"الإدارية العليا" تُصدر حكمًا في قضية ضريح اليهودي "أبو حصيرة"
قضت المحكمة الإدارية العليا، الدائرة الأولى بمجلس الدولة، برئاسة المستشار محمد حسام الدين، رئيس مجلس الدولة، باعتبار الطعن رقم 34173 لسنة 61 ق عليا، المقام من الجهة الإدارية ضد حكم محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، الخاص بضريح الحاخام اليهودي يعقوب أبو حصيرة كأن لم يكن، وألزمت الإدارة المصروفات.
وبهذا الحكم، أصبح حكم محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، الصادر برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة نهائياً وباتاً، الذي أكدت فيه أن مصر بلد التسامح الديني ولا يجوز نقل رفات حاخام يهودي لإسرائيل؛ لأن أهل الكتاب ينعمون فى مصر بجميع الحقوق، وأن نقل رفات الحاخام اليهودي "أبو حصيرة" من مصر إلى إسرائيل يتعارض مع سماحة الإسلام، ونظرته الكريمة لأهل الكتاب، ولا يجوز نقل الرفات إلى القدس لعروبيتها، وإلغاء قرار وزير الثقافة، باعتبار الضريح ضمن الآثار الإسلامية والقبطية ووقف الاحتفالية السنوية؛ لأنها تتعارض مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها، وشطبه من الآثار الإسلامية والقبطية وإخطار منظمة اليونسكو بشطبه بعد ترجمته، وقد تمت ترجمة الحكم للغة الإنجليزية بوحدة اللغات والترجمة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية.
وكانت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة، برئاسة الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، أصدرت حكما في الدعوى رقم 1920 لسنة 55 قضائية بجلسة 29 ديسمبر 2014 في قضية اليهودي أبو حصيرة من خمسة بنود:
أولاً: بإلغاء قرار وزير الثقافة الأسبق رقم 57 لسنة 2001 في عهد الرئيس مبارك، باعتبار ضريح الحاخام اليهودى يعقوب أبوحصيرة والمقابر اليهودية الموجودة حوله والتل المقام عليه بقرية ديمتوه بدمنهور بمحافظة البحيرة، ضمن الآثار الإسلامية والقبطية لانطوائه على خطأ تاريخي جسيم، يمس كيان تراث الشعب المصري.
ثانيًا: إلزام الوزير المختص بشؤون الآثار بشطب هذا الضريح من سجلات الآثار الإسلامية والقبطية، لفقدانه الخصائص الأثرية بالكامل، وإلزامه كذلك بنشر قرار الشطب بالوقائع المصرية.
ثالثًا: بإلزام الوزير المختص بشؤون الآثار بإبلاغ اللجنة الدولية الحكومية "لجنة التراث العالمى "بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو"، بشطب هذا الضريح من سجلات الآثار الإسلامية والقبطية تطبيقاً للاتفاقية الدولية الخاصة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي والقانون المصري، وإعمالًا لمبدأ السيادة على الإقليم المصري الكائن به هذا الضريح، على أن يكون ذلك الإبلاغ مشفوعًا بترجمة معتمدة من الصورة الرسمية من حكم هذه المحكمة باعتباره الوثيقة والسند لهذا الإبلاغ.
رابعًا: برفض طلب إلزام الجهة الإدارية بنقل هذا الضريح إلى إسرائيل، استنادًا إلى أن الإسلام يحترم الأديان السماوية وينبذ نبش قبور موتاهم، ودون الاستجابة للطلب إسرائيل لمنظمة اليونسكو بنقل الضريح إلى القدس إعمالًا لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة، واللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لاهاي، باعتبار أن القدس أرض محتلة لا ترد عليها تصرفات الدولة الغاصبة، وتخرج عن سيادتها وتلافيا لإضفاء شرعية يهودية الدولة بتكريس سلطة الاحتلال إسرائيل بتواجد هذا الضريح على أرض فلسطين العربية.
