السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

محمود عزت.. مطلوب حيّا أو ميتًا

محمود عزت.. مطلوب
محمود عزت.. مطلوب حيّا أو ميتًا
كتب - حسام سعداوي

حتى صبيحة يوم الثلاثاء الماضى كانت الأمور تسير على نحو هادئ تمامًا، وفى المساء تناقلت وسائل الإعلام تسريبات تفيد بوفاة محمود عزت، القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان الإرهابية، داخل أحد المستشفيات التركية، وخلال دقائق أصبح الخبر موضوع حديث مواقع التواصل الاجتماعى، وفى اليوم التالى ردت الجماعة ببيان تؤكد فيه أن «عزت» لم يزل حيّا وأن الخبر المتداول عن وفاته غير صحيح.

عَرف المصريون جميعًا خيرت الشاطر- نائب المرشد- وعصام العريان وسعد الكتاتنى ومحمد البلتاجى وقت أن وصل مندوبهم محمد مرسى إلى قصر الاتحادية، لكنّ أحدًا لم يعرف محمود عزت ولا يتذكر ملامحه رُغم كونه أكثر الشخصيات تأثيرًا فى الجماعة، وكان له دور كبير فى الإطاحة بالدكتور محمد حبيب من قيادة الجماعة، وقد كان حينها يشغل منصب أمين التنظيم، فيما كان «حبيب» النائب الأول للمرشد.

كان محمود عزت نادرَ الظهور فى الإعلام، لكن وُجوده دائمًا كفيل بلفت الأنظار إليه، فكثيرًا ما كان يدهشنى ظهوره فى المؤتمرات الصحفية واللقاءات الإخوانية، فيبقى يوزع النظرات هنا وهناك ويتفحص الحضور بينما تنصت أذناه لحديث مَن يتكلم، وينصرف فى ختام الفعالية بعد ساعات وقد تحدث الجميع للإعلام دون أن ينطق هو بكلمة واحدة، وكأنه مكَلف بمهمة خاصة من مهام رجال الأفلام البوليسية الأمريكية.

وصل «عزت» لمنصب القائم بأعمال المرشد فى العام 2013م، عقب إلقاء القبض على المرشد محمد بديع، ولم تُقدم الجماعة أى معلومات عن المكان الذى يوجد فيه أو الطريقة التى يدير بها شئون الجماعة، غير أن الأكثر شهرة أنه هرب بصحبة أسامة ياسين وزير الشباب الإخوانى والمسئول عن الجناح العسكرى للإخوان (كتائب تأمين ميدان التحرير فى 2011م) إلى غزة عَبْر أنفاق سيناء، وقيل أيضًا إنه هرب إلى تركيا عَبْر السودان وقت حُكم البشير.

«عزت» الذى اختفى تمامًا عن الأنظار منذ 3يوليو 2013م، ولم يجزم أحد برؤيته رأْى العين، لم يعد له أى ذِكر بعد أحداث فض اعتصامَى رابعة والنهضة، إلّا حين دَبّ الخلاف الداخلى بين الإخوان، فخرجت فجأة رسائل وبيانات تُنسب إليه، وأصبحت تُستخدم لصالح أحد طرفَى الخلاف.

كان صدور اسم محمود عزت- ولو زورًا- على أى بيان أو  رسالة كفيلًا بمنح الشرعية لحاملها، وهو ما استغلته عناصر الجماعة فى صراعها، إذ تضمنت أولى رسائله قرارًا يُعلن فيه تعيين القيادى الإخوانى المقيم فى أوروبا إبراهيم منير نائبًا للمرشد.

