وسط البلد..لؤلؤة طمستها أتربة الحداثة
تحقيق- مارينا ميلاد
«باريس الشرق»,هكذا كان يطلق على القاهرة فى عهد الخديوى إسماعيل «1863-1879م» وحتى منتصف السبعينيات,خاصة منطقة «وسط البلد»,التى كانت نموذجاً لواحد من أفضل وأرقى الأحياء السكنية فى العالم،قبل أن تتعرض لفوضى ما سُمى بالانفتاح الاقتصادى مع بداية السبعينيات,حيث تحولت شوارعها الآن إلى متحف مفتوح للباعة الجائلين الذين احتلوا أرصفتها وفرضوا سيطرتهم عليها تماماً فى غياب الدولة والقانون،وأصبحت وكراً لهواة الليل من البلطجية وأولاد الشوارع وجيوش التحرش فى مشهد يحزن له ويبكى عليه كل من رأى وسط البلد قديماً بمقاهيه ومحلاته وعماراته المميزة.
أما الآن فاندثر جمال و رقى هذه المنطقة العريقة تحت أقدام الإهمال والعشوائية,التى تتفشى يوماً تلو الاخر,فهل من مغيث يستطيع إنقاذها من براثن الفوضى والعشوائية والإهمال؟!.
"روز اليوسف" قامت بجولة فى منطقة وسط البلد لترصد الحال التى وصلت إليه,مقارنة بما كانت عليه قديماً.
طراز وسط البلد..غزو إيطالى و يونانى و فرنسى
التخطيط العمرانى لمنطقة «وسط البلد»،يرجع لعهد الخديوى إسماعيل،الذى جلب أشهر مهندسى العالم آنذاك من اليونان وفرنسا وإيطاليا,لتكون «العمارة» فى وسط القاهرة،نموذجاً للعمارة فى المدن الأوروبية الكبرى،خاصة باريس,فصمم ميدان «الإسماعيلية» - ميدان التحرير الآن - ليكون وسط الميدان كالكعكة أشبه بقرص الشمس،الذى تتفرع منه شوارع وسط البلد،فى خطوط متفرقة،على شكل أشعة فى معنى رمزى جمالى ومعمارى وتخطيطى رائع،يعكس حلم الخديوى إسماعيل،الذى أصدر مرسوماً يحدد فيه الحد الأدنى لتكاليف البناء فى وسط البلد،وذلك حتى يحدد نوع العمارة التى يريدها للمنطقة،وحتى يضمن ألا يبنى فى المنطقة ويتملك بيوتها إلا القادرون على أن يتباروا ويتنافسوا فى إنشاء أجمل وأفضل التصاميم المعمارية.
وفى وقتنا الحالى مازال وسط البلد يضم الكثير من المبانى التاريخية ولكن القليل من الترميم لتلك المبانى,المهدد أغلبها بالإنهيار,فيرى المتواجدون بالمنطقة والقاطنون لبعض المبانى القديمة,إن القيود المفروضة على الترميم كبيرة,لان معظم عقارات وسط البلد تاريخية,ويضطر صاحب العقار للرجوع إلى جهاز التنسيق الحضارى قبل الترميم,و تزداد التعقيدات الإدارية بتدخل الحى والمحافظة,مؤكدين أن الحل يكمن فى تخفيف تلك العقبات وأيضاً فى تعاون الحكومة مع صاحب العقار.
شوارع وسط البلد ..من الباشوات للبائعين
ما بين "سليمان باشا" و"شارع فؤاد" وصولاً إلى"سيمون بوليفار",مروراً بـ "لاظوغلى"و"محمد محمود"و"محمد فريد"و"عدلى باشا"و"شمبليون"و"عبد الخالق ثروت",تكون بعض من شوارع وسط القاهرة,التى تحمل أسماء زعماء و رؤساء وزارء و شخصيات سياسية بارزة,ممن يطلق عليهم آنذاك (باشوات),حيث كانت تلك الشوارع لا يقيم فيها سوى الباكوات و الباشوات حتى ثورة يوليو 1952,وتعميم مبادئ الاشتراكية.
