"فردقان" ... صدمة "زيدان" الجديدة
كتب - محمد نسيم
ليوسف زيدان رصيد كبير في حساب الحياة الثقافية المصرية والعربية المعاصرة، بصرف النظر عن كون هذا الرصيد بالسلب أم بالإيجاب، وبصرف النظر عن المؤيدين والمعارضين للكاتب والروائي المثير للجدل.
وبعد انشغال الساحة الثقافية والإعلامية، في الفترة الأخيرة، بكثير من الجدل بشأن ما صرح به زيدان مؤخرا في بعض حواراته التليفزيونية، يأتي الحدث "الزيداني" الأهم ــ من وجهة نظرنا؛ حيث تصدر قريبا عن دار الشروق رواية يوسف زيدان الجديدة، "فردقان".
الرواية يتناول فيها زيدان قصة حياة الفيلسوف العربي الكبير "ابن سينا"، وبالطبع ستتضمن في طياتها كثيرا من أفكاره وآرائه الفلسفية والدينية.
وبالرغم من الرصيد الزيداني الكبير ــ إلى حد ما ــ في مجال الرواية، وكذلك رصيده الكبير كباحث في التراث العربي ــ الصوفي والفلسفي بصفة خاصة ــ فإن ما أَقْدَم عليه زيدان من كتابة رواية عن "ابن سينا" ليس أمرا خاليا من التحديات، التي ستجعل "زيدان الروائي" على المحك.
بين زيدان وابن سينا:
سبق ليوسف زيدان المفكر، والباحث في التراث العربي، أن تناول شخصية ابن سينا وحياته وفكره، في العديد من أبحاثه ومقالاته. كما سبق له أن تناول العديد من نصوصه بالشرح والتحقيق أيضا.
فلزيدان شروح لقصيدة ابن سينا العينية في النفس، وله أيضا تحقيق بعض النصوص الطبية والفلسفية لابن سينا.
"ابن سينا" نفسه تم تناوله ــ حياته وأفكاره ــ على يد عشرات من الباحثين، وغيرهم من كبار المفكرين والفلاسفة على مستوى العالم.
ما الجديد الذي يمكن أن يقدمه زيدان عن حياة ابن سينا وأفكاره في كتاب واحد، هذا هو التحدي الأول.
بين زيدان وجيلبرت سينويه:
جيلبرت سينويه، لبناني الأصل، مصري المنشأ، فرنسي الجنسية، واحد من أشهر كتّاب الرواية التاريخية في فرنسا، له نحو ثلاثين رواية تُرجمت معظمها إلى اللغة العربية، أحدثها الجزء الثاني من ثلاثيته المعروفة «إن شاء الله».
من روائع جيلبرت سينويه الروائية روايته الشهيرة "الطريق إلى أصفهان"، وهي تتناول حياة وفكر "ابن سينا"، في سرد روائي رائع حقق نجاحا رائعا عربيا وعالميا.
تقريبا لا نعرف من كتب رواية عن ابن سينا سوى "سينويه"، لكن مستوى هذه الرواية الوحيدة ــ شكلا ومضمونا ــ بالإضافة لنجاحها، يجعلان مهمة زيدان مهمة صعبة.
استطاع جيلبرت سينويه، في روايته، أن "يأخذ القارئ في دروب فارس عبر محطات القوافل إلى أطراف واحات سجديان الفسيحة على تخوم تركستان.
"يرى قارئها منظر الواحات الغناء وهي تتفتق من مدن يوشك الناظر أن يجزم بأنها مدن من الخيال، تكشف الرواية عن دروع سوريا وعاج بيزنظة، ترى فيها بازارات أصفهان بما فيها من العسل والجواري البيض.
"تنتشي ملامس أنفك في أسواقها الفرعية بأنفس العطر وأكرم الطيب.
"تنام تحت النجوم في صحارى من الحجارة، أو على سفوح سلسة جبال البرز، تختلف إلى الصعاليك، وتنعم في أبهة القصور وتعبُر قرى منسية ذات شوارع ضيقة وبيوت عمياء، وتنكشف لك أسرار الحاكمين وبواطن السرايا وملاذ الحريم فترى الأمراء والشحاذين يعانون الألم نفسه، وتقتنع بأننا أبدا سواسية أمام الألم".
هذا ما جاء من وصف دقيق خالٍ من المبالغة لأحد قراء الرواية. فماذا سيقدم "زيدان" في روايته أكثر من كل هذا؟!
بين زيدان وآدم فتحي
مترجم رواية "الطريق إلى أصفهان" هو الشاعر التونسي آدم فتحي. وقد قدم لنا بترجمته هذه نصا يُعد من روائع الأدب وليس فقط من روائع الترجمة، فأصبحت لغة الترجمة العربية للرواية هي الأخرى تشكل تحديا كبيرا أمام يوسف زيدان.
يشعر المرء عندما يقرأ الرواية أنه يرتقي مع النص الروائي، عبر استخدام المترجم لغة شعرية غير متكلفة، بيد أنها ترفع منسوب النص إلى السماوات العالية:
ـ التقت شفتاهما بلطف، ثم افترقتا، ثم التقتا ثانية بعنف.
يشعر المرء بأن هناك عازفًا يعزف موسيقاه في الفضاء، فتتحول الكلمات إلى نغمات تتوالد، وكأنها التقاء الجبال وافتراقها، ويتابع:
ـ أضحت ثيابهما إساءة لا تُحتمل، وتمنى ــ للحظة ــ لو أنه ذاب فيها، مطيحًا بذلك السور الدقيق من النسيج الذي هو آخر الحواجز الفاصلة بين بشرتيهما.
اللغة وموسيقى اللغة في هذا النص يمثلان تحديا آخر ليوسف زيدان، فهل سيستطيع "زيدان" أن يقدم نصا أدبيا سرديا وحواريا يصل إلى درجة هذه اللغة، التي أسهم بنصيب كبير في بروزها كون مترجم الرواية هو في الأساس شاعر، وليس مجرد مترجم.
...
التحديات التي تواجه رواية "فردقان" ليوسف زيدان ليست قليلة، خصوصا لمن اطلع على رواية "الطريق إلى أصفهان" لجيلبرت سينويه.
ونحن في انتظار فراغ دار الشروق من طبعها وإظهارها للقراء الجادين، لنرى إن كان بها ما يمكن أن نعتبره جديدا.



