤولية بناء ودعم مصانع السيارات الجديدة من الدرجة الثالثة ليزيد عدد الشركات المصنعة في البلاد إلى 2100.

 

وفي عام 1976، زاد عدد شركات تصنيع السيارات على الصعيد الوطني إلى 53 مصنعا، واستمرت الصين في النهوض بالصناعة ليصل إنتاج السيارات الصينية إلى نحو 222 ألف سيارة عام 1980.

 

بداية من عام1981،عززت الدولة الصينية من سياسة الإصلاح والانفتاح، وبالتدريج دخلت صناعة السيارات مرحلة التنمية الشاملة، من خلال اللامركزية وفتح الباب للقطاع الخاص والشركات الأجنبية للعمل في البلاد وضخ المزيد من رأس المال والتكنولوجيا، وإصلاح نظام إدارة الصناعة، وآلية تشغيل المؤسسات، وأسفر ذلك عن زيادة كبيرة في التنوع والجودة والقدرة الإنتاجية للسيارات.

 

وحققت هذه السياسة طفرة ضخمة مع الوقت، وولدت شركات صينية عملاقة، تنافس الآن الشركات العالمية وتهدد عروشها، ما يفتح الباب لكتابة تاريخ جديد في عالم السيارات .

تم نسخ الرابط