السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

هيا بنا نتجول في "سانت كاترين" حيث تتعانق الأديان وتنصهر الثقافات في بوتقة التاريخ

هيا بنا نتجول في
هيا بنا نتجول في "سانت كاترين" حيث تتعانق الأديان وتنصهر الث

- مئذنة مسجد الحاكم بأمر الله تعانق برج كنيسة التجلي داخل أسوار الدير بأعلى هضاب مصر

- البدويات يستخدمن الجمال في الصعود لمنازلهن أعلى قمة جبل موسى ويستخدمن "فيس بوك" وأحدث صيحات الموضة

- جبل التجلي يطل على دير سانت كاترين.. وشجرة العليقة  

 

فوق أعلى هضبة في مصر، تقبع أكبر محمياتها الطبيعية، بمساحة تبلغ 5130 كم مربع، وعلى ارتفاع 1600 متر فوق سطح البحر، تتنوع بين الوديان وسلاسل الجبال الشاهقة، وبين أحضانها، في قلب جنوب شبه جزيرة سيناء، على بعد 300 كيلو متر من قناة السويس، شريان الحياة العالمي، الذي تتدفق فيه السفن من وإلى أطراف الكرة الأرضية، تقبع المعالم التاريخية، والمقدسات الدينية، إسلامية ومسيحية، يحيط بها، أودية تزينها نباتات طبية نادرة، وعيون مياه جوفيه نقية، ولوحات فنية نحتتها الطبيعة، تسر الناظرين.
 
الخصوصية النادرة لمدينة سانت كاترين، جعلت سكانها من البدو، أكثر ثقافة وتحضراً مقارنة بغيرهم من قبائل سيناء، لما تحويه تلك البقعة، بين جنباتها، من أطهر المواقع الدينية قدسية، حيث تجلى الله لنبيه موسى  "فَلَمّا أَتَاها نُودِي يَا موسى أِني أنَا رَبَّك فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ اِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوى" الآية 12 سورة طه بالقرآن الكريم، وهي الأرض التي تستضيف أحد أقدم الأديرة المسيحية، دير سانت كاترين، الذي يعود بناؤه إلى القرن الرابع الميلادى، تلك الأماكن المقدسة، التي يتوافد على زيارتها سائحون من مختلف بقاع الأرض، طورت من ثقافة وحياة سكانها البدو.

 

 

فكان من الطرائف التي رصدتها  خلال رحلتي بسانت كاترين، في وقت سابق- وجدت من المناسب الآن روايتها بالتزامن مع مؤتمر السياحة الدينية المنعقد بشرم الشيخ-  تلاقي العادات والتقاليد التراثية البدوية، مع أحدث منجزات العصر، ففي الممر الصاعد من دير سانت كاترين، أسفل جبل موسى، إلى قمته، حيث ناجى نبي الله ربه، التقينا سيدة صاعدة، تعيش وعائلتها بالقرب من قمته بوادي الراح.
 
وضعت السيدة البدوية أبناءها الثلاثة فوق وعلى جانبي سنام جمل، يستخدمونه وسيلة انتقال، ومعهم حقيبة يدها، تلك الحقيبة الأنيقة التي تساير أحدث الموضات العالمية، بينما ارتدت هي زيا بدويا أنيقا ونظارة شمس، وتحمل بيدها هاتفا محمولا حديثا، وعندما طلبت منها، التقاط صورة لها وأبنائها، فضلت صورة للأبناء فقط، مضيفة في دعابة: هل ستضعها على فيس بوك؟ وعندما سألتها هل لديك حساب فيس بوك تستخدمينه وأنت تعيشين بالجبل، ابتسمت: "ومين ما بيملك فيس بوك؟!".

