الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

لا شك أن الحرب التي شنها الكيان الإسرائيلي المحتل ضد قطاع غزة عقب أحداث القدس، كانت أول اختبار صعب للرئيس الأمريكي جو بايدن فيما يخص إدارته للملفات الخارجية. حيث انتبهت إدارة بايدن فجأة لـ ثوران بركاني يخرج من الأراضي المحتلة، كانت تعتقد قبل ذلك أنه خامدًا ولو مؤقتًا على الأقل.

ذلك ما أقرته العديد من الصحف الأمريكية خلال اليومين الماضيين، على رأسها صحيفة نيويورك تايمز، التي قالت إن الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة كشفت أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يواجه المزيد من التحديات والمخاطر في المستقبل القريب فيما يخص طريقة إدارة الملفات الخارجية.

مسؤولو البيت الأبيض مشغولون الآن بكيفية إعادة ضبط نهجهم، على أمل تجنب أزمة أخرى من شأنها تحويل انتباه بايدن عن أولويات سياسته الخارجية، التي تتمثل في الصين وروسيا واستعادة الاتفاق النووي الإيراني. 

على المدى القصير، سوف تتخذ إدارة بايدن خطوات أكثر فعالية بالشرق الأوسط، وذلك عبر خطة تحركات شاملة، تتضمن العديد من الإجراءات والقرارات خلال الفترة المقبلة، وتضمن زيادة المشاركة الأمريكية بالمنطقة المليئة بالأزمات. 

مسؤول مطلع بالبيت الأبيض، كشف لنيويورك تايمز عن تفاصيل هذه الخطة وبعض بنودها.

البداية، وفق المسؤول المطلع، تأتي مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن للمنطقة في أوائل الأسبوع المقبل، وهو ما أعلنه بلينكن بنفسه في تغريدة، أمس الجمعة، على تويتر قال فيها: "سأزور المنطقة في الأيام القليلة المقبلة وأتطلّع للقاء وزير الخارجية (الإسرائيلي) ومسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين وإقليميين آخرين".

حتى الآن لم تعلن الإدارة الأمريكية عن برنامج الزيارة، لكن التكهنات حولها تؤكد أنها ستشمل مصر، التي توسطت في التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بقيادة حماس في غزة، وكذلك الأردن. وأن بلينكن سيناقش الأزمة الفلسطينية ومسألة تثبيت الهدنة بين إسرائيل وحماس، كما سيبحث أزمة إيران والعديد من قضايا المنطقة، وقد يلمح خلال لقائه بالمسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى مسألة "حل الدولتين".

البند الثاني في خطة "بايدن" يتمثل في إيفاد الخارجية الأمريكية للدبلوماسي المخضرم، مايكل راتني، للقدس، لقيادة سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل، كقائم بالأعمال، وذلك لحين إصدار الرئيس الأمريكي قرارا باختيار سفيرا رسميا للولايات المتحدة في إسرائيل، وهو المنصب الشاغر منذ يناير الماضي، بعدما أنهى ديفيد فريدمان، السفير السابق، مهامه بانتظار أن تسمي الإدارة الأمريكية ممثلها في هذا المنصب.

راتني، هو نائب مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، شغل منصب القنصل العام في القدس خلال إدارة أوباما، والمعروف بعلاقاته الجيدة بالجانب الفلسطيني، واختياره بالطبع له دلالات كبيرة، أبرزها الرغبة الأمريكية في إحياء قنوات التواصل بين واشنطن والفلسطينيين، بعدما انقطعت في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب.

على الجانب الآخر، من غير الواضح متى قد يختار بايدن سفيره الرسمي بالقدس، ورغم أن العديد من الخبراء الإقليميين يصفون هذه المهمة بأنها عاجلة، لكن جرت العادة أن عملية ترشيح شخص ما وتأكيده للمنصب قد تستغرق شهورًا.

شخصان على اتصال بالبيت الأبيض بشأن الشؤون الإسرائيلية صرحا لوسائل إعلام أمريكية إنهما يتوقعان أن يختار بايدن توماس آر نيدس، الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية في إدارة أوباما، وهو اختيار- إن حدث- ينم أيضًا عن تغير واضح في السياسة الأمريكية تجاه هذا الملف. 

المفاجأة التي تشملها خطة بايدن، تتعلق بإعادة فتح القنصلية العامة في القدس، وهي بعثة دبلوماسية معتمدة للولايات المتحدة إلى السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية (بما فيها القدس) وقطاع غزة، وكانت نقطة الاتصال الرئيسة لواشنطن مع الفلسطينيين حتى تم غلقها ودمجها في السفارة الأمريكية بالقدس، بقرار من الرئيس دونالد ترامب، ما دفع المسؤولين الفلسطينيين إلى رفض التعامل مع السفارة الجديدة.

يخطط مسؤولو الإدارة الأمريكية لإعادة القنصلية مرة أخرى للعمل بمعزل عن السفارة الأمريكية بالقدس، ويعتبرون ذلك خطوة على طريق إصلاح الأخطاء السابقة لترامب وإدارته بالمنطقة، تهدف بشكل رئيس إلى التقرب أكثر من الجانب الفلسطيني.

