باجيو عدو المسيح !!
كتب : جورج ضرغام
ماذا ينفع "روبرتو" لو خسر كأس العالم وربح نفسه؟
تقول الأسطورة الكروية، أن فريق كرة القدم في الأصل كان أثنى عشر لاعبا، بعدد حواري المسيح الأثنى عشر، اغضب أحدهم سيدهم – ربما هو الحكم وربما هوالمدير الفني أنذلك (والله أعلم)- فأخرجه "السيد" من فردوسه " مستطيله الأخضر"، فصار عدد خُلصاءه أحد عشر لاعبا ،هم رسل البهجة للعالم المأزوم.
دعك من هذا المُزاح.. فالاسطورة لا تتعدى كون صاحبها - الساخر- "يمينيا"، أراد أخراج الكرة خارج ملعبها، واداخلها مرة اخرى في سياق التفسير الديني لكل شيئ . على النقيض من هذا كله تأتي الفيفا "العلمانية" لتقحم الكرة مرة اخرى في سياق جدلي، بأقرارها أن اللعبة الأكثر شعبية في العالم خرجت من رحم البوذية، وفي الصين تحديدا، لتفسر لنا بإقرارها هذا- معضلة كروية- راودت عمالقة اللعبة ورجال الدين وتفسراسباب تحول اسطورة كرة القدم الايطالية روبرتو باجيو لديانة بوذا.
فهل أعتنق باجيو البوذية ليتقرب أو ليتبارك بأصول اللعبة الصينية مهد بوذا وكونفوشيوس؟!
بالطبع لا.. فالسؤال يغدو مزحة أخرى! فهناك غير هنا، والملاعب الاوروبية تكف عن السؤال الديني وترفع شعار:" الدين لله والكرة للجميع" وسبق لباجيو أن لقبته الصحف الايطالية بـ" ذيل الحصان الإلهي" – نسبة لفورمة شعره – ولقبوه ثانية بـ"بوذا ميلانو" . وبالطبع لم يفت القديس البوذي أن يعلن تفاصيل الحكاية.
راودت الافكار البوذية رأس باجيو في اخريات 1987 مع احساسه بالام في الركبة، فكان يجلس على أرضية ملعب التدريب "مربعا" ساقيه على الطريقة البوذية، فضحك غاليوتا احد اصدقاءه بمزحة قادت باجيو للتحول الديني :"أراك تشبه بوذا!" ثم قام غاليوتا بتعريفه على احد دعاه البوذية، كاهنا من موريشيوس لما راى باجيو انبأه بخبر سار سيحدث في اليوم الاول من العام الجديد والذي يوافق بداية السنة البوذية1988، بعدها تحسنت الام باجيو وتماثل للشفاء بفضل نبؤة الكاهن البوذي.
القديس الأزوري يشارك داوما في احتفالات البوذيين سواء بإيطاليا أو في خارجها، فها هو في 2014 يفتتح مركزا بوذيا في ضواحي ميلانو، هو أكبر مركز بوذي في أوروبا.
وقف باجيو امام الاف من المحتشدين والمعجبين ليعلن للصحافة: " أنا هنا من اجل أنشاء مشروع كبير قائما على التسامح ومشاركة الأفكار المتنوعة".
باجيو تبرع بأجره الكامل، والمدخر خلال السنوات التى لعبها في اليوفينتوس في الفترة (1990-1995) لمعهد "سوكا غاكاي" البوذي في إيطاليا لا لنشر الديانة البوذية، فما زالت زوجته أندرينا، وابناءه الثلاثة:ليوناردو، ماتتيا، وفالنتينا على الديانة المسيحية الكاثوليكية، لكن ايمانا منه بنشر ثقافة التنوع الديني.