أخذت ظاهرة استخدام اسم محمود عزت كأيقونة تتسع دون يقين لدَى أى أحد عن وجود الرجل، أو صحة ما يَرد عنه، أو إمكانية أن يتخذ قرارًا لجماعة تواجه المجهول بينما لا يعيش بين الناس، ويرى ما يرونه، وغدا اسم محمود عزت حَلّا سحريًّا لدى أحد طرفَى التنظيم، يستطيع به أن يرفعه فى وجه كل رافض، برسالة، أو بكلام شفوى على لسانه، دون أى دليل على صحة ما يقال.

عندما حاول مفتى الدماء يوسف القرضاوى حسْم الصراع داخل الإخوان من خلال مجموعة مقترحات، كان رد طرف الجبهة التاريخية، أن رسالة جاءتهم من محمود عزت، تلومهم على الذهاب للقرضاوى؛ لأنه لا يمتلك سُلطة تنظيمية للحُكم بينهم.

اللافت لنظر الكثيرين داخل التنظيم وخارجه أنه تم استدعاء شخص ومنصب محمود عزت فى أى خلاف داخلى فقط، بينما غاب صوته ورأيه فى كثير من المواقف المهمة، فمثلًا عند وفاة محمد مهدى عاكف- مرشد الجماعة الأسبق- وهو زوج أخته، لم يخرج أى تعليق أو رسالة منسوبة لمحمود عزت حول الوفاة أو تعليق عليها وكأنه بات مختصّا فقط بالحديث عن الخلاف الداخلى.

كثير من قيادات الجماعة وكوادرها، ومنهم النائب البرلمانى السابق أمير بسام، شككوا فى وجود محمود عزت حُرّا، ومن الواضح أن هناك أزمة ثقة كبرى تعيشها الجماعة بسبب إضفاء جو من السّرية على جميع الأمور داخليّا وخارجيّا.

هل يستحق محمود عزت هذه الهالة وكل هذا القدر من الغموض؟

بالرجوع إلى سيرة الرجل قصير القامة ضعيف البنية حاد النظرات الذى تفننت وسائل الإعلام فى منحه ألقابًا فيها قدرٌ كبيرٌ من المبالغة مثل «الرجل الحديدى» و«الذئب الغامض» وغيرهما سنجد أنه انتظم فى صفوف «الإخوان» عام 1962م وقت أن كان طالبًا بكلية طب الزقازيق، وأنه تتلمذ مباشرة على يد سيد قطب منظّر التنظيمات الإرهابية حين زامله فى السجن عندما ألقى القبض عليهما فى القضية رقم 12 عام 1965م، وحُكِم عليه بعَشَر سنوات، إلى أن خرج من السجن عام 1974م.

ضمت قائمة المتهمين فى تلك القضية جميع قيادات ما سُمّى بالقُطبيين داخل الجماعة، وفى مقدمتهم: محمد بديع وسيد نزيلى وصبرى عرفة وغيرهم، وأسندت لهم النيابة وقتها تهمة إنشاء تنظيم مسلح لجماعة الإخوان.

عقب خروجه من السجن سافر محمود عزت إلى صنعاء فى اليمن ثم إنجلترا لعدة سنوات، وتم اختياره عضوًا بمكتب الإرشاد عام 1981م، وألقى القبض عليه مرّات أخرى، أشهرها كانت فى مايو 1993م، حينها حُبس على ذمة التحقيق مدة ستة أشهر فى قضية «سلسبيل»، التى تورّط فيها خيرت الشاطر وحسن مالك القياديان بالجماعة.

كان محمود عزت رجل التنظيم القوى، فهو الذى أحكم قبضته على مفاصل الجماعة، وهو ما خَلق له كتائب من التابعين ومجموعات من الناقمين المعارضين، وعندما أسندت إليه المسئولية عن إدارة الجماعة عقب القبض على محمد بديع لم يظهر طيلة العامَين اللذين تَليَا فض اعتصام رابعة، فبدأت القواعد الشبابية فى التمرد على «سيطرة الجيل القديم مسار الجماعة»، وبالفعل أعلنوا تكليف محمد كمال، ممثل الصعيد فى مكتب الإرشاد، بمنصب القائم بأعمال المرشد العام للإخوان، باعتباره أكبر الأعضاء سِنّا.