فمن بعد ثورة 1952 تغيرت التركيبة السكانية لهذة المنطقة,فانخفضت أسعار المبانى,مما جعل "وسط البلد" تفتح أبوابها للطبقة المتوسطة لشراء المنازل و المحال التجارية,ولكن ظلت الشوارع تحتفظ بجمالها ورُقيها حتى عام 1975,مع بدء تطبيق سياسة الانفتاح التى أقرها الرئيس الراحل أنور السادات,لتغيير التوجه المالى للدولة من الاشتراكية للرأسمالية,فأحدثت هذة السياسة أسوأ وقع على منطقة وسط البلد,فزادت أسعار السلع,وفُتحت أبواب الاستيراد بلا ضابط أو رابط،وانتشرت الفوضى والاستغلال التجارى,فتدهورت أحوال الاقتصاد والفن والثفافة و التعليم,وتحول الانفتاح إلى"سداح مداح" على حد وصف الصحفى الراحل أحمد بهاء الدين.
نبدأ جولتنا بأحد أكبر وأشهر شوارع وميادين وسط البلد,"طلعت حرب" أو "سليمان باشا" سابقاً,سُمى هكذا نسبة إلي سليمان باشا الفرنساوي مؤسس الجيش المصري فى عهد محمد علي,وتم إنشاء تمثال له بوسط الميدان,واستمر هذا الاسم إلي وقت ثورة يوليو 1952,التي قررت التخلص من كل رموز العهد البائد,فنُقل تمثال سليمان باشا إلي المتحف الحربي بالقاهرة,ووضع بدلاً منه تمثال للاقتصادي المصري طلعت حرب,وتم تسمية الشارع والميدان باسم طلعت حرب حتي الآن.
فى مدخل شارع طلعت حرب,يستقبلك تجمُعات الباعة الجائلين,الذين يصطفون أمام واجهات المحال التجارية فى صفوف متوازية لا تترك سوى مساحة صغيرة فى وسط الشارع لمرور السيارات منها,التى تتوقف فى أوقات كثيرة بالساعات لعدم استطاعتها المرور بسبب زحام الباعة,ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد,بل عند السير على أحد أرصفة الشارع,يأتى لك أحد البائعين و يحاول إرغامك على الشراء منه,بالإضافة لانتشار ظاهرة التحرش فى هذة المنطقة وتحديداً فى هذا الشارع,كونه الأكثر ازدحاماً بالباعة,في مشهد لم يعتده المارة في تلك المنطقة قبل سنوات مضت.
من معالم شارع سليمان باشا التى اختفت,كازينو "بيروكيه",أحد أشهر كازينوهات وسط البلد,التى تحولت الآن لمركز طلعت حرب التجارى,بالأضافة لتحول مطعم "زينة" الشهير لكافيتريا "الباشا".
"هو فى ايه موجود,البلد دلوقتى غير البلد اللى كنا عايشين فيها زمان",هذة كلمات مجدى عبد الملاك,صاحب مقهى "ريش",وأحد سكان شارع سليمان باشا القدامى ,عند سؤاله عن الفرق بين أحوال المنطقة بداية من فترة الاربعينات و حتى الآن.
ويضيف عبد الملاك:"الشوارع فى وسط البلد زمان كانت بتتغسل كل يوم,ومرتين فى الاسبوع تتغسل بالصابون,ولو حد شكله غير لائق أو مظهرة غير مناسب للمنطقة كان يتم القبض عليه فوراً لمعرفة هويته,وكانت المحال تعرض أحدث الموديلات وقت عرضها فى الاسواق الاوروبية,وكان هناك رواج فى السينما و المسرح والحفلات الغنائية."
ويتابع:"بعد ثورة 1952 شهدت مصر هجرة للأجانب بعد تأميم جميع الشركات و البنوك والمصانع,ومن وقتها بدأت الاحوال فى مصر تتدهور تدريجياً,وانهارت تماماً بعد الانفتاح."