خامسًا: إلغاء إقامة الاحتفالية السنوية لمولد الحاخام اليهودي، يعقوب أبو حصيرة بصفة نهائية لمخالفته للنظام العام والآداب وتعارضه مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها، وذلك كله على النحو المبين بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وقالت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في الطلب الأول، إن آثار الشعوب ملك لتراثها، ولا يمكن اعتبار ضريح الحاخام اليهودى "يعقوب أبو حصيرة"، والمقابر اليهودية الموجودة حوله من الآثار الإسلامية والقبطية معا، إذ لم يكن لتلك المقابر قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية، حيث إنها ليست من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر، أو كانت لها صلة تاريخية بها، كما لا يجوز اعتبارها من رفات السلالات البشرية لعدم معاصرة أصحابها للحضارة المصرية في مختلف عصورها التاريخية، وبالتالى فهذا الضريح والمقابر اليهودية الموجودة حوله هي مجرد مدافن عادية لأشخاص عاديين، مما يكون معه قرار وزير الثقافة مخالفًا للقانون.
وذكرت محكمة القضاء الإداري في الطلب الثاني، أنه لما كان أصول الإنسان المصري ارتبطت بأرضه وامتزجت بتراب وطنه، فأينعت حضارة يزهو بها المصريون على مر العصور تيهًا وفخرًا على العالمين، أسبغ فيها الإنسان المصري عبقرية على المكان أضحت مزارًا يسعى إليه للتعرف على جوانب إشراقاته، فإن المشرع المصري أوجب شطب الأثر إذا ما فقد خصائصه الأثرية بالكامل، كما ألزم نشر قرار شطب الأثر بالوقائع المصرية، حفاظًا على التراث المصري وحمايته من كل دخيل عليه.
وقرار وزير الثقافة باعتبار الضريح ضمن الآثار المصرية الإسلامية والقبطية تزييفًا للتاريخ الفرعونى وإهدارًا للحضارة المصرية القديمة والقبطية والإسلامية ومجافيًا لتراث الأمة المصرية وعظمة التاريخ المصري القديم ونيلا من تفرده الذي هو دليل شموخ الإنسان المصري، فضلًا عن أن صاحب الضريح الحاخام اليهودى والمقابر اليهودية التي حوله لا يدينون للإسلام أو المسيحية، ومن ثم فإن إسباغ وصف الأثر الإسلامى والقبطى على مقابر يهودية، يمكن أن يثير فتنة بين من ينتمون لهذه الديانات السماوية الثلاث، إذ كيف يكون الأثر إسلاميًا وقبطيًا حال كون ديانة صاحبه يهودية!
وقالت المحكمة في الطلب الثالث، إن حرص المشرع المصري على جذوره الحضارية الضاربة فى أعماق التاريخ، التي كان من نتاجها استواء الحماية على الآثار التي هي في الحقيقة والواقع الأدلة الثابتة على عراقة هذا الوطن والشواهد على عبقرية الإنسان والمكان، ولم يكن المشرع المصري بمعزل عن الحركة الأثرية فى العالم، التي تمثلت في باكورة اهتمام العالم بالتراث، بإبرام الدول الأعضاء الاتفاقية الخاصة بحماية التراث العالمى الثقافي والطبيعى التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في دورته السابعة عشرة التي عقدت في باريس 16 نوفمبر عام 1972 والتي صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1965 لسنة 1973 في 30 ديسمبر 1973 بالموافقة عليها والتصديق عليها في 2 يناير 1974 وصدر قرار وزير الخارجية في أول اكتوبر 1978 بنشرها في الجريدة الرسمية، ومن ثم أضحت أحكام تلك الاتفاقية فى نسيج التشريعات الوطنية إعمالا للدستور الذي الزم الدولة بالاتفاقيات، التي صدقت عليها مصر، وبالتالى ألزمت الوزير المختص بشؤون الآثار بإبلاغ اللجنة الدولية الحكومية "لجنة التراث العالمى"، بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو" بشطب هذا الضريح من سجلات الآثار الإسلامية والقبطية تطبيقاً للاتفاقية الدولية الخاصة بحماية التراث العالمى الثقافى والطبيعى والقانون المصري، وإعمالا لمبدأ السيادة على الإقليم المصري الكائن به هذا الضريح على أن يكون ذلك الإبلاغ مشفوعًا بترجمة معتمدة من الصورة الرسمية من حكم هذه المحكمة باعتباره الوثيقة والسند لهذا الإبلاغ.
