الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

الرابحون والخاسرون في العدوان الثلاثي على سوريا

الرابحون والخاسرون
الرابحون والخاسرون في العدوان الثلاثي على سوريا
كتب - عبد الحليم حفينة

"الضربة فشلت في التغطية على اتهام حملة ترامب بالتواصل مع الروس في الانتخابات الرئاسية

النظام السوري ارتفعت معنوياته وأصبح أكثر ثقة بعد تصدي دفاعاته الجوية للصواريخ على بلاده

ماكرون أراد أن يدافع عن تهمة التردد مثل سابقه أولاند في ضربة 7 إبريل 2017 لكن جاءت الرياح بما لا يشتهي


في غمرة الانتصارات التي يحققها الجيش السوري على الأرض، وفي انتظار أن تضع الحرب أوزارها في سوريا الجريحة؛ أبت قيادات الدول الثلاث، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلا أن تشعل لهيب الحرب بعدما بدأت تخبو نيرانها.

 قاد ثلاثتهم عدوانًا على أهداف سورية بذريعة استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي أثناء هجوم شنّه على مدينة دوما بالغوطة الشرقية، التي كان يحاصر بداخلها ما يسمى "جيش الإسلام"، الذي غادر مسلحوه المدينة مؤخرًا بعد اتفاق قضى بخروجهم بالأسلحة الخفيفة إلى مدينة طرابلس شمال حلب.

في عرف السياسة، لا تحرك إلا لهدف، ولا مجال للنوايا الطيبة والشعارات النبيلة، التي عادة ما يستخدمها الغرب مبررًا أخلاقيًا لانفلات سياسي وعسكري تكون محصلته النهائية في الأغلب، مقتل مئات المدنيين، وفي أحيان أخرى مئات الآلاف كما حدث في العراق وأفغانستان؛ لكن لا يعني تجار الموت من قتل، بقدر ما تشغلهم المكاسب من وراء كل روح أزهقت.

وبوضع العدوان الأخير في دائرة التقييم، وبالنظر إلى دور القوى الدولية في المنطقة، يلزمنا أن نعرف من ربح ومن خسر من إراقة الدم السوري؟! المعسكر الروسي أم الأمريكي؟ هذا ما نجيب عنه في هذا التقرير.

 

الأمريكان وأتباعهم واستراتيجية "الطلقة الواحدة"

على طريقة "رعاة البقر" خرج جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي بعد الهجوم ليصفه بأنه "رصاصة لمرة واحدة فقط"، واصفًا الضربة بأنها كانت مركزة "كمًا ونوعًا"، وعلى عكس ما يبديه التصريح من ثقة في تحقيق الهدف من الهجوم، إلا أن وراء "الطلقة الواحدة" هذه تكمن التفاصيل.

تشير تقارير صحفية إلى أن ترامب ومستشاره جون بولتون كانا متحمسين لهجوم قاسٍ على القوات السورية، يتم بمقتضاه تدمير القوات الجوية للجيش السوري، لكن حسابات السياسة قادت ترامب للخضوع لرأي وزير دفاعه ماتيس، التي نادي بها إلى جواره جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة بالجيش الأمريكي.

"ماتيس ودانفورد" اعتمدا في رأييهما على إستراتيجية الضربة المحدودة التي من شأنها حفظ ماء وجه الرئيس بعد تصريحاته التي وعد فيها برد عنيف، ومن ناحية أخرى لا تكون الضربة استفزازية للجانب الروسي بالقدر الذي يستدعيه لرد عنيف ربما يقود الجانبين إلى حرب الجميع في غنى عن الاكتواء بنارها.

يبدو أن الأمريكيين تحكمهم سياسة رد الفعل المتهور، أكثر من الاعتماد على استراتيجية التروي والنفس الطويل، وهذا ليس ببعيد عن رئيس يصدر قراراته عبر موقع تواصل اجتماعي، ولا يحترم الأعراف والتقاليد المعمول بها في أروقة السياسة الأمريكية.

وبالرجوع إلى معايير المكسب والخسارة نجد أن ترامب اجتر خسائر كبيرة من رواء هذا الهجوم خصمت من شعبيته، فقد وجهت انتقادات حادة من جانب مؤيديه تحديدًا عبر موقع تويتر، فقد قالت لورا إنجراهام المذيعة بشبكة فوكس نيوز "إن هذا ما لم ينتخب الرئيس من أجله" في إشارة للهجوم على سوريا، في حين قالت آن كولتر وهي مؤيدة لترامب "الضرر المباشر كان في بعض المباني بدمشق، بينما أصاب الضرر الجانبي قاعدة ترامب الشعبية."