لم يختلف المشهد كثيراً فى شارع "فؤاد الأول".."26 يوليو" حالياً,فعندما تغادر محطة مترو"جمال عبد الناصر",تجد الباعة الجائلين ينتشرون أمام دار القضاء العالى(مبنى أثرى,بُنى على الطراز الإيطالي,وأحد أهم مؤسسات الدولة),منهم من يفترش الرصيف،والبعض الآخر يقف خلف منضدة يعرض عليها بضائعه،وكلما توغلت أكثر في الشوارع المتفرعة منه,كلما زادت أعداد الباعة،وتنوعت بضائعهم،واختلفت طرقهم في لفت أنظار المارة لما يبيعونه.
لن نبعد كثيراً حتى نصل إلى شارع "شمبليون",سمى هكذا نسبة للعالم الفرنسي شمبليون,الذي فك رموز اللغة المصرية القديمة أثناء الحملة الفرنسية,يأخذ هذا الشارع طابع السوق والميكانيكية والباعة الجائلين,فى الوقت الذى تتنتشر فيه عربات الكشرى والكبدة على الارصفة,والمقاعد فى نهر الطريق,كما يوجد بهذا الشارع قصر الأمير سعيد باشا حليم حفيد محمد علي,الذى يعد من أبرز وأجمل القصور الأثرية والتاريخية في مصر،ورغم ذلك تعرض للإهمال والتشويه منذ سنوات بعد أن ظل يحمل اسم مدرسة الناصرية الابتدائية للبنين،وتقرر تسليم القصر للآثار لترميمه واستخدامه كمزار سياحي.
انتقلنا إلى شارع عبد الخالق ثروت,الذى سمى هكذا نسبة لعبد الخالق ثروت باشا,رئيس وزراء مصر في عهد الملك فؤاد الأول؛وتقع عند بداية هذا الشارع من ناحية شارع رمسيس نقابة الصحفيين,ويلاصقها نادى القضاة المصرى,وعندما تتحرك للأمام بعد تقاطع طلعت حرب تجد على يسارك حلوانى جروبى,الذى يمتد لأكثر من 100عام,ومازال هذا الشارع يحتفظ بجماله مقارنة بالشوارع المجاورة له.
تحركنا تجاه ميدان التحرير لنقصد شارع "محمد محمود",هذا الشارع الذى يحمل اسم رئيس وزراء مصر في عهد الملك فؤاد الأول,صاحب سياسة "القبضة الحديدية" واستخدام العنف والقوة,لتظهر المفارقة بتسمية هذا الشارع "عيون الحرية" بعد نوفمبر 2011,كونه الشاهد على المواجهات بين المتظاهرين و قوات الامن وسقوط أكثر من 50 شهيداً خلال أحداث العنف التى وقعت فيه.
ويضم شارع محمد محمود المقر القديم للجامعة الأمريكية,التى تأسست عام 1919,ولاحقها الضررفى بعض مبانيها جراء أحداث العنف بداية من عام 2011,يضم أيضاً مدرسة ليسية الحرية,التى تم حرقها ونهب محتوياتها فى الذكرى الثانية لأحداث محمد محمود 2012,وهى تعتبر صرحاً تاريخياً وأثرياً شيده الفرنسيون,كما يضم مدرسة الفلكى ومدرسة الحوياتى,اللتين تعتبرا من أعرق المدارس فى القاهرة,وأدت الاشتباكات التى وقعت بين المتظاهرين وقوات الأمن فى يناير 2013،إلى احتراق المدرستين بالكامل.
المستشفى الجامعي لكلية الطب بجامعة القاهرة,مسرح فيصل ندا,المجمع العلمى,نقابة الاطباء أومبنى دار الحكمة,الجمعية الجغرافية المصرية,المكتبات التاريخية العامرة بأمهات الكتب,هى معالم شارع القصر العينى,أحد أهم شوارع وسط البلد وأكثرها حيوية,والذى تم افتتاحه في القرن الـ19،ويتفرّع منه شارع مجلس الشعب,حيث مجلس الوزراء ومجلس الشعب ومجلس الشورى,و قد اتخذ الشارع اسمه من قصر العينى(أقدم مدرسة طبية أنشئت في عهد محمد علي باشا).
