السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

«ابن الأثير» يصف رحلة إلى الجنة التي ينبع منها النيل

«ابن الأثير» يصف
«ابن الأثير» يصف رحلة إلى الجنة التي ينبع منها النيل
كتب - محمد نسيم

تراث مدفون (6)

(نصوص عربية، ننفرد بنشرها)

...

ما كتبه العرب عن مصر وتاريخها ونيلها ومدنها وآثارها القديمة، وما نسجوه حولها من أساطير وقصص وحكايات، لا يزال أغلبه مخطوطا لم يرَ النور بعد.

وهو ــ بكل ما فيه من حقيقة وخيال ــ ذو قيمة لا يمكن وصفها، ويستحق كثيرا من العناية والاهتمام، لما يمكن أن يقدمه لنا ويدل عليه من معارف ومعلومات.

من مخطوط، من مقتنيات مكتبة آيا صوفيا، للمؤرخ العربي الشهير، ابن الأثير الجزري، المتوفى عام (630هـ)، ننفرد بنشر هذا النص الغريب.

المخطوط بعنوان (كتاب تحفة العجائب وطرفة الغرائب)، ولا يقتصر ما فيه على عجائب وغرائب مصر فقط، بل يضم أخبارا وحكايات كثيرة عن كثير من عجائب المخلوقات، بداية من الملائكة وسُكّان الفضاء، حتى عجائب النبات والحيوان والمعادن، مرورا بغرائب الأقاليم وما تحويه من أنهار وبحار، وما فيها من عجائب الآثار.

وفي النص الذي نقدمه هنا عن عجائب النيل، نقرأ، فيما نقرأه، قصة عن رحلة لأحدهم إلى منابع النيل الذي ورد عنه في بعض الآثار أنه ينبع من الجنة، ونقرأ وصفا لبعض تفاصيل الجنة التي ينبع منها النيل.

وفيها أن هذه الجنة هي التي خرج منها آدم بعد أن أغواه إبليس. ونحن نرى علاقة هذه الأسطورة بما أثبتته بعض الأبحاث العلمية الحديثة من أن تلك المنطقة، في شرق وسط إفريقيا، هي المهد الأول للجنس البشري.

ومن هنا تنبع أهمية بعض الأساطير، باعتبارها تحمل دلالات أدبية خيالية على معارف حقيقية.

والآن، نترك ابن الأثير يتكلم.

...

يقول ابن الأثير، (في الأنهار وعجائبها) في كتابه المخطوط:

ذكر نهر النيل

ليس في الدنيا نهر أطول منه، لأنه مسيرة شهرين في الإسلام، وشهرين في النوبة، وأربعة أشهر في الخراب. ومخرجه من بلاد جبل القمر، خلف خط الاستواء.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن النيل يخرج من الجنة، ولو التمستم فيه حين يخرج لوجدتم من ورقها.

حُكي أن رجلا من ولد العيص بن إسحاق، يُسمى حامد، لما دخل أرض مصر ورأى عجائبها آلى على نفسه ألا يفارق ساحل النيل إلى منتهاه أو يموت. فسار ثلاثين سنة في العامر، وثلاثين في الخراب، حتى انتهى إلى بحر أخضر فرأى النيل ينشق مقبلا، وأنه رأى هناك دابة قعدت به.

وأنه وقع في أرض من حديد، جبالها وأشجارها من حديد، ثم وقع في أرض من نحاس، جبالها وأشجارها من نحاس، ثم وقع في أرض من فضة، جبالها وأشجارها من فضة، ثم وقع في أرض من ذهب، جبالها وأشجارها من ذهب.

ثم إنه انتهى إلى سور من ذهب، وفيه قبة من ذهب، لها أربعة أبواب، والماء ينحدر من ذلك السور ويستقر في تلك القبة ثم يخرج من الأبواب الأربعة، فأما ثلاثة منها فتغوص في الأرض، وأما الرابع فيجري على وجه الأرض، وهو النيل.

وأنه أتاه ملَك وقال له: يا حامد، هذه الجنة. ثم قال له الملك إنه سيأتيك رزق من الجنة فلا تؤثر عليه شيئا من الدنيا، فبينا هو كذلك إذ نزل عليه عنقود من العنب فيه ألوان ثلاثة، لون كاللؤلؤ الأبيض، ولون كالزبرجد الأخضر، ولون كالياقوت الأحمر، فقال له الملك: يا حامد، هذا من خضرة الجنة.

فأخذه حامد ورجع، فرأى شيخا تحت شجرة من التفاح حسنة، فحدثه وآنسه، وقال له: يا حامد، ألا تأكل من هذه التفاح؟ فقال له: إن معي طعاما من الجنة. ولم يزل به الشيخ حتى عض على تفاحة، فرأى ذلك الملك وهو يعض على إصبعه ويقول له: أتعرف هذا الشيخ؟ فقال: لا. قال: هذا الذي أخرج أباك من الجنة. لو قنعت بهذا الذي معك لأكل منه أهل الدنيا ولم يتعدوه. والآن: مجهودك إلى مكانك!

فسار حتى دخل مصر، وجعل يحدث الناس بما رأى.

وأما عجائب هذا البحر فكثير، أثبتنا بعضها، وأضربنا عن بعض لشهرتها ومعرفة الناس بها. فمنها التمساح، وهو شكل بشع هائل المنظر، يشبه الوزغ، ويبلغ طوله أحد عشر ذراعا، ويكون طول رأسه ذراعان. وهو عظيم الضرر.

ومنها سمكة يقال لها «أم عبيدة«، وهي سمكة تحيض كما تحيض النساء، وهي طيبة الطعم. ومنها كلب الماء، وفرس الماء، وحيَّة الماء، وهي المسمومة. وبناحية النيل، أسفل من رشيد، ضرب من السمك يقال إنه ينفع للسوداء. وفيه سمك يقال له الغافور (...).

وبمدينة قليوب بحيرة، ظهر بها، في سنة من السنين، سمك كانت عظامه ودهنه تضيء بالليل المظلم كالسراج، من أخذ منه عظمة في يده أضاءت معه كالسراج إلى منزله، وأغنته عن السراج، وكذلك إذا دهن أصابعه بدهنه تضيء أصابعه كالسراج، ثم انقطع ذلك ولم يوجد بعد ذلك. والله أعلم.

تم نسخ الرابط