السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

جلال أمين.. أستاذ تشريح الشخصية المصرية

جلال أمين.. أستاذ
جلال أمين.. أستاذ تشريح الشخصية المصرية
كتب - مصطفى سيف

سيبقى مرتبطًا بالحياة حتى لو فارقها، لن يفعل ذلك بجسده؛ لكن بالروح، ستظل جليّة بإنسانية مفرطة تظهر من خلال كتابته، سيظل في تاريخه علامة فارقة جعلته جلال أمين الذي وافته المنية مساء اليوم الثلاثاء.

شاهدًا على اندلاع ثورات كثيرة وتغيُّراتٍ أكثر في العالم من حوله، تابع بنهمٍ شديدٍ لم يسبقه إليه أحد تلك الأحداث، ولكنّه كان يؤرخها من خلال التغيُّر الاجتماعي والثقافي، أشهر مؤلفاته في ذلك: "ماذا حدث للمصريين؟" التي كانت مقالات تُنشر في مجلة المصوِّر التابعة لدار الهلال ثم تحويلها لكتاب، وخيرًا فعل.

"اكتب ما استطعت الكتابة"؛ هكذا يقول محمود درويش في قصيدته الشهيرة "لاعب النرد"، كتب جلال أمين بالفعل بكل ما استطاع من قلمٍ يجري كنهرٍ لا يتوقف ولا ينضب أبدًا، منذ أن بدأ ينشر مقالاته وكُتُبه يقضي ما يقرب من 60 عامًا قضاها في الكتابة.

اقتناعه الدائم والذي ذكره في كتابه "ماذا علّمتني الحياة؟"- وهي السيرة الذاتية له- بأنَّ الرفاهية تفقد الحياة متعتها؛ جعله دائمًا مثابرًا، متحديًا، مترقبًا، لا غرو إن قُلنا إنّه تفوّق على أبناء جيله كلهم في تحليل المجتمع المصري داخليًا من خلال محورين الاجتماعي والثقافي، وهو ما أثرى وسيظل لـ100 عامًا تأريخًا هامًا لحياة المجتمع الذي يتدهور حاله يومًا بعد يومْ.

لم يكن جلال أمين لأواخر عمره منبهرًا بأي شيء، كان راصدًا موضوعيًا، وظهر ذلك جليًا في مقارنته الموضوعية في عدد من كتبه بين المجتمعات العربية والأوروبية التي سافر إليها، كمقارنته للمجتمع الإنجليزي في الستينيات والوقت الحالي، وأيضًا تشريحه للمجتمع الأمريكي بشكل موضوعي بحت.

يقول جلال أمين عن نفسه في كتابه رحيق العمر: "من المدهش حقًّا مدى غنى حياة كل منا بالأحداث التي تستحق أن تروى، والشخصيات الجديرة بالوصف. أما عن الصراحة، فقد استلهمت في هذا الكتاب ذوقي الخاص، كما فعلت في سابقه، ولا شك أنه، في هذا الكتاب أيضًّا، سوف يرى بعض القراء صراحة أكثر من اللازم، والبعض الآخر صراحة أقل من اللازم".

الذكريات دائمًا ما تُشكِّل حياة الإنسان، هذه الذكريات تُترجم بعد ذلك إلى خبرات، ومع شخص مثل جلال أمين عاش ما يقرب من ثلاثة وثمانين عامًا بالطبع تعرّف فيها على شخصيات كثيرة أثّرت في حياته لذلك سنقتبس هذه الفقرة من مقدمة كتابه "مكتوب على الجبين.. حكايات على هامش السيرة الذاتية":

 يقول أمين: "من عاش مثلي ثمانين عامًا، لا بد أن يكون قد تعرَّف في حياته على عدد كبير من الناس، رجال ونساء، أغنياء وفقراء، من المتعلمين وغير المتعلمين، مصريين وأجانب، إلخ، وعندما أستعيد في ذهني ما رسخ لديَّ من انطباعات عن هذا الشخص أو ذاك، فيمن تعرفت عليهم على مرِّ السنين، يعتريني العجب..، حاولت أن أجمع في هذا الكتاب أمثلة قليلة من كثير مما صادفته في حياتي من ألغاز بشرية".

في كتاب جلال أمين هذا المذكور آنفًا والذي يعتبر تتمة لكتابين سابقين عن السيرة الذاتية له، يحاول أن يقول الحقيقة مضيفًا عليها بعضا من الأسطورية في حكايته، ولكن ما يلفت انتباهك أنّه حين كان يحكي عن شخصية أساءت له، لم يذكر اسمهم.

أمَّا عن كتابه ثورة يناير ففي ظنِّ البعض أنَّه من أفضل ما كُتِب عن الثورة، حيث لم تسكر جلال بعد نشوة الانتصارات الزائفة، فكان قارئًا للواقع بشكلٍ جيدٍ، لم يهوِّل الأمر، ولم يهوِّنه، إلا أنّه تحدث فيه من خلال تجاربه الكثيرة التي عاصرها، وأثّرت في فكره وشخصيته، ولعّل ما يُميّز جلال أمين عن غيره هو ربطه الماضي بالحاضر بالمستقبل، من خلال ربط الاقتصادي بالسياسي بالمجتمعي بالتجربة الشخصية.

"كُلٌّ مِنّا يحمل دولابه الثقيل، يأتي معه إلى الدنيا، ويقضي حياته حاملًا إياه دون أن تكون له أيّة فرصة للتخلص منه ثم يموت وهو يحمله إلى أن ينتهي بهما الأمر بالعودة من حيث أتيا"؛ رحل جلال أمين حاملًا دولاب أفكاره الثقيل معه، فهل هناك من سيسير على خُطاه ليرصد ماذا حدث للمصريين؟!.


    
 

تم نسخ الرابط