بات واضحًا انقسام الجبهات، الأولى ترَأسها «محمود عزت» الذى أطيح به وتبعه كل من محمود غزلان- المتحدث الرسمى السابق باسم الإخوان- ومحمود حسين- الأمين العام السابق للجماعة-، وفى الجبهة الثانية محمد كمال، وحسين إبراهيم، ويدعمهما قيادات الصّفّين الثانى والثالث، ورُغم هذا فإن الرجل ظلَّ مختفيًا عن الأنظار حتى الآن ولا يَعرف له أحد طريق جثة.

لم يروِ نفى الجماعة خبر مصرعه ظمأ جمهور السوشيال ميديا، فقد أصبح هاشتاج «جثة محمود عزت» هو «تريند» موقع «تويتر»؛ حيث غرّد النشطاء للتساؤل عن مصير جثته، فتساءل الإعلامى الهارب لتركيا هشام عبدالله: «أين اختفت جثة محمود عزت بعد الإعلان عن وفاته، ولصالح مَن تم إخفاؤها؟»، والتقط الناشط اليسارى وائل عباس خيط الحديث قائلًا: «بعد أن أنكر التنظيم الدولى للإخوان وفاته الآن أسرته تُبلغ السُّلطات التركية عن اختفاء جثته، يا ترى اللى بيحصل ده وراه إيه بالظبط، ومين المستفيد؟!».

وقال محمود عادل: «يعنى إيه الشرطة التركية تبحث عن جثة محمود عزت، هو أنتوا مش أعلنتوا نفى إنه مات داخل تركيا، ولّا لمّا بدأت ريحة تصفيته هناك تتشم بدأ كذبكم المعهود يظهر، عمومًا لا نسبق الأحداث ومنتظرين فضيحة لم يسبق لها مثيل».

تؤمن فرقة الشيعة الاثنى عشرية (تمثل المذهب الرئيسى فى إيران) بأن النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) نَصَّ على أن الإمامة تبدأ من ولاية علىّ بن أبى طالب وتنتهى بإمامة محمد بن الحسن العسكرى، «المهدى المنتظر»، وهو الإمام الثانى عشر الذى تقول الرواية الشيعية أنه وُلِدَ من جارية، ثم غاب عن أنظار الناس، واختفى فى سرداب فى بيت أبيه، ولا يجوز البحث عنه، ولا السؤال عن مكانه، وقد اختلفوا اختلافًا شديدًا فى وقت ميلاده، ومَن هى أمه، وهل هو مستور غُيّب دون أن يراه أحد، أو شُوهد قبل الغيبة، أو بعدها، ومتى غاب؟.

بالمنطق نفسه تتعامل الجماعة الإرهابية مع ملف محمود عزت منذ اختفائه، وربما كان «إطلاق مثل تلك الشائعات بين الحين والآخر عن وفاة أو انتقال قيادات من الصف الأول للجماعة من مكان إلى آخر مقصودًا فى حد ذاته، والهدف منه تشتيت الجهود وصرف الأنظار عن تحركات أخرى على الأرض من قِبَل التنظيم الخاص للجماعة، الذى أصابه ارتباك واضح عقب وفاة محمد مرسى، وتفجرت الخلافات بين أجنحته وظهرت إلى العلن أكثر من ذى قبل».

وإذا كان معظم رجال الجماعة ليسوا متأكدين من وجود «عزت» أو موته فإن نساء الجماعة قطعًا يعرفن إذا ما كان مرشدهن قد مات فعلًا أمْ على قيد الحياة، لِمَ لا؟، ففى أوقات الأزمات التى كانت تضرب الجماعة كان التنظيم يلجأ إلى النساء لنَقْل الرسائل السّرية بين القيادات.

تم نسخ الرابط