وذكرت المحكمة في الطلب الرابع عن رفض طلب نقل رفات الحاخام اليهودي أبو حصيرة إلى إسرائيل، فإنه لما كانت مصر مهد الدين وراية مجد الأديان السماوية وكان الإسلام الذي هو دين الدولة المصرية بمبادئ الشريعة الغراء التي عدها المشرع الدستورى المصدر الرئيسى للتشريع، يحترم الأديان السماوية ويحترم موتاهم وينبذ نبش قبورهم بما يحمله ذلك من سماحة وسلام أرسى دعائمها رسول الإنسانية محمد عليه الصلاة والسلام - الذي بعث للناس كافة ليتمم مكارم الأخلاق - بقوله "من اَذى ذميًا فأنا خصيمه يوم القيامة"، رواه مسلم، كما أنه عندما مرت جنازة على الرسول الكريم فوقف احتراما لها فإذا بأحد الصحابة يقول له: "إنها جنازة يهودي"، فقال له الرسول الكريم "أليست نفسا"، وهذا له دلالته الساطعة على أن الإسلام يسوى بين الموتى، حينما وقف رسول الرحمة المهداة للعالمين احترامًا لروح غير مسلم تصعد لبارئها وبغض النظر عن ديانة صاحبها، فضلًا عن أن الإسلام أمر بحسن معاملة الطوائف غير الاسلامية من أهل الكتاب وعدم الإساءة إليهم وألا يضاروا فى أنفسهم أو أموالهم، واَية ذلك أنه فى عهد خليفة المسلمين الفاروق عمر بن الخطاب حينما فتح "بيت المقدس"، أعطى لأهل الكتاب أمانا لأنفسهم وصلبانهم وكنائسهم لا تسكن كنائسهم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبها ولا يضارون فى أنفسهم أو أموالهم.
وأضافت محكمة القضاء الإداري، أنه لما كان الإسلام يقف موقف المتسامح والسلام مع طوائف غير المسلمين من أهل الكتاب الذين ينعمون فى مصر بكل الحقوق والحريات العامة ومنها حرية العقيدة، وكان الإسلام هو دين الدولة فإن نقل رفات الحاخام اليهودى يعقوب أبو حصيرة من مصر إلى إسرائيل يتعارض مع سماحة الإسلام ونظرته الكريمة لأهل الكتاب واحترام قبور موتاهم بحسبانها مأوى المرء أيًا كانت ديانته بعد مماته وداره التي يوارى فيها بعد خلاص حياته الدنيوية، وإذ خلت الأوراق من ثمة حجة قانونية أو ضرورة ملجئة تقتضى نقل هذا الرفات إلى إسرائيل، فمن ثم يغدو هذا الطلب غير مستند إلى أساس سليم مما يتعين رفضه.
وأشارت المحكمة إلى أنه عن عدم الاستجابة للطلب ال إسرائيل ى المبدى لمنظمة اليونيسكو بنقل رفات الحاخام اليهودى أبو حصيرة من مصر إلى القدس، فإن بحثه يتطلب من المحكمة التعرف على قواعد القانون الدولي والقانون الدولى الإنساني، والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، لبحث ما إذا كانت الأرض المطلوب نقل الرفات إليها هي أرض ملك دولة إسرائيل، أم أنها أرض مغتصبة تحت نير الاحتلال؟ والمستقر عليه دوليًا ومنذ الاحتلال ال إسرائيل ى للقدس الفلسطينية للجانب الغربى منها عام 1948 والجزء الشرقى منها عام 1967 أن سلطة الاحتلال الإسرائيلي دأبت على الاستيطان بها وتهويدها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، واَيته أن معظم السواد الأعظم من أعضاء المجتمع الدولى انتهى إلى أن المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة - خاصة القدس الشرقية - تمثل خرقا لقواعد القانون الدولى.
وانتهت منظمة الامم المتحدة إلى أن بناء إسرائيل لتلك المستوطنات يشكل انتهاكا لأحكام المادة 49 فى فقرتها السادسة من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تحظر على القوة المحتلة نقل مجموعات من سكانها المدنيين إلى الأراضى التي تحتلها، وقد تبنى مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة القرار رقم 448 فى مارس 1979 واعتبرها غير قانونية؛ بل أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا فى عام 2004 انتهت فيه إلى أن بناء تلك المستوطنات غير شرعية فضلا عن انتهاكها لقواعد القانون الدولى الإنسانى خاصة المادة 53 من معاهدة جنيف الرابعة التي تحظر تمدير الممتلكات الخاصة إلا اذا اعتبرت ضرورة للعمليات العسكرية وانتهاكا للمادة 46 من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لاهاى التي نصت على أنه ينبغى احترام شرف الأسرة وحقوقها وحياة الأشخاص والملكية الخاصة وكذلك المعتقدات والشعائر الدينية ولا تجوز مصادر الملكية الخاصة والمادة 55 التي نصت على أنه لا تعتبر دولة الاحتلال نفسها سوى مسؤول إداري ومنتفع من المؤسسات والمبانى العمومية والغابات والأراضى الزراعية التي تملكها الدولة المعادية والتي توجد فى البلد الواقع تحت الاحتلال وينبغى عليها صيانة باطن هذه الممتلكات وإدارتها وفقا لقواعد الانتفاع.
وفى ضوء ما تقدم من نصوص للمعاهدات السالفة وما صدر عن أجهزة منظمة الامم المتحدة يبدو جليا أن القدس هى أرض فلسطين وأن سلطة إسرائيل عليها هى سلطة احتلال ويكون القصد من طلب الجانب ال إسرائيل ى لمنظمة اليونيسكو لنقل رفات رجل دين يهودى لتهويد القدس العربية، وبهذه المثابة فإن الأرض - القدس - محل الطلب ال إسرائيل ى المبدى لمنظمة اليونيسكو لنقل رفات الحاخام اليهودى اليها هى أرض مغتصبة من سلطة الاحتلال ال إسرائيل ى والأرض المحتلة لا ترد عليها تصرفات الدولة الغاصبة ولا تدخل فى سيادتها ولا يكسبها ذلك حقا مهما طال الزمان ولا يجوز - والحال كذلك - نقل الرفات إليها.
وانتهت المحكمة في الطلب الخامس الخاص بوقف احتفالية مولد اليهودي، أن المشرع الدستوري المصري كفل حرية العقيدة وكذلك حرية ممارسة الشعائر الدينية ، فالدستور المصري يحمى هذه الحريات مادام أنها لا تخل بالنظام العام ولا تنافى الآداب، فضلا عن تمتع الطوائف غير الإسلامية من أهل الكتاب بحرية القيام بممارسة شعائرها الدينية، وهذا يرجع إلى سماحة الدين الإسلامى والتفهم الواعى لحرية العقيدة التي حرصت مصر على تقريرها وإعلانها فى كل مناسبة ، غير أن التمتع بحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة الاحتفال لها يلزم أن تتم مظاهره فى بيئة محترمة تتفق مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها، وألا تكون سببا فى الاحتكاك بين الطوائف الدينية وإثارة الفتن بينها.
والثابت بالأوراق أن الاحتفال السنوى المقرر لمولد الحاخام اليهودى يعقوب " أبو حصيرة " - وهو فرد عادى - وما يصاحبه من ممارسات تتمثل فى قيام اليهود المحتفلين الزائرين لضريح أبوحصيرة والمقابر اليهودية التي حوله باحتساء الخمر وارتكاب الموبيقات والمحرمات بما يتعارض مع التقاليد الاسلامية الأصيلة، ومما لا شك فيه أن قيام مظاهر هذا الاحتفال على نحو يخالف التقاليد الإسلامية والآداب يشكل مساسا بالأمن العام والسكينة العامة ويمثل خروجا سافرا على ما تتمتع به الشعائر الدينية من وقار وطهارة.