تشهد المنطقة أمام القصر العينى الفرنساوى والمستشفى الجامعى لكلية الطب (القصر العينى القديم),تواجد مكثف للباعة الجائلين وعربات الاطعمة,ويؤكد المتواجدون من الباعه أنهم يعملون لخدمة الزائرين,لتوفير ما يريدون شراءه قبل دخولهم المستشفى.
وعلى امتداد شارع القصر العينى,يقع شارع سعد زغلول,حيث يقبع قصر الزعيم الراحل سعد زغلول,هذا القصر الذى جمع أكبر وأعظم الشخصيات المصرية و الأجنبية,فعند ذهبنا أمام هذا القصر الذى يعد مسرحاً للحركة الوطنية,نجد أن ساحة بيت الأمة والأسوار المحيطة به قد تحولت إلى سوق عشوائية كبيرة,وأسوار بيت الزعيم وضريحه تحولت إلى «شماعات» لوضع الملابس وعرضها,يمتد سوق "سعد زغلول"بطول الشارع و حتى وزارتى "الانتاج الحربى"و"التربية والتعليم".
150 عاماً على إنشاء ميدان الاسماعلية أو ميدان التحرير,قلب العاصمة المصرية,يقول على باشا مبارك,المعماري الذى اشرف علي تنفيذ مشروع تحديث القاهرة في كتابه الخطط التوفيقية عن تعمير منطقة ميدان التحرير وما حوله:"كانت المنطقة كثبان رملية وبرك مياه أسنه ومستنقعات,فلما جاء الخديو إسماعيل أمر بإزالة هذه الكثبان وردم البرك وتمهيد جميع الأراضي وتخطيطها إلي شوارع و ميادين,فدُكت الأراضى بالدقشوم وأُنشئت الأرصفة علي جانبي كل شارع,ومرت في جميعها مواسير الماء لرش أرضها و سقي بساتينها وتزويد مساكنها بمياه الشرب،ونصبت فيها فوانيس الغتز لإضائتها,فأصبح ميدان الإسماعيلية من أبهج ميادين القاهرة وأعمرها وسكن المنطقة الأمراء والأعيان."
وميدان التحرير الآن يعد من أشهر ميادين العالم بعد ثورة 25 يناير 2011,وشهد أحداثاً عدة,منها الاحتفالية ومنها الدموية,وكلها شاهدة على فترة تاريخية من عمر مصر..المشهد فى الميدان لم يخلو من الجدران الخرسانية والأسلاك الشائكة,وبعض الباعة الذين يتمركزون على أطراف الميدان وأمام مجمع التحرير.
السياحة فى وسط البلد..من 80% لـ 30%
كانت منطقة وسط البلد و بالأخص ميدان التحرير من أكثر التى تعُج بالسياح,نظراً لما تحويه من معالم أثرية و سياحية,ففى الوقت الذى لم تكن لترى فيه أقدامك فى المتحف المصرى من شدة زحامه بالسياح,كان أصحاب البازارات ينعمون بخيرات هؤلاء السياح.
وبعد ثورة 25 يناير تبدلت الأحوال وأصبحت منطقة وسط البلد هى أولى المناطق التى يلوذ السياح بالفرار منها,هرباً من المعارك الدائرة بها بأستمرار,ومن الباعة الجائلين الذين أصبحوا يشكلون خطراً مباشراً عليهم.
الدكتور طارق العوضى مدير المتحف المصرى,قال:"إنه من الملاحظ وفقاً لأعداد الزائرين خلال الفترة الماضية أن الإقبال والتدفق السياحى من الوفود السياحية على زيارة المتحف تتركز أيام الخميس والسبت من كل أسبوع,مع تجنب أيام الجمع قدر المستطاع,وذلك بعد ثورة 25 يناير."