اشهر المارقيين
"القديس الازوري" ولد وشب بين احضان حاضرة الفاتيكان وقبلة الكاثوليكية في العالم، و الايطاليون اصحاب التدين الفطري رأوا أن "القديس" اضاع احلامهم "الطاق طاقين" الاولى في التتويج بكأس العالم، والثانية في التغلب على البرازيل الخصم اللدود للأزوري، خاصة وان تلك المبارة (إيطاليا والبرازيل) لم تكن نهائي لكأس العالم فحسب، بل كانت مباراة الفصل لحسم الصراع على قمة العالم، وعدد كؤوس العالم في كلا البلدين (ايطاليا- البرازيل) ،خاصة وانهما قبل هذا النهائي المونديالي(1994) قد تساويا في حمل لقبه وكأسه بواقع 3 كؤوس لكل منهما.
"الكأس ذهبت لتمثال المسيح الفادي في ريودي جانيرو، ولم تذهب لروما ".. هكذا كانت الاجواء الايطالية بعد خروج باجيو باكيا من المباراة النهائية، وإضاعة كأس العالم على الايطاليين. صحيح أن صحف وجماهير العاصمة وصفوا باجيو بـ"الزنديق" لكنها لم تخرج عن كونها "بوهارات صحافية" وعناوين برّاقة للاثارة وتفريغ شحنة الغضب العارم. ويا للغرابة من هذا المارق الزنديق الذي كان قبل المباراة النهائية بأقل من عشرة أيام مسيحا مخلصا، استطاع بـ"بركة" كروية وتأييد سماوي أزرق بلون المنتخب الازوري، أن يخلص "شعب الفاتيكان" من هزيمة منكرة أمام نيجيريا والخروج المبكر من الدور الـ16 إلى نصر عظيم بتسجيله هدفين: التعادل والفوز.. و"يا بركة القديس باجيو لما تحل"، فقد توالت عجائبه الكروية وكراماته داخل الملعب، فيسجل جميع اهداف إيطاليا في كل الادوار النهائية بدءا من دور الـ16 امام نيجيريا، ثم العبور الى بوابة دور الـ 8 وتسجيله الهدفين الوحيدين أمام اسبانيا(2-1)، ثم احرازه هدفي الفوز أمام بلغاريا (2-1) في الدور قبل النهائي وقيادة الازوري لنهائي كأس العالم.
أغلي من الذهب
طموح باجيو الكروي كان كبيرا جدا وقتها، فالفوز بكأس العالم 1994 سيجئ بعد عام واحد من حصوله على الكرة الذهبية 1993 كأفضل لاعب في العالم، وماأدراك الجمع بين "ذهبين" و"لقبين" كبيرين لأي لاعب كرة قدم. إضافة لتكرار الانجاز في الحصول على الكرة الذهبية للعام الثاني على التوالي، والتي ذهبت بعد خسارة كأس العالم الى غريمه اللدود – في الملعب- روماريو البرازيلي، لكن ماذا ينفع باجيو لو ربح كاس العالم وخسر نفسه؟!
رغم مشروعية طموحه (الجمع بين الذهبين) كأنجاز تاريخي لأي لاعب كرة قدم، لم يبك باجيو كثيرا "على الذي مضى".
فها هو يقف لتسلم جائزة قمة السلام العالمية (Peace Summit Award) والتي تمنحها لجنة تضم بعض حاملي جائزة نوبل للسلام- وهي الجائزة التى حازها نجم هوليود جورج كلوني من قبله- الجائزة كانت تقدير لدوره الانساني في المشاركة بأعمال خيرية كثيرة ووقوفه بجانب الاطفال الايتام والمعاقين ومتضرري الحروب والكوارث الطبيعية. وها هو "القديس البوذي الازرق" يعلن امام الجميع: " الفوز بجائزة السلام أفضل من الفوز بالكرة الذهبية!!".
