أهالي "الهياتم" يضربون مثالا يحتذى به في مواجهة الأزمات
صمت مريب خيم لأسابيع.. خوف ارتاد جنبات الشوارع.. ترقب لمن سيحل ضيفا على مقابر القرية قريبا وكيف نقوم بدفنه.. كانت هذه هي المشاهد التي عاشتها قرية الهياتم التابعة لمركز المحلة الكبرى بالغربية منذ قرابة الـ٣ أسابيع فور اعلان الدولة حجرا صحيا على سكانها.
ربما كانت هي القرية الأولى في مصر التي يطبق عليها هذا الاجراء منذ ظهور فيروس كورونا في مصر، تناثرت الاخبار حول الحياة في الهياتم بين اشادة وادانة ولكن لم يعرف أحدا القصة كاملة سوى من عاش هذه الأيام العصيبة؛ قرية كاملة تحت حصار العزل.
ومنذ صدور القرار في 28 مارس الماضي تناثرت الشائعات حول الهياتم وعن الحياة داخلها وما صحة اعتراض أهلها على العزل الصحي بينما خاض سكان القرية معركة موازية بجانب الكورونا ولم يشهدها سواهم واليوم مع الاحتفال بعودة الحياة لها مرة أخرى بعد رفع إجراءات العزل الصحي التي اتخذتها وزارة الصحة والسكان على القرية والتي استمرت لمدة أسبوعين، عقب ظهور 10 حالات إيجابية من سكان القرية وعزل أكثر من 300 اسرة يخرج اهل القرية عن صمتهم للتعريف بقريتهم ورواية ما حدث.
وقال المهندس سمير الشبراوي "وكيل وزارة التنمية المحلية سابقًا" ومن سكان القرية أن الهياتم هي إحدي أكبر قري مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، حيث يبلغ تعداد سكانها ٩٠٠٠٠ نسمة ، وعدد اصواتها الانتخابية ٣٣٩٠٠ صوت وتبلغ مساحتها خمسة آلاف فدان وبها ١٣ مدرسة لجميع المراحل التعليمية و خمسة معاهد أزهرية متنوعة ولذلك نسبة التعليم بها مرتفعة جداً ، و تكاد تكون خالية تماما من الأمية.
كما تتميز القرية بكثرة مثقفيها وعلمائها واطبائها ومهندسيها ومعلميها ومنهم على سبيل المثال الفقيه الدستوري الدكتور ابراهيم محمد درويش استاذ القانون الدستوري بكلية حقوق القاهرة والدكتور مجدي سبع رئيس جامعة طنطا، الدكتور مصطفى الشيخ نائب رئيس جامعة طنطا.
وأكمل "الشبراوي" أن القرية يوجد بها عدد كبير من المساجد أهمها أكبر مسجد بمحافظة الغربية بعد مسجد السيد البدوي الشهير بطنطا وهو مسجد عبد الكريم الذي تم بناؤه بالجهود الذاتية عام ٢٠٠٦ على مساحة (١٨٥٠ متر مربع) وتكلف ثلاثة ونصف مليون جنيه في حينه بالإضافة الي مساجد أخري كثيرة تم إنشاء جميعها بالجهود الذاتية ، ومن خصال أهل الهياتم حبهم لأعمال الخير ودعم اعمال التكافل الاجتماعي والخدمي والتطوعي في جميع المجالات ، فقد تم إنشاء مركز للغسيل الكلوي بالهياتم عام ٢٠١٨ بمبلغ (٦مليون جنيه) من حصيلة تبرعات أهالي القرية، كما ان كورونا ليست الأزمة الأولى التي تتغلب عليها "الهياتم".
وأشار "الشبراوي" إلى أن قبل أزمة فيروس كورونا واجهت الهياتم أكبر أزمة في تاريخها وهي حريق الهياتم الكبير ١٩٧٧ والذي دمرها عن أخرها ثم قامت وتعافت مرة أخرى وتم بنائها من جديد على طراز أحدث وقتها، واليوم بفضل من الله وتوفيقه وبالإرادة والعزيمة والإصرار والصبر وجهود الدولة تم انحسار هذا الفيروس اللعين واصبحت الهياتم اول قرية على مستوى جمهورية مصر خالية تماما من فيروس كورونا، وبأسم أهالي الهياتم اتوجه بالشكر للجهات التنفيذية والأمنية والصحية بمحافظة الغربية لجهودهم المخلصة في مشاركة أبناء القرية تخطي هذه الأزمة.