ويرى عبد الله زاهر,المسئول بشركة فيلد للسياحة,أن السياحة فى وسط البلد كانت دائماً تتخطى حاجز الـ 80%,إلا فى أيام معينة نتيجة لأحداث تمر بها البلاد,ولكن من بعد ثورة 25 يناير حتى هذة اللحظة لم تزد النسبة عن 30أو50% بحد أقصى.
فنون وسط البلد.. قول للزمان ارجع يا زمان
فعلى موسيقى عبد الوهاب وأغانى أم كلثوم وحليم,ورقص تحية كاريوكا وسامية جمال,تشتعل تياتروهات وسط البلد,وعلى أفلام أنور وجدى و ليلى مراد و يوسف وهبى وصولاً لنادية لطفى ورشدى أباظة وسعاد حسنى,كانت الطوابير تصطف أمام أبواب السينمات,فالقاهرة كانت عاصمة الفن فى الوطن العربى,وأزقة وشوارع وسط البلد المنطقة الأبرز لعرض الفنون من كل نوع.
ظل شارع «عماد الدين» لعقود طويلة ملتقى الفنانين والكتاب والمخرجين،وعلى مسارحه أقيم عدد من أهم المسرحيات التي أرخت لتاريخ مصر،فكان من أشهر مسارح وكازينوهات "شارع الفن"-كما يطلقون عليه-مسرح محمد فريد,والكوزمو,ومتروبول,ومسرح برنتاينا,وكازينو دي باري,والماجستيك,ومسرح وكازينو بديعة مصابنى,وتحولت هذة المسارح والكازينوهات إلى سينمات كوزموس و كايرو بالاس و ديانا.
بينما الآن فمعظم دور السينما القديمة فى وسط البلد قد أغلقت أبوابها،فيما تم تجديد بعضها وبيعها لشركات إنتاج وخصخصتها،فتحولت سينما "أوليمبى" بشارع عبد العزيز إلى مول للموبايلات،وكذلك سينما الكرنك الصيفى بمنطقة أرض شريف،التى تحولت لمول لبيع الأجهزة الكهربائية،وسينما "ريو" بباب اللوق أغلقت أبوابها منذ عشرات السنين,وسينمات أخرى أصبحت مهجورة.
«مهدي فهيم»,مدير مسرح الريحاني،هوالأقدم وجوداً في جَنبات المسرح العريق ,الذي مازال يحمل اسم شارلي شابلن العرب,فيستمتع «عم مهدي»باسترجاع ذكريات المسرح،فيقول:"«باب الملك فاروق» بالمسرح،هو الباب الذي تم تخصيصه لملك مصر،عندما يرغب في مشاهدة عرض مسرحي،والباب يحتفظ باسمه رغم تعاقب العهود،واستخدامه فيما بعد من قبل الرؤساء جمال عبدالناصر ومحمد نجيب وأنور السادات،وبعض الشخصيات المهمة مثل المشير عامر وعبداللطيف البغدادي."
"السينما والفن كله اتغير,والبعض دون المستوى,و لكن علينا مواكبة الافلام الجديدة",هكذا يبدأ هانى عبد الرحيم,مدير سينما مترو حديثه لـ "روز اليوسف",فيقول:"إن الاقبال على السينمات فى السنوات الماضية كان كبير فى معظم أوقات السنة,خاصة مواسم العيد الصغير والكبيروموسم الصيف,ولكن بعد ثورة 25 ينايرأصبحت السينمات لا تشهد رواجاً إلا فى مواسم الاعياد,ولم يعد هناك موسم صيف."
وحول ظاهرة التحرش التى انتشرت فى وسط البلد,تحديداً أمام السينمات,يقول عبد الرحيم,إن سمعة السينما تتحكم فى هذا الامر,ولذلك استعانت سينما مترو بقوات الشرطة وبعض أفراد التأمين بالسينما لتنظيم الزحام ومنع ظاهرة التحرش و السرقة.