إيلان جولدنبرج، المسؤول السابق في إدارة أوباما والمدير الحالي لبرنامج أمن الشرق الأوسط في مركز إدارة شؤون الإعلام يرى أن إدارة ترامب ضللت الحكومة الأمريكية بقرار غلق القنصلية العامة بالقدس، وأضرت بسياسات الولايات المتحدة في الفترة التي سبقت هذه الأزمة. وقال: "القنصلية كانت أعيننا على الأرض مع الفلسطينيين في أوقات الأزمات. وأتوقع الآن أن تسارع إدارة بايدن لإعادة فتحها".

على نطاق أوسع، تدرس إدارة بايدن الأساليب التي يجب اتباعها لتهدئة الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. ويأمل مسؤولو الإدارة في تمكين السلطة الفلسطينية باعتبارها الأكثر اعتدالًا من وجهة نظرهم، والتي يعتبرونها الشريك الوحيد المعقول لتحقيق السلام مع الإسرائيليين. حيث تصنف الولايات المتحدة حماس كمنظمة إرهابية.

وظهر ذلك جليا في إعلان بايدن، الخميس الماضي، قيادة الولايات المتحدة لجهود إنسانية لإعادة إعمار غزة، مؤكدا أن واشنطن ستتعامل في هذا الملف مع السلطة الفلسطينية فقط، وليس حركة حماس، وقال بايدن أن ذلك سيتم "دون إتاحة الفرصة لحماس لإعادة بناء أنظمة أسلحتها".

تشمل الخطة أيضًأ استئناف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية سعياً وراء حل الدولتين، وجس النبض الإسرائيلي فيما يخص هذه المسألة.

في تحليل لمؤسسة بروكينغز، نُشر يوم الجمعة، حذرت تامارا كوفمان ويتس، زميلة بارزة في معهد بروكينغز، من أن مسؤولي الإدارة الأمريكية في حاجة إلى قضاء المزيد من الوقت في إدارة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في وقت ينبغي أن تركز فيه المحادثات الأمريكية الإسرائيلية رفيعة المستوى على إيران والتعاون الأمني.

وكتبت ويتس أن البيت الأبيض "بحاجة إلى تكريس الوقت والاهتمام بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحسم مسألة حل الدولتين، إذا كانوا يريدون تجنب الانزلاق المستمر الذي يعرقل الأهداف الإقليمية الأخرى ذات الأولوية ".

ورغم أن مسؤولو الإدارة الأمريكية لم يعطوا حتى اللحظة أي مؤشر على أنهم سوف يغيرون مسارهم ويعينون مبعوثًا مكلفًا باستئناف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية سعياً وراء حل الدولتين، وهي النتيجة التي يُنظر إليها على نطاق واسع داخل الولايات المتحدة بأنها ميؤوس منها وبعيدة المنال في الوقت الحالي، إلا أن تصريحات بايدن، الجمعة، أظهرت عكس ذلك، وكشفت أن حل الدولتين هو هدف أمريكي طويل المدى، حيث قال بايدن نصًا: "ما زلنا بحاجة إلى حل الدولتين. هذا هو الحل الوحيد.".

قد يتسبب الحديث عن مسألة حل الدولتين في تصاعد الخلاف الأمريكي الإسرائيلي، وهنا يأتي دور الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية بلينكين، لجس النبض ومحاولة امتصاص الرفض الإسرائيلي والتعامل معه.

كما تهدف خطة البيت الأبيض للوصول إلى اتفاق أمريكي إسرائيلي بشأن الملف الإيراني، وهو أحد أبرز الخلافات بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، حيث تعارض إسرائيل بشدة التحركات الأمريكية بشأن العودة الأمريكية للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، باعتباره تهديدًا لأمن إسرائيل.

على جانب آخر، تسعى خطة بايدن لمزيد من التعاون مع الإدارة المصرية بشأن ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وباقي ملفات الأزمة بالمنطقة، وفق ما أكده العديد من الخبراء المقربين من البيت الأبيض.

بعضهم يؤكد أن الإدارة الأمريكية سوف تأخذ أهمية الدور المصري بعين الاعتبار في خطتها المقبلة بالشرق الأوسط عمومًا، وفي هذا الملف بشكل خاص.

الصحف الأمريكية أكدت أن بادرة هذا التعاون المثمر بين واشنطن والقاهرة، ظهرت جليا في الأزمة الأخيرة، مع بروز الدور المصري في التوسط في وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل.

 حيث عملت الحكومة المصرية كوسيط مهم ورئيس بين حماس وإسرائيل والولايات المتحدة للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار. وكان بريت ماكغورك، كبير مسؤولي مجلس الأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط، يتحدث بشكل دوري مع مسؤول كبير بالإدارة المصرية لحل الأزمة، وتمرير الرسائل بين القدس والقاهرة في الوقت الحاسم.

وهو ما نجح مؤخرا في وقف التصعيد، وكشف عن الدور المحوري للقاهرة في هذا الملف الصعب. يبدو أننا أمام واقع جديد، يخص السياسات الأمريكية بالمنطقة، فرضته حرب الـ 11 يوم بين إسرائيل وحماس، وسوف تظهر طبيعته خلال الأيام القليلة المقبلة.

تم نسخ الرابط