سيناء.. وحكايتها من "حور محب إلى السيسي"
كتب - عادل عبدالمحسن
منذ فجر ما قبل التاريخ بآلاف السنين وسيناء في قلب وعين كل مصري ومصرية، ويظهر ذلك من خلال الظواهر الأثرية في كل ربوعها، حيث توجد بقايا الطريق الحربي الكبير الذي يمر بها.
كان المصريون الأوائل قد استغلوا المعادن الموجودة على أرض سيناء بإقامة مناجم لاستخراج النحاس، هذا المعدن الذي عرفه المصريون القدماء منذ عصر حضارة "الداري"، والذين كانوا يصنعون منه بعض أدواتهم البسيطة وحليهم واستغلال أكسيد النحاس في "الكحل"، وبعض أدوية العيون، كما أقاموا مناجم لاستخراج "الفيروز" من أرض سيناء، هذا الحجر الذي يوصف بأنه "نصف كريم"، وكان يستخدم للزينة واستخدامه بعد طحنه في أعمال "التلوين"، الذي برع فيها الفراعنة، ومنذ عهد الأجداد الفراعنة حرص ملوك مصر على تشييد القلاع والأبراج واستغلال المناجم في سيناء، التي أعادت حتشبسوت افتتاحها وتوسعت فيها خلال الفترة من 1490 إلى 1469 قبل الميلاد، ومن أرضها بمدينة "نارو" قرب القنطرة حاليًا انطلق تحتمس إلى بلاد "يورحم"، وفرض عليها سلطة الدولة المصرية من عام 1479 حتى سنة 1436.
اضطرابات في أرض الفيروز نتيجة انشغال إخناتون بالعبادة
وعندما تضعف قبضة السلطة المركزية يطمع الطامعون حيث أهمل أمنحتب الرابع "إخناتون"، الشؤون الحربية وتفرغ لعبادة الإله "آتون" المتمثل في قرص الشمس فازداد نفوذ الممالك المجاورة حتى إنهم سعوا للسيطرة على أجزاء من سيناء سنة 1406 قبل الميلاد وتولى بعده عنخ آمون الذي أدار البلاد في فترة انتقالية سادها الاضطراب والاضمحلال في كل مناحي الحياة نتيجة الصراع بين رجال الدين، ففي عهده تمت العودة إلى عبادة آلهة مصر القديمة المتعددة حتى يخمد ثورة كهنة آمون، وبعدما توفى توت عنخ آمون سنة 1350ق.م تولى مقاليد الحكم القائد العسكري "حور محب"، الذي فرض سلطة الدولة على سيناء وعلى الطريق الحربى وقاد حملة إلى سوريا ليفرض سيطرتها على الولايات التي كادت تستقل عن السلطة المركزية وسنة 1348عقد الملك رمسيس الثاني صلحًا مع الحيثيين، بعدما اشتبك معهم في معركة قادش وهزمهم شر هزيمة، وعندما دخل الإسكندر مصر ثم أتى الرومان ظلت سيناء كباقي أجزاء الوطن محتلة، حتى جاء عمرو بن العاص وفتحها عبر سيناء، لتكون مصر الكنانة حامية حمى الإسلام والمسلمين وفى 13 فبراير 1841 صدر فرمان عثماني منح بمقتضاه محمد علي وأبناءه من بعده حكم مصر والسودان، وأرفقت خريطة بالفرمان لتوضيح ماهية حدود مصر، والتي وضعت الغالبية العظمى لسيناء داخل مصر، واستمر الوضع على هذا الحال حتى عام 1892.
الأتراك حاولوا عزلها عن مصر
وحين أرسل السلطان العثماني فرمانا لمصر يحرمها من نصف سيناء، فتدخلت بريطانيا التي كانت تحتل مصر وحدثت أزمة مشهورة سميت أزمة الفرمان ولكنها انتهت بموافقة السلطان عبد الحميد الثاني على خط الحدود المصرية الذي يبدأ من رفح شمالاً على البحر المتوسط إلى رأس خليج العقبة جنوباً على نقطة تقع على بعد ثلاثة أميال غرب قلعة العقبة.
وفى سنة 1902 جاءت لجنة يهودية برئاسة الصهيوني يتودور هرتزل وهو صحفي يهودى نمساوى لاستئجار أراضٍ على ساحل البحر المتوسط بسيناء لإقامة مستوطنات يهودية عليها، ولكن الحكومة المصرية رفضت بكل قوة المخطط الصهيوني الخبيث.
وفي عام 1906 حدثت أزمة أخرى حينما أرسل العثمانيون طوربيدا بحريا إلى منطقة طابا بجنوب سيناء، فحدثت أزمة كبيرة تدخلت على إثرها بريطانيا للمرة الثانية وأجبرت العثمانيين على الانسحاب، وبعدها تقرر بناء خط الحدود المصري بعلامات مرقمة، وذلك كما ذكر في كتاب تاريخ سيناء لمؤلفة اللبناني شقوير نعوم الذي كان يعمل في المخابرات الإنجليز.