 


 
استغرق الصعود من الدير إلى قمة جبل موسى الذي ناجى بها نبيه الله موسى ربه، نحو ساعتين سيراً على الأقدام، بانحدار مريح يحوي نحو 3 آلاف من شبه درج من الصخور المستوية، وفي الطريق لقمة الجبل التي ترتفع 7363 قدماً عن سطح الأرض، توزعت الوديان، وحدائق الرمان والزيتون والخوخ، والعنب، التابعة لرهبان دير سانت كاترين، حيث تُروى من عيون المياه الجوفيه المنتشرة بكثرة على جانبي ممر الصعود للجبل، وخزانات حفرها البدو، للاحتفاظ بمياه الأمطار، والجليد الذي يسيل بعد أن يغطى قمة الجبل في شهور الشتاء.
 
 وبالقرب من الآبار كانت بيوت بسيطة وخيام للبدو، يتكسبون من السياحة ورحلات السفاري، وعلى ارتفاع 300 قدم أحيط حجر نحت عليه مخرات لأثنى عشر عينا من المياه، قيل أنه الحجر الذي ضربه نبي الله موسى بعصاه استجابة لأمر ربه فتفجرت المياه، بالرغم من وجود عيون أخرى تسمى عيون موسى على بعد 200 كيلو متر من هذا المكان.

 


 
في دير سانت كاترين وجبل موسى تتعانق الأديان، فأعلى الجبل شُيد دير صغير للرهبان وإلى جواره مسجد، فيما يشاهد زائروه من أعلاه أجمل منظر لسطوع الشمس حين تسدل أشعتها على سلاسل الجبال المتراصة، متباينة الارتفاعات والألوان، وهو المشهد الذي يحرص زائرو مدينة شرم الشيخ على مشاهدته، حيث يتطلب منهم ذلك التحرك في الواحدة صباحاً، لصعود الجبل فجراً، ثم الهبوط إلى الدير لزيارته، من السابعة صباحاً، وحتى الثانية عشرة ظهراً، حيث يغلق الرهبان أبواب دير سانت كاترين، بعد هذا التوقيت يومياً للتفرغ للعبادة.
 
في تلك المنطقة الوعرة، بأمر من الإمبراطورة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين، بدأ تشييد دير سانت كاترين، عام 432م، ثم أكمل في عهد الإمبراطور جوستينيان سنة 545م ليكون معقلاً لرهبان سيناء وقد سمي في العصور التالية باسم دير القديسة كاترين، وهي  أحد شهداء الإسكندرية لرؤية رآها أحد الرهبان في منامه بأنها نقلت إلى هذا الموضع فتم نقل رفاتها  بناءً على ذلك، إلى مكان الدير، وأطلق اسمها على الدير وعلى المنطقة بأكملها.
 
أعلى منحدر على جانبه ضريح لقبر نسب للنبي صالح، وبعد نحو 500 متر يقبع دير سانت كاترين، في شكل قلعة حصينة من العصور الوسطى، محاطة بأسوار عالية، يتخللها باب صغير ضيق، يضطر من يريد الدخول منه للدير إلى الانحناء، وأعلى السور بكرة كبيرة متصلة بمتراس خشبي، متشعب منه أذرع، كانت تستخدم كمصعد تاريخي، عندما يشعر الرهبان بخطر محيط بالدير فيغلقون الأبواب الضيقة، ويلقون بالحبال للرهبان ويدير من بالداخل المتراس الخشب فيلتف حوله الحبل فيقل طوله تدريجيا فيصعد بالرهبان من خارج الدير إلى سطحه ومن للداخل، وهو بذلك نموذج تاريخي للمصعد.

 


 
وبالولوج من باب ضيق بسور جرانيتي منيع يبلغ ارتفاعه 15 متراً، يعلوه أبراج مراقبة، إلى داخل الدير، تسير في ممرات ودهاليز، تصل بين الكنيسة الرئيسية وعدد من الأبنية بعضها متعددة الطوابق، في الممر الكنيسة الكبرى، تجد بئر القديس، التي كان الرهبان يستخرجون منها مياه الشرب، بحسب لافتة وضعت عليها، وعلى الجانب الآخر، كنيسة العليقة، وهي كنيسة تغطيها شجرة العليقة المقدسة، وفقاً لمعتقدات زائري الدير.
 