ويعد ربيع هو اول ابطال ملحمة الهياتم ... فهو المريض رقم صفر والذي انتقلت له العدوى خلال تأدية عمله كمدير لأحد مطاعم البيتزا في طنطا بعد اجتماعهم ببعض المديرين وكان بينهم المدير الإقليمي الإيطالي لسلسلة المطاعم و الذي زارهم مؤخرا وربما حام الشك حول حمله للفيروس، وبدأت الأزمة في قرية الهياتم عندما ظهرت أعراض المرض على الشاب "ربيع" وبالفعل توجه إلى مستشفى الصدر بالقرية لإجراء التحاليل التي ثبتت في النهاية إيجابيتها، على الفور تم تطبيق إجراءات العزل على ربيع وأسرته، والأشخاص المخالطين من الأهل والأقارب، وبثبوت إيجابية بعض التحاليل، قام محافظ الغربية الدكتور طارق رحمي بناء على تعليمات وزارة الصحة والسكان بتطبيق الحجر الصحي للقرية بأكملها كإجراء احترازي لمنع تفشي المرض بين أهالي القرية والقرى المجاورة.
وقال الدكتور خالد شويته "أخصائي طب الأطفال والحميات" وهو أحد أقارب ربيع " الحالة صفر" في الهياتم أنه بحكم عمله كمدير لأحد المطاعم الكبرى ، ربما انتقلت إليه العدوى من خلال الاجتماعات المستمرة التي تعقد على مستوى مديري الفروع فيحضرها مديري فروع القاهرة والمنصورة ومدن أخرى فيمكن أن تكون مثل هذه الاجتماعات هي مصدر العدوى في القرية.
وأشار "شويته" إلى أن جميع الحالات التي ظهرت بعد ذلك كانت من المخالطين بشكل لصيق ولم تظهر أي حالة أخرى من خارج العائلة، على عكس ما أشيع بأن المرض تفشي بين أهالي القرية لإثارة الزعر بين الناس وإيصال صورة سلبية عن القرية، مؤكدًا التزام الجميع بوسائل مكافحة العدوى حيث أن المنزل به أكثر من طبيب وطبيبة وأستاذ بكلية التمريض وأن الالتزام بالتعليمات يأتي حفاظا على أنفسهم وحفاظا على أبناء القرية، وشهد أمس خروج أول حالة من الحجر بعد ثبوت سلامتها.
شعر أهالي القرية بغضب شديد نتيجة لتعرضهم للتهكم والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب بعض المشاهد التي نقلتها تلك المواقع وبعض وسائل الإعلام بصورة خاطئة، حيث انتشرت مقاطع فيديو لتجمع بعض أهالي القرية وتم نقلها كما لو كانت مظاهرات ضد اجراءات العزل الصحي التي فرضتها الحكومة مؤكدين أن هذا الأمر عار تماما من الصحة.
ويقول المهندس خالد عبد الرحمن "المدير التنفيذي لإحدى الشركات الكبرى" ومن أهل الهياتم أن حالة الغضب بدأت عقب تداول وسائل الاعلام ومواقع التواصل بشكل مكثف أخبار منافية للحقيقة ، تظهر أن الهياتم تعاني من الجهل والفقر وهو أمر غير صحيح وغير مقبول ، لذلك تجمع بعض أهالي القرية لرفض تلك الصورة الذهنية السلبية التي انتشرت بين الناس وخصوصا القرى المجاورة، مما تسبب في ضرر نفسي ومعنوي جسيم لأهالي الهياتم ، حيث أصبح هناك عدم ترحيب بالتعامل مع أهالى القرية من بعض القري والمدن المجاورة خوفا من انتقال العدوي ، وهناك أيضاً مستشفيات رفضت استقبال حالات مرضية كان من بينها حالات وضع لأنها من الهياتم.



