سنوات سبع من الإنجازات الملموسة والمتنوعة على صعيد العلاقات المصرية- الإفريقية. ولا يخفى على أحد أن إعادة الدور المصري الريادي إلى سابق عهده في القارة الإفريقية لم يكن بالأمر اليسير، فقد بذلت في سبيل ذلك العديد من الجهود التي واصلت فيها القيادة السياسية المصرية الليل بالنهار، من أجل إعادة تشييد الجسور بين مصر وسائر الدول الإفريقية.
ولا شك أن إعادة الروح للعلاقات المصرية- الإفريقية يُعزي في الأساس إلى حكمة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي وإدراكه أن القارة الإفريقية دائرة مهمة من دوائر الأمن القومي المصري.
فالقارة الإفريقية التي تزيد مساحتها على 30 مليون كم2 ويقطنها نحو 1.4 مليار نسمة، معظمهم من الشباب القادر على العمل، تعد ظهيرًا مهمًا وحيويًا تستطيع مصر من خلاله تحقيق أمنها الإنساني والقومي بكل أبعاده.
بالنظر إلى القارة نجدها تتمتع خصائص تميزها عن سائر قارات العالم الأخرى، فإفريقيا تضم 55 دولة، وتشكل كتلة تصويتية كبيرة لا يستهان بها في المحافل الدولية، كمنظمات الأمم المتحدة، علاوة على أنها تتمتع بثروة بشرية ضخمة وقوى عاملة وفيرة، مما يجعلها بمثابة سوق واعدة للعالم بأسره.
كما تتميز قارتنا الأم ببيئة سياحية لا مثيل لها، ففيها الجبال، والهضاب، والبحار، والبحيرات، والنباتات الطبيعية، والحيوانات البرية المتنوعة والصحراوات وغيرها. كما تضم القارة مساحات شاسعة من المراعي، مما يجعلها القارة الأغنى من حيث الثروة الحيوانية، وتضم أيضًا مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة والقابلة للزراعة.
يضاف إلى ذلك كله غنى القارة بأهم مقومات الصناعة مثل: المواد الخام والأيدي العاملة والسوق. وتكتنز القارة في باطنها معادن نفيسة لا توجد في غيرها، ومن أهم هذه المعادن: "الماس، والذهب، والنحاس، والفحم، والبترول، والغاز الطبيعي، والفوسفات، والقصدير، واليورانيوم" وغيرها.
وتنفيًذا لتوجيهات فخامة الرئيس، أخذت الحكومة المصرية على عاتقها مهمة تعزيز التواصل ومد جسور التعاون والتكامل بين مصر وسائر الدول الإفريقية بما يعود بالنفع على القارة قاطبة. ويمكننا إيجاز بعض الإنجازات التي تحققت في السنوات السبع الأخيرة في الملف الإفريقي في النقاط الآتية:
1-الاهتمام بالشباب: يُعد الشباب الإفريقي من الفئات الأساسية التي أولاها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية كبيرة، خاصة بعد بناء الثقة مع الشباب المصري، وإطلاق آلية "منتديات الشباب".
وقد تم توسيع الدائرة لتشمل الشباب الإفريقي، فأقام سيادته منتدى الشباب العربي الإفريقي في أسوان، ومنح القارة تدريب 10 آلاف شاب إفريقي، من خلال الأكاديمية الوطنية للتدريب لتنمية قدرات ومهارات الشباب الإفريقي.
ونظرًا لأن القارة الإفريقية قارة فتية ومعظم سكانها من الشباب، فإنها تُعد قارة واعدة في التنمية، حال استغلال تلك القدرات الاستغلال الأمثل، فإتاحة الفرصة للشباب يحقق لهم مزيدًا من التقدم والارتقاء في كل المناحي الحياتية، بالإضافة إلى إشراكهم إشراكًا فاعلًا في صنع القرارات.
كