مبدأ قانوني: إطلاع المسجون على صورة أي حكم له
كتب - رمضان أحمد
حكمت المحكمة الدستورية العليا، رئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، بعدم دستورية نص البند (7) من المادة (13) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، ونص المادة (81) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون؛ فيما لم يتضمناه من وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون نفسه. اطلاع كل مسجون في أقرب وقت على صورة أي حكم أو ورقة تعلن إليه.
وتنص المادة 81 من القانون على أنه ''يكون إعلان المسجونين إلى مدير السجن أو مأموره أو من يقوم مقامة ويجب عليه أن يتخذ جميع الوسائل الكفيلة باطلاع كل مسجون في اقرب وقت على صورة أي حكم أو ورقة تعلن إليه في السجن وتفهيمه ما تضمنته اذا ابدى المسجون رغبته في إرسال صورة الإعلان إلى شخص معين وجب إرسالها إليه بكتاب موصى عليه وإثبات هذه الإجراءات في سجل خاص''.
كما قضت بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال أثره، دون إخلال باستفادة المدعى منه.
وأقامت المحكمة قضاءها تأسيسًا على أن المقرر كذلك- في قضاء هذه المحكمة- أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملًا بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيـود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إن حق الدفاع أصالةً أو بالوكالة- وفقًا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- قد كفله الدستور، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا في دائرة الترضية القضائية التي يُعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضي ما لم يكن متساندًا لضمانة الدفاع، مؤكدًا لأبعادها، عاملًا من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعًا وراء جدران صامتة؛ يؤيد ذلك أن الحقـوق التي يكفلها الدستور أو النظم المعمول بها تتجرد من قيمتها العملية إذا كان من يطلبها عاجزًا عن بلوغها من خلال حق التقاضي، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها لا يتماثلون فيما بينهم في أسلحتهم التي يشرعونها لاقتضائها. ولا يعدو أن يكون إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها إخلالًا بالحق المقرر دستوريًّا لكل مواطن في مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، وليس النزول عليها إلا توكيدًا للحق في الحياة والحرية، حائلًا دون اقتحام حدودهمــا، وذلك سواء أكان إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها متصلًا بحق كل شخص في أن يعرض بنفسه وجهة نظره في شأن الواقعة محل التداعي، وأن يبين حكم القانون بصددها، أم كان منسحبًا إلى الحق في أن يقيم باختياره محاميًا يطمئن إليه لخبرته وملكاته، ويراه- لثقته فيه- أقدر على تأمين المصالح التي يتوخى حمايتها، ليكون الدفاع عنها فعالًا، محيطًا بالخصومة القضائية التي تتناولها، نائيًا عن الانحدار بمتطلباتها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية التي يمليها التبصر وتفرضها العناية الواجبة.
وحيث إن المشرع بتقريره النصين المطعون فيهما قد مايز في كفالة كل من حق التقاضي وحق الدفاع بين المتقاضين من الأشخاص الطبيعيين، إذ قسمهم- في شأن وسائل اتصالهم بالخصومة في الدعوى المنظورة- إلى فئتين، ووضع لكل منهما نظامًا لإعلانهم بتلك الخصومة يختلف عن الأخرى، بالرغم من تكافؤ المركز القانوني للخصوم في الدعوى القضائية؛ فاختص الفئة الأولى منهما، المتمثلة في المعلن إليهم غير المسجونين، بتنظيم تشريعي لتسليم الأوراق المطلوب إعلانها، تتضمن خطوات متتابعة تكفل ضمان علم المتقاضي المُعلن إليه بتلك الأوراق، وذلك على النحو الوارد بنصي المادتين (10) و(11) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، في حين افترض المشرع تمام هذا العلم بالنسبة للمعلن إليهم من الفئة الثانية التي تشمل المسجونين، بمجرد تسليم صورة الإعلان إلى مدير السجن أو مأموره أو من يقوم مقامه، على النحو الذي تضمنه النصان المطعون فيهما، وكان أولئك المتقاضين من الفئتين المشار إليهما في مركز قانوني واحد بالنظر إلى وحدة توافر صفة المعلن إليه بأوراق الدعوى في كل منهما؛ مما مؤداه وجوب خضوع التنظيم القانوني لإثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها لقواعد إجرائية وموضوعية وفقًا لمقاييس موحدة، سـواء في مجال اقتضاء الحق أو التداعي بشأنه، أو في مجال الحق في سلوك طرق الطعن في الأحكام الصادرة في المنازعات المطروحة أمام القضاء.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان هذا التمييز بين فئتي المتقاضين على النحو المتقدم يُعد تمييزًا تحكميًّا غير مبرر؛ إذ لم يستند إلى أسس موضوعية تقتضيها طبيعة المنازعة، دون أن يقدح في ذلك قالة استناد هذا التمييز إلى كون المعلن إليه مسجونًا مما يقتضيه ذلك من تنظيم إعلانه وفقًا للنظام القائم في السجون، ودون أن يؤثر في قيام هذا التمييز التحكمي غير المبرر ما يتضمنه نص المادة (81) من قانون تنظيم السجون المشار إليه من وجوب أن يتخذ مدير السجن أو مأموره أو من يقوم مقامه جميع الوسائل الكفيلة باطلاع كل مسجون في أقرب وقت على صورة أي حكم أو ورقة تُعلن إليه في السجن وتفهيمه ما تضمنته، إذ لا يؤدي ذلك في ذاته إلى ضمان ثبوت علم المسجون المعلن إليه بمضمون الأوراق محل الإعلان، ومن ثم فلا يُغني الواجب المشار إليه عن إثبات واقعة تسليم المسجون المعلن إليه نفسه تلك الأوراق؛ توطئةً لعلمه بمضمونها، ومن ثم يكون النصان المطعون فيهما قد اختصا الفئة الثانية من فئتي المتقاضين المشار إليهما- وتشمل هذه الفئة المدعي في الدعوى المعروضة- بمعاملة استثنائية تفتقر إلى الأسس الموضوعية التي تسوغها، بأن حرمتهم من ضمان تسليمهم أوراق الدعوى؛ توطئة لإحاطتهم بمضمونها، وكانت هذه المعاملة الاستثنائية لمجرد كونهم مسجونين، مع أن مساواتهم بأقرانهم أوجب وأولى لكونهم مقيدي الحرية من ناحية، ولوجودهم في مكان معيّن معلوم وهو السجن من ناحية أخرى؛ مما مؤداه انعدام المانع أو الحائل المادي من تسليم الأوراق المطلوب إعلانها إلى أشخاصهم، وتبعًا لذلك؛ يكون هذان النصان قد سلبا المدعي، على خلاف أقرانه من أفراد الفئة الأولى، حقه في النفاذ إلى القضاء وحرماه من ضمانة الدفاع، بعد أن أضحى عاجزًا عن بلوغها بانتفاء علمه بالدعوى المقامة ضده، جراء عدم تسلمه أوراقها، والاكتفاء بتسليم صورة إعلانها إلى القائم على سجنه، وغدا بذلك مسلوبًا أسلحته في الدفاع وعرض وجهة نظره في الواقعة محل التداعي في مواجهة خصومه الذين تتعارض مصالحهم معه بشأنها؛ بالرغم من وجوب تماثلهم جميعًا في تلك الضمانات، وبذلك يكون النصان المطعون فيهما قد أخلا بمبدأ المساواة، وقيدا حق التقاضي، وأهدرا حق الدفاع؛ بما يتعين معه القضاء بعدم دستوريتهما.