يذكر أن "وسط البلد" قد شهدت فى الفترة الاخيرة وجود مشروعات فنية,كمشروع"زوايا" الذى اطلقته المنتجة ماريان خورى,وجاليرى"تاون هاوس",ومسارح"روابط" و"الفلكى"و"راديو",فى محاولة لنشر الفن من جديد لهذة المنطقة.
مسلمين ومسيحيين ويهود .."جدع لو تفرق"
"جدع لو تفرق بينهم"هكذا يقول عباس محمود,أحد سكان منطقة وسط البلد منذ فترة الثلاثينات,عند سؤاله على العلاقة بين المسلمين و المسيحيين واليهود آنذاك.
ويضيف محمود:"عاش اليهود جنبًا إلى جنب مع المسلمين والمسيحيين المصريين، وبرزت شخصيات يهودية في المجتمع المصري لعبت دوراً لا يمكن أن يستهان به، ومنهم قطاوي باشا،الذي كان وزيراً للمالية،بالإضافة إلى يعقوب صنوع،الشهير بـ«أبو نضارة»،وهو رائد المسرح المصري."
ويستكمل حديثة:"اليهود هاجروا من مصر بعد إعلان دولة إسرائيل 1948,بسبب التفجيرات التى تبنتها الوكالة الصهيونية ضد اليهود فى مصر لتشجيعهم على الهجرة إلى إسرائيل,منها:تفجيرمحل عدس بشارع عماد الدين،وانفجار أمام محل بنزايون بميدان مصطفى كامل ومحل جاتينيو بشارع محمد فريد."
وعن أحوال الأقباط فى هذة الفترة,فيقول:"لم يكن هناك شكوى واحدة من أحد الاقباط عن شعوره بالتميزأوالاضطهاد,وكان للاقباط دور وطنى و إجتماعى كبير,ووصل عدد كبير لمناصب عليا فى الدولة انذاك."
"أما الآن فالتميز قبل أن يكون فى المعاملة,فأضحى فى الشكل ايضاً",هكذا يقول عباس محمود متأثراً.
"الباعة فى وسط البلد"..دولة فوق القانون
احتلوا أرصفة شوارع وسط البلد،من بعد ثورة 25 يناير,فزحف العديد منهم إلى نهر الشارع،وتحدث عشرات المشاجرات يومياً,بينهم وبين المارة وسائقى المركبات،وشرطة المرافق،وحولوا معظم ميادين وسط البلد وأمام محطات مترو الأنفاق إلى فاترينة عرض كبيرة.
"كانت ظاهرة الباعة الجائلين محدودة في وسط البلد،وكانت أماكنهم محددة،البعض كان يتواجد في بداية شارع طلعت حرب من ناحية ميدان التحرير،والبعض الآخر كان يتواجد في تقاطع شارعي شريف مع قصر النيل,بالإضافة إلى الباعة الذين ينتشرون عند مداخل محطات المترو,خاصة في منطقة محطة مترو جمال عبد الناصر وتقاطع شارعي ٢٦ يوليو مع رمسيس,ولكن فى السنوات الاخيرة و تحديداً بعد ثورة 25 يناير,لم يعد هناك سيطرة على هذة الظاهرة",هكذا يقول محمد مصطفى,صاحب أحد المحال التجارية بشارع طلعت حرب.
عالم الباعة الجائلين في «وسط البلد»،وإن كان يظهر عليه الفوضى،إلا أنه منظم للغاية من الداخل،يقول أحمد ممدوح أحد الباعة الجائلين فى شارع 26 يوليو:"ليس لدينا اختيار آخر،فلا أحد يريد الجلوس في الشارع ليبيع السلع التي نبيعها،لكن انسداد أبوب الرزق في وجوهنا دفعنا إلى ذلك،ولا نملك خيارات أخرى."
ويكمل:"المطاردات الامنية للباعة لا تتوقف خاصة فى شارعى طلعت حرب و 26 يوليو,وقد يتركونا فى أوقات,ويقبضوا على البعض فى أوقات أخرى,فى النهاية كل طرف بيشوف شغله."
"مقاهى وسط البلد"..ملتقى الجميع
حالة فريدة من نوعها تخلقها مقاهى وسط البلد لا تجدها فى مكان آخر,تجمع بين البساطة والروح الشعبية والرقى,يجلس عليها طبقات مختلفة وأعمارمتفاوتة,يتداولون النقاش فى مشاكل الحياة وأحوال البلد,نجد أمامها الباعة الجائلين من جهة,ومجموعات تقوم بالعزف والغناء من جهة أخرى,فى مشهد فلكلورياً أو تلفزيونياً,لكنه حقيقى بقدر تنوع العابرين فى وسط البلد.
بدأ مقهى ريش نشاطه في وسط البلد منذ عام 1916حتى الآن,ويعتبر أقدم مقهى إلى جانب مقهى الحرية بباب اللوق,من الممر الضيق الذي يجاور «ريش» يظهر لك المقهى من الداخل كما هو الحال في المقاهي الفرنسية،فترى داخل المقهى قصاصات قديمة من الجرائد والمجلات،وصوراً لألمع الكتاب والمفكرين الذين كانوا من رواد هذا المقهى،وكان له حديقة تمتد حتى منتصف الميدان,أحيت بها السيدة أم كلثوم إحدى حفلاتها الغنائية وقدمت بها روزاليوسف إحدى مسرحياتها.
مقهى «الأمريكين» افتتحه الايطالى أكيلي جياكو غروبي أول فرع له عام 1930،خصيصاً للطبقة المتوسطة التي لم تكن تستطيع ارتياد «جروبي» في طلعت حرب،فالحقه بمقهى «أمريكين» في شارع 26 يوليو،وهو الذي كان الفنان أحمد زكي زبوناً دائما فيه,ليمتلكهما حالياً عائلة عبد العظيم لقمة,القيادى الاخوانى المعروف.
مقاهي وسط البلد التي لعبت دورا ثقافياً وتاريخياً في حياة المصريين منذ ثورة 1919,حيث كانت المقاهي منبراً للخطب الثورية ضد الإنجليز,أضحت تحاول البحث عن بديل للرونق الثقافي الراقي الذي كانت تكتسي به،وأصبحت تتصدر المشهد المقاهي الشعبية التي تحاول أن ترتدي نبض الثورة,ويلتقى بها الشباب والكبار من المثقفين والمشتغلين بالسياسة,كمقاهي«زهرة البستان»و«البورصة»و«شامبليون».
فيقول سامى صبحى,صاحب كافيتريا بشارع القصر العينى:"نفسى تفتح قهوة ثقافية تكون مخصصة للقراءة,لان الموجود دلوقتى مش بالمستوى اللى نتمناه."
"رئاسة الحى":خطة مستقبلية للتطوير
تفاقم أزمة الباعة الجائلين في وسط المدينة وانسداد أغلب الشوارع الرئيسية،دفع أجهزة محافظة القاهرة إلى شن حملات أمنية,بين فترة وأخرى,لإزالة الإشغالات التي يشكلها الباعة الجائلين،ولابد من توفير مكان لأكثر من ٧٠٠٠ بائع جائل في محافظة القاهرة،حسب الإحصائيات الحكومية,ليرحلوا عن منطقة وسط البلد و تنتهى المطاردات المستمرة بينهم و بين قوات الشرطة.
يقول,صلاح عبد المعز,رئيس حى وسط القاهرة,إن هناك خطة لتطوير منطقة وسط البلد,من خلال معالجة التشوهات التي أفقدتها بريقها وجاذبيتها السياحية والحضرية كمتنفس مجتمعي،مشيراً إلى أهمية مكوناته الاثرية والعمرانية والاقتصادية.
ويؤكد عبد المعز,أنه أمربتكثيف حملات النظافة وإزالة الاشغالات,وذلك بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ الأعمال من خلال المبادرات والحملات التطوعية.
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)

.jpg)



