
3 سيناريوهات للإصلاح في «هيئة الكتاب»

محمد خضير
في المشهد الثقافي المصري، تقف الهيئة المصرية العامة للكتاب بوصفها واحدة من أعرق وأكبر مؤسسات النشر في الوطن العربي، وركيزة أساسية في صناعة الوعي وإنتاج المعرفة.. لكنها، في السنوات الأخيرة، بدت وكأنها تعيش حالة من التيه، رهينة الترهل الإداري، ومكبلة بقيود البيروقراطية، حتى تحولت بعض إداراتها إلى جزر معزولة تتنازعها المصالح الصغيرة أكثر مما يوحدها مشروع ثقافي وطني.
- رؤية "أبوالليل" للإصلاح
وسط هذا المشهد الملتبس، جاء قرار الدكتور احمد فؤاد هنو وزير الثقافة، بتولى الدكتور خالد أبوالليل تسيير أعمال رئاسة الهيئة.. قد يبدو تكليفه عابرًا أو مؤقتًا، لكنه جاء في لحظة حاسمة، إذ ترقب العاملون بالمؤسسة، والمثقفون على اتساع المشهد، ما إذا كان الرجل قادرًا على إشعال شمعة جديدة في ممرات الهيئة المظلمة، أم أن أضواء البيروقراطية ستخنق محاولاته كما خنقت محاولات من سبقوه.
فى مقابل أن الدكتور خالد ابوالليل يؤكد أنه يحمل رؤية استشرافيه للهيئة خلال الفترة المقبلة، مؤكداً أن هذه الرؤية ستعمل على التوسع في الفعاليات الثقافية، وتطوير مشروعات وسلاسل النشر التي تستهدف مختلف فئات المجتمع، مع إعطاء اهتمام خاص بالشباب والأطفال، إلى جانب تعزيز الشراكات مع المعارض والمؤسسات الثقافية المحلية والدولية، بما يسهم في نشر الثقافة المصرية وإبراز قوتها الناعمة.
- تطوير الرؤية
ورغم أن الهيئة المصرية العامة للكتاب تغلبت الفترة الماضية على أزمة تراكمات القوائم المؤجلة من الكتاب في إدارة النشر، التي بات الكاتب ينتظر خمس أو ست سنوات ليرى كتابه بين أرفف المكتبات.. ولكن نتمنى أن تطول رؤية الدكتور خالد ابوالليل وتصل إلى ما يحدث بالعالم الذي يتسابق على تسويق المعرفة بالوسائط الرقمية الحديثة، فى مقابل ما زالت بعض الإدارات بالهيئة تحيا في زمن الورق وحده، وكأنها لم تسمع بعد بديناميكيات السوق أو لغة العصر. ومما يزيد الطين بلة، أن إدارات الهيئة كثيرًا ما استسلمت لسطوة "البطانة القديمة" التي رسخت ثقافة المصالح الضيقة، وقدمت الولاءات على الكفاءات، حتى صار القرار الإداري انعكاسًا لرغبات أفراد لا لخطة مؤسسية شاملة.. ولعل الإدارة المركزية للشؤون المالية والإدارية خير مثال على هذا الواقع؛ إذ تدار الأمور فيها بعقلية "تسيير الحال" لا بعقلية الإصلاح الهيكلي.
- ثلاثية: النشر والتسويق والتوزيع
إذا جاز لنا أن نحدد مفاتيح الإصلاح الحقيقي داخل الهيئة، فإنها تكمن في ثلاث إدارات رئيسية: - إدارة النشر: هي القلب النابض للهيئة، والمحرار الذي يقيس حضورها في السوق.. الإصلاح هنا يعني تسريع وتيرة النشر، واختيار عناوين تلبي حاجات القارئ المعاصر، وتواكب الأسئلة الكبرى للثقافة المصرية والعربية. - إدارة التسويق: لا يكفي أن تنشر الهيئة كتبًا جيدة، ما لم تمتلك خطة تسويق مبتكرة تجعل هذه الكتب تصل إلى الجمهور، سواء عبر المعارض أو المنصات الرقمية أو الشراكات مع مؤسسات ثقافية محلية ودولية. - إدارة التوزيع: لطالما ظلت الحلقة الأضعف في منظومة العمل؛ إذ إن غياب الرؤية التسويقية الحديثة جعل الكتب تتكدس في المخازن بدلاً من أن تجد طريقها إلى القارئ، ولذلك فإعادة هيكلة هذه الإدارة ضرورة قصوى، لا مجرد رفاهية وبالتالى فإن إصلاح هذه الإدارات الثلاث كفيل بأن يعيد للهيئة موقعها الريادي، ويجعلها منافسًا حقيقيًا في سوق النشر العربي، بدلًا من أن تتحول إلى مؤسسة بيروقراطية فاقدة للبوصلة.
- غياب الكوادر المؤهلة
غير أن الطموحات تصطدم بعقبة خطيرة: غياب الكوادر المؤهلة القادرة على تولي المناصب القيادية.. وهذا الفراغ يفرغ محاولات الإصلاح من مضمونها، ويجعل القرارات أشبه بترقيعات وقتية، لا ببناء مؤسسي مستدام.. فلا إصلاح دون قيادات مؤمنين بالفكرة، وقادرين على حمل المشروع.
- نحو رؤية جديدة
إذا أراد «أبوالليل» أن ينجح، فعليه أن يتجاوز حدود "الإصلاح الإداري الجزئي" إلى تبني رؤية شاملة تجعل من الهيئة المصرية العامة للكتاب مؤسسة عصرية تستثمر في النشر الإلكتروني، تنفتح على القارئ الشاب، وتستعيد ثقة المبدعين الذين فقدوا الأمل في انتظار دورهم، ولذلك فالإصلاح الحقيقي لن يتحقق إلا إذا أعاد للهيئة دورها الطليعي كمنبر للثقافة الوطنية، ومساحة للتنوير، لا مجرد جهاز إداري.
- خاتمة..
شمعة أم سراب؟ وبذلك يقف الدكتور خالد أبوالليل اليوم أمام لحظة فارقة.. فإما أن يتمكن من كسر الحلقة المفرغة، ويعيد للهيئة حضورها عبر إصلاح جاد يعالج جذور الأزمة، أو يظل مجرد اسم عابر في سجل رؤساء الهيئة الذين حاولوا ولم يفلحوا، ويبقى السؤال معلقًا في فضاء الثقافة المصرية: هل ينجح "أبوالليل" في إضاءة شمعة وسط عتمة الترهل، أم تظل هيئة الكتاب أسيرة دورانها في فلك البيروقراطية، تضيّع ما تبقى لها من دور وتأثير؟