وجهت لـ"ترامب" أيضا انتقادات عنيفة من داخل الكونجرس؛ حيث وصف تيم كين السيناتور الديمقراطي القرار بأنه "متهور" و"غير قانوني"، في حين أصاب الغضب الحزب الجمهوري أيضا، فقد وصف عضو الكونجرس توماس ماسي بأن القرار بالهجوم غير دستوري.

 

الفرنسيون والإنجليز التابعان الطيّعان

بدت تيرزا ماي أكثر محافظة في تصريحاتها من ترامب؛ حيث قالت في سياق تعليقها على الهجوم الثلاثي أن الأمر لا يتعلق بالحرب الأهلية أو تغيير النظام، وأن الهجمات جاءت لردع النظام السوري عن استخدام السلاح الكيماوي، وكان من الواضح أن ماي تحاول تبرير الاشتراك في الهجوم بدون العودة للبرلمان، خاصةً مع معارضة حزب العمال الشرسة للهجوم بقيادة جيرمي كوربين، الذي وصف قرار مشاركة بلاده في العمل العسكري بـ"المشكوك فيه قانونًا مؤكدًا على أن القنابل لا تنقذ الأرواح أو تجلب السلام.

ولم تكن هناك حاجة ملحة للبريطانيين للهجوم على سوريا، غير تبعيتهم التي باتت مفضوحة للولايات المتحدة، هذا من جانب، ومن ناحية أخرى نكاية في موسكو على ما يبدو، الذي تصاعد العداء معها مؤخرًا على خلفية محاولة اغتيال الجاسوس الروسي سكريبال؛ الأزمة التي أدت إلى وصول العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والغرب إلى أدنى مستوى لها.

وفي ذات السياق بدا الرئيس الفرنسي معتزًا بالإرث الاستعماري الذي لبلاده بسوريا، وقد ارتدى ثوب الحمل الذي يدافع عن الأبرياء الذي يقتلون بسوريا، وكأن الهجوم الأخير هو التدخل الذي حسم المسألة وأنهى التناحر وأعاد اللاجئين، بينما في حقيقة الأمر الجميع يبحث عن موطئ قدم بشرق المتوسط، والتزاحم على بسط النفوذ، إلى جانب تأمين الكيان الصهيوني بالطبع، ربما تكون هذه أسباب كافية لتبعية باريس ولندن لواشنطن في مواجهة النفوذ الروسي والذي يتبعه بالضرورة تمدد إيراني بالمنطقة.

 

الروس ونفوذ ممتد ومتصاعد

مثلت جولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط عام 2005 الإعلان عن عودة الدب الروسي إلى حلقة الصراع من جديد، ومن هذا التاريخ لم تعد الولايات المتحدة تملك زمام الأمور في الشرق الأوسط، وتجلى هذا النفوذ في مفاوضات مجموعة 5+1 مع إيران، وكان التدخل الروسي في الأزمة السورية عام 2015 رسالة أخرى جديدة للغرب بأن هناك واقعا جديدا على الجميع أن يحترمه.

جاءت الضربة الأخيرة بمحدوديتها وكأنها استئذان من الروس لحفظ ماء وجه ترامب بعد التصريحات العنترية، ووفقًا لآراء محللين سياسيين فإن الضربة كانت بمعلم موسكو وبترتيب مسبق، ويتم التدليل على ذلك بحجم الخسائر البسيطة الناجمة عن الهجوم، فقد أشارت تقارير صحفية إلى أنه تم إخلاء كل القواعد والمطارات العسكرية السورية المستهدفة مسبقًا، وإرسال الطائرات الحديثة إلى القواعد العسكرية الروسية في حميم وطرطوس.

أوضح الهجوم الأخير الثقل الروسي بالمنطقة، الذي يستند عليه النظام السوري في طرد الجماعات الإرهابية من الأراضي السورية، إضافة إلى أن روسيا تبحث بالأساس عن تثبيت دعائم نفوذها بالتمركز في سوريا المطلة على شرق المتوسط، إلى جانب دبلوماسيتها التي ربما قد تكون أخرجت تركيا بشكل عملي من حلف الناتو.

النظام السوري من جانب آخر حقق مكاسب تفوق حجم الخسائر المادية البسيطة التي خسرها؛ حيث استمد شرعية من ضربة غير مشروعة دوليًا، الأمر الذي يعزز من الحل السياسي المستقبلي معه، إضافة إلى الحصول على وعد روسي صريح بتسليمه صواريخ "إس 300" و"إس 400" للتصدي لأي صواريخ أو طائرات حربية فيما بعد.

فيما يبدو أن الهجوم الثلاثي لم يسفر إلا عن مزيد من تورط الغرب في الأزمة السورية في مواجهة تنامي النفوذ الروسي في المنطقة، فأنفاس الغرب المرهقة من تكرار تورطها في الحروب باتت غير قادرة على ملاحقة قفزات الدب الروسي.

تم نسخ الرابط