محاولة صهيونية لاستئجارها 99 عامًا
ولم ييأس اليهود أو يتوقفوا عن محاولات استيلاء على أراضي سيناء، فقبل قيام دولة الكيان الصهيوني بـ3 سنوات وتحديدًا في عام 1945عرضت وكالة الهجرة اليهودية استئجار سيناء لمدة 99 عامًا ورفضت مصر مرة أخرى.
ولكن واصلت إسرائيل بكل الطرق استهداف سيناء، حيث تحالفت مع إنجلتر وفرنسا عام 1956 وبدأت العدوان الثلاثي بمهاجمة منطقة الكونتلا في سيناء، واضطرت القوات المصرية للانسحاب منها لمواجهة القوات الإنجليزية والفرنسية التي تهاجم مصر عبر شواطئ البحر المتوسط في بورسعيد والبرلس، وانتهى العدوان، ولكن لم تتوقف إسرائيل عن أطماعها، حيث شنت هجومًا جديدًا عام 1967 واحتلت سيناء فدخلت مصر في حرب استنزاف للعدو الصهيوني حتى لا يهنأ على أرض الفيروز، وبعد مرور أقل من 6 سنوات على النكسة عام 67 شنت مصر هجومًا كاسحًا ضد قوات العدو الإسرائيلي، اقتحمت خلاله خط بارليف وحطمته واستولت على أجزاء كبيرة من سيناء واستعادتها كليًا بتوقيع معاهد السلام المصرية - الإسرائيلية برعاية أمريكية ولم يتبق سوى منطقة طابا، والتي استعادتها مصر بالحصول على حكم من محكمة العدل الدولية ورفعت العلم المصري عليها يوم 19 مارس 1989.
سيناء.. الرأس التي فشل "الدواعش" في قطعها
وبعدما تحررت أرض الفيروز من الاحتلال الإسرائيلي، ظلت مثار أطماع كل طامع حيث بدأت الجماعات التكفيرية في تكوين بؤر إرهابية، خاصة في المناطق المتاخمة للحدود وبمنطقة الأحراش في رفح وطوال فترة الرئيس الأسبق حسنى مبارك لم تكن هناك إرادة سياسية لمواجهة هذه الجماعات والقضاء عليها فزاد خطرها بعد أحداث 25يناير 2011 حيث استغلت جماعة الإخوان الإرهابية المتحالفة مع تلك الجماعات، وقوى إقليمية ودولية مناهضة لمصر حالة الفوضى والانفلات الأمني في زيادة أعداد وعتاد التكفيريين، حتى يكونوا ظهيرًا مسلحًا يواجه الجيش المصري عندما تحين لهم الفرصة في إطار سعيهم للسيطرة على مقدرات الدولة المصرية وحكمها بالحديد والنار أو استقطاع سيناء من جسد الدولة المصرية. وليس أدل على ذلك قيام تلك الجماعات بقتل الجنود الصائمين في شهر رمضان، والذين كانوا في انتظار الإفطار في رفح.
ثم جاء تصريح الرئيس المعزول محمد مرسى المهزلة بالحفاظ على حياة الخاطفين والمخطوفين بعد اختطاف تلك الجماعات عددًا من رجال الجيش والشرطة في سيناء، حتى وصلت الأمور في مصر إلى حد يهدد كيان الدولة، فخرج الشعب المصري يوم 30 يونيو في ثورة عارمة ضد حكم جماعة الإخوان، التي كانت تقود مصر إلى الهاوية.
ولكن القيادة العسكرية للجيش المصري كانت على مستوى الحدث واستطاعت أن تنجو بمصر من نفق مظلم لم تشهد مثيلًا له سوى أيام إخناتون وتوت عنخ آمون في صراع كهنة الإله آمون ضد الدولة، حيث تولى الحكم القائد العسكري حور محب واستطاع أن يعيد الاستقرار إلى مصر تمامًا مثلما يفعل الرئيس عبدالفتاح السيسي حاليًا، حيث تقوم المسلحة المصرية بتطهير سيناء من الإرهابيين، ورصد 275 مليار لتنميتها وشق 4 أنفاق أسفل قناة السويس لربطها بباقي أجزاء الوطن بخلاف الكباري المتحركة وكوبري السلام العلوى في القنطرة بالإسماعيلية، ومدها بمياه النيل عبر سحارة سرابيوم.
مما يؤكد أن مصر لن تضحى بذرة رمل من سيناء، وتبقى أحاديث الإسرائيليين والإدارة الأمريكية الحالية عن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء مجرد أوهام.
هذه الأحاديث لم تكن وليد هذه الأيام، حيث كان وزير الإسكان الإسرائيلي سنة 2008 قد دعا إلى توطين الفلسطينيين في سيناء، وتصدت مصر لهذه الدعوات الخبيثة وهذا يشير إلى أن ما يحدث في سيناء بأيدي الجماعات الإرهابية مؤامرة، الهدف منها توطين الفلسطينيين في سيناء، ولكن هيهات هيهات، ستتحطم أطماع المتآمرين على يد المصريين.



