مهرجان الإسكندرية السينمائي ينعى المخرج الكبير داود عبد السيد
ينعي مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط ببالغ الحزن والأسى، المخرج الكبير الأستاذ داود عبد السيد، أحد أهم صُنّاع السينما المصرية والعربية، الذي رحل عن عالمنا اليوم 27 ديسمبر 2025، عن عمر ناهز 79 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض.
لقد فقدت السينما المصرية برحيل داود عبد السيد قامة فنية وفكرية استثنائية، ومخرجًا صاحب رؤية خاصة، ترك إرثًا سينمائيًا خالدًا، وأسهم على مدار ما يزيد على نصف قرن في تشكيل الوعي الجمالي والفكري لأجيال متعاقبة من الجمهور وصُنّاع السينما.
وُلد الراحل في 23 نوفمبر 1946، وتخرج في المعهد العالي للسينما، وبدأ مسيرته المهنية بالعمل مساعد مخرج مع كبار مخرجي السينما المصرية، من بينهم يوسف شاهين في فيلم «الأرض»، وكمال الشيخ في «الرجل الذي فقد ظله»، وممدوح شكري في «أوهام الحب».
ورغم أهمية هذه المرحلة، قرر التوقف عن العمل كمساعد مخرج، مؤكدًا في أحد تصريحاته الشهيرة: "لم أحب مهنة المساعد، كنت تعيسًا جدًا ومُملًّا كثيرًا، فهي تتطلب تركيزًا أفتقده، ولا أستطيع التركيز إلا فيما يهمني جدًا"، ليبدأ بعدها رحلته الحقيقية كمخرج وكاتب سيناريو.
وحمل داود عبد السيد الكاميرا مبكرًا، وانطلق بها في شوارع القاهرة، مقدمًا عددًا من الأفلام التسجيلية الاجتماعية التي شكّلت وعيه الفني، من أبرزها:
«وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم» (1976)، «العمل في الحقل» (1979)، «عن الناس والأنبياء والفنانين» (1980)، وهي أعمال أتاحت له الاحتكاك المباشر بالمجتمع المصري، وفهم طبقاته وتحولاته بعمق إنساني نادر.
وعلى مستوى السينما الروائية، قدّم الراحل أعمالًا أصبحت علامات فارقة في تاريخ السينما المصرية، من بينها:
الصعاليك – البحث عن سيد مرزوق – الكيت كات – أرض الأحلام – أرض الخوف – مواطن ومخبر وحرامي – رسائل البحر – قدرات غير عادية – سارق الفرح، وكتب وأخرج عددًا كبيرًا منها، مجسدًا سينما الأسئلة، والبحث، والقلق الوجودي، والاشتباك مع الواقع الاجتماعي والسياسي.
ـ جوائز وتكريمات
حصل داود عبد السيد على عشرات الجوائز المحلية والدولية، من أبرزها:
جائزة العمل الأول عن فيلم «الصعاليك» – مهرجان أسوان الأكاديمي (1985).
جائزة الهرم الفضي عن فيلم «البحث عن سيد مرزوق» – مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (1991).
جوائز متعددة عن فيلم «الكيت كات» في الإخراج والسيناريو من مهرجانات القاهرة ودمشق والإسكندرية.
جائزة الهرم الفضي عن فيلم «أرض الخوف»، إلى جانب جوائز أفضل فيلم وأفضل إخراج من مهرجان جمعية الفيلم "1999".
جائزة الإنتاج الفضية عن فيلم «سارق الفرح» من المهرجان القومي للسينما، إلى جانب جوائز دولية أخرى.
تم اختيار ثلاثة من أفلامه "الكيت كات – أرض الخوف – رسائل البحر" ضمن قائمة أهم 100 فيلم عربي الصادرة عن مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2013.
كما شارك بأفلامه وشخصه في عدد كبير من المهرجانات الدولية، وتم تكريمه في مهرجان الجونة السينمائي عام 2018، وسبق أن كرّمه مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط عام 2014 في دورة الفنان الراحل نور الشريف، تقديرًا لعطائه السينمائي الكبير.
ويؤكد مهرجان الإسكندرية السينمائي أن رحيل داوود عبد السيد يمثل خسارة فادحة للسينما العربية، إلا أن إرثه الفني سيظل حيًا، يلهم الأجيال الجديدة، ويؤكد أن السينما يمكن أن تكون فعل تفكير، ومرآة للإنسان، وأداة لاكتشاف الذات والمجتمع.. فرحم الله المخرج الكبير الأستاذ داود عبد السيد، وتقديرًا لما قدّمه من عطاء مخلص لفنه ووطنه.