مباراة السلام
في ابريل من العام 2000 لعب عدد من نجوم كرة القدم "مباراة السلام" والتي نظمتها الفيفا وجمعية "البوسنة والهرسك لكرة القدم"، وشارك القديس باجيو فريق نجوم العالم "فيفا وورد ستارز" للعب أمام فريق الجمهورية الصغيرة المستقلة والذي ضم لاعبين من المسلمين والكروات، واحتشدت الجماهير الغفيرة (25 الف) في ستاد "سراييفو" الاوليمبي تخطت سعة الاستاد الرسمية الذي دمرته "الحرب البوسنية" لتهتف للقديس باجيو الذي احرز هدف المباراة الوحيد من ركلة جزاء سددها في الشباك بأبتسامة وفرح هذه المرة! فعائد المبارة المالي سيذهب الىجميعة "سوس- كينديردورف" للأيتام في "سراييفو" لسد أحتياجات الاطفال ضحايا الحرب البوسنية.
المبارايات الخيرية التي شارك فيها باجيو كثيرة، والمواقف الانسانية الدالة على التسامح والتي قام بها القديس الازرق كثيرة أيضا، فها هو يصعد ليقبل يد بابا الفاتيكان الاسبق يوحنا بولس الثاني اثناء تواجده في استاد "أولمبيكو" بالعاصمة روما، ورغم الاختلاف الديني بينهما لم يمتنع باجيو عن تحية البابا بتقبيل يده، وها هو يظهر كـ" أكسلانس" بكامل اناقته في المبارة الخيرية التي أقامها البابا فرنسيس في سبتمبر من العام 2014بين فريقي: "عظماء الكرة" و"فريق البابا" والذي ضم لاعبين من مختلف الديانات (الابراهيمية والشرقية) لتذهب عائداتها لصالح تنمية مدارس التسامح الديني، وخسر فيها "فريق البابا" بستة اهداف مقابل ثلاثة.
وقف البابا بجاب باجيو مبتسما ممسكا بالكرة. بابا السلام – رأس الكنيسة الكاثوليكية- التى تركها القديس باجيو لم يجول بخاطره أن يسأله: لماذا تركت المسيحية؟، فالسؤال من قبيل حتى المعرفة أمر مخل بالانسانية.
العاشقة أندرينا
رغم أنه ساحرا لنساء التسعينات اصحاب الانوثة الطاغية، بـ"ذيل حصانه الأسود الجامح"، وملامحه القوقازية الحادة، الا انه أكتفى بلقب "ساحرا" فقط، ولم يحصد لقب "زير"، لحبه الشديد وأخلاصه لزوجته أندرينا فاببي، فقد أحبها في سن مبكرة (19سنة)، وتزوجها في سن مبكرة أيضا وهو ابن الـ22 عاما. باجيو تصوف في حبه لإندرينا فلم يعرف غيرها على عكس عادة النجوم والمشاهير، وتفنن في تكتيك حبه لها مثلما تفنن في تكتيك كرة القدم، فكان يحضر لها كل يوم وردة بلون مختلف ، وتدخرهي الورود بكل ألوانها المختلفة إلى يوم الاحد (العطلة الاسبوعية)، وتفاجئه بتجميعها في "بوكيه" تقدمه له، والغريب أن الورود لا تذبل.. أو هكذا رأت العاشقة أندرينا: أن ورد الحبيب لا يذبل أبدا بل يحيا على زفير العاشقين !!
أندرينا في ليلة عرسها فاجأت باجيو، فاختارت "تورتة" زفافها، واصرت على تزينها بنفسها، فوضعت كمان، وبيانو من الشيكولاتا فوقها، ليأكل العاشقان موسيقاهما الرومانتيكية الهادئة، ويعيشان في سيمفونية لا تنتهي.
أنجب باجيو من زوجته ولدان هما : ليوناردو، وماتتيا. وبنتا واحدة هي فالنتينا، والتي اسماها باجيو باسم قديس الحب ورسوله "فالنتين" تكليلا لقصة حب "روبرتو- أندرينا".