 و"العليقة،  شجرة فروعها متسلقة، ومن الغرائب أنه بالقرب من الدير يوجد جبل العليقة، كلما تم كسر أحد أحجارة وجدت نقوش العليقة بداخلة، ولذا يضع الزوار الأجانب في فتحات بجدار الكنسية أوراقا يكتبون عليها بلغاتهم، أمنياتهم.

 


 
 "بوابة روزاليوسف" طالعت عددا من الأوراق المكتوبة بالإنجليزية، يتمنى فيها شباب الزواج من فتيات تربطهم بهم علاقات غرام، وأخرى يتمنون فيها الشفاء من أمراض يعانون منها، في صورة منسوخة من تلك المعتقدات التي يلجأ إليها أبناء الأحياء الشعبية في مصر وعدد من البلدان العربية، عند زيارتهم لأضرحة الأولياء الذين يعتقدون في كراماتهم.
 
وكنيسة التجلي هى أقدم الآثار المسيحية بالدير مصممة على شكل البازيليكا الرومانية التى كان شائعا وقت بنائها عام 527م، وتقع فى الجزء الشمالى من الدير وبداخل الكنيسة بهو كبير يحوي زخارف تاريخية وكراسي منحوتة، يحيط بها، 12 عمودا على صفين، بعدد شهور السنة، وعلى كل جانب يوجد 4 هياكل، يحمل كل منها اسم أحد القديسين ويشرف على إدارة الدير رهبان يونانيون. 
"لأجل تحية ملكنا التقى جوستنيان العظيم" و"أيها الرب الذى تجلى برؤيته فى هذا المكان احفظ وارحم عبدك  أتيين، وبانى هذا الدير  إيليسيوس اليشع و نونا"، تلك العبارات المكتوبة وسط الزخارف على سقف كنيسة التجلي، لم تفلح مئات السنون، في محوها، و"أتيين" وفق رهبان الكنيسة هو أول من أشرف على الدير،  و"اليشع" فهو المهندس المعمارى الذى شيده، ويرجح أن تكون "نونا" زوجته، بينما القاعة المستديرة فقط جملت بالفسيفساء، الأشهر في كنائس العالم. 
 
 أسفل السقف الذي تتدلى منه ثريات ثمينة وفسيفساء كمتحف مفتوح للفنون، يوجد تابوت وضعت داخله بقايا جثة القديسة كاترين داخل صندوقين من الفضة، يقول الرهبان إن فى أحدهما جمجمة القديسة وفوق الصندوق تاج من الذهب المرصع بالأحجار الكريمة ويحتوي الآخر على يدها اليسرى، وقد حليت بالخواتم الذهبية والفصوص الثمينة .. وفي الناحية الأخرى صندوقان كبيران من الفضة على كل منهما صورة القديسة كاترين وداخلهما هدايا ثمينة مما أهداه الملوك والموسرون إلى الدير.
 
وخلف الكنيسة شجرة التجلي التي يعتقد أنه المكان الذي تجلى فيه الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى، ومن الأمور النادرة، التي تعكس تعانق الأديان في مصر، التاريخية، أن الدير فوق أحد جوانبه مسجد صغير، تعانقت مئذنته مع برج كنيسة التجلي، ويسمى مسجد الحاكم بأمر الله، بنى فى أيام الفاطميين تنفيذاً بأمر من الوزير أبو النصر أنوشطاقين عام 500 هجرية 1106م، تفصله 10 أمتار فقط عن الكنيسة الكبرى وهو مبنى باللبن والحجر الجرانيتى، فيما يحوي الدير إلى جوار كنيسة العليقة، قبر نبي الله هارون.
 
ويحوى الدير حجرة لحفظ جماجم الموتى، رصت فيها جماجم الموتى من رهبان الدير المطارنة، على مر العصور  فوق بعضها في 6 مقابر  فقط بالدير خاصة بالرهبان والمطارنة.

 

 


 
مكتبة تحوي كنزا ثمينا من المخطوطات
 
وفي الطابق الثالث من بناء قديم جنوب الكنيسة الكبرى، يصعد إليه بسلم خشبي عتيق، تقبع المكتبة التي تحوي مخطوطات نادرة، يقول عنها المهندس السيد عبدالصادق، رئيس مجلس مدينة سانت كاترين لـ"بوابة روزا اليوسف"، إن بها عدداً من الوثائق والفرمانات التى أعطاها الخلفاء والحكام للدير، على مر التاريخ للدير، أشهرها يقال  وثيقة منسوبة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يعطى فيها الأمان للدير والرهبان، يعتقد أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو من كتبها. 
 
وتتكون المكتبة من ثلاث غرف فى صف واحد تضم 6 آلاف مخطوطة أثرية باللغات العربية و اليونانية والسيريانية، إلى  بنادر من بينها مخطوطات تاريخية وجغرافية وفلسفية إضافة إلى نحو 2000 وثيقة وفرمان أعطاها الولاة للدير ومعظمها من العصر الفاطمي.
 
 إلى جانب ذلك يضم الدير معصرة لاستخراج الزيت من الزيتون .. وبئر ماء وشجرة العليقة ومخزنا قديما للطعام وحوله حديقة واسعة بها حجرة للجماجم تجمع رفات الرهبان . . وفى أعلى جبل موسى كنيسة صغيرة .يصعد إليها الزائرون وعلى مقربة منها مسجد صغير.

 

الأسطورة في تسميات بعض جبال سانت كاترين

 
 جبل البنات من أشهر جبال المحمية، يفصله وادي فيران، عن جبل سريال، ويروى أن سبب التسمية يعود إلى هروب عدد من البنات من قبيلتهن لرفضهن الزواج من أشخاص فرضتهم التقاليد عليهم، ولما لاحقهن أفراد القبيلة صعدوا لقمة الجبل، وربطن ضفائرهن ببعضها وقفزن جميعاً، ليلقين حتفهن، في سبيل حريتهن، فأطلق عليه اسم جبل البنات.
 
فيما سمي جبل سانت كاترين،  أكثر  جبال مصر، ارتفاعاً، 8563 قدماً فوق سطح البحر، وفق أساطير الرهبان، أن الملائكة قديما حملت جثة  القديسة كاترينا من مكان استشهادها فى الإسكندرية عام 307 م،  ونزلت بها إلى هذا الجبل ولم يبق منه حاليا سوى الجمجمة و عظم إحدى اليدين وهما محفوظان فى صندوق داخل الكنيسة حتى يومنا هذا ويمكن للمرء أن يشاهد من فوق قمته على مرمى البصر خليج العقبة وخليج السويس وخاصة إذا كان الجو صحواً والشمس مشرقة .
 
 
 وقال المهندس السيد عبدالصادق رئيس مجلس مدينة سانت كاترين، لـ"بوابة روزاليوسف" إن عدد الوافدين الأجانب خاصة اليونانيين، إلى المدينة ومعالمها في تزايد مستمر إلى جانب تزايد عدد الزوار من الشباب المصري، رغم أن السياحة تأثرت في جنوب سيناء بشكل عام.
 
 وأضاف عبدالصادق، من المهم أن يعلم الخارج بأن الإرهاب في رفح بشمال سيناء، لا علاقة له نهائياً بالجنوب، ولدينا مجسم في مدخل مدينة سانت كاترين، لحمامة السلام، مشيراً إلى أن المدينة  يعيش بها 7 آلاف نسمة، وهي مدينة داخل محمية طبيعية، وتحوى قريتين وتجمعات بدوية تصل إلى 44 تجمعا سكانيا، يعمل معظمهم أدلاء للأفواج السياحية، إلى جانب عمل بعضهم بالزراعة.
 
وأوضح عبدالصادق، أن السياحة البيئة والوديان التي تحوي شلالات ونباتات نادرة، من أهم ما يميز سانت كاترين، وهو ما يتيح لزائريها التتع بجو وبيئة رائعة، إلى جانب النباتات الطبيعية التي تستخدم في علاج العديد من الأمراض، وتستخدم في صناعة الدواء ولا تنمو إلا في هذا الجو البارد شتاءً، إلى جانب العديد من الحيوانات والطيور النادرة.
 

تم نسخ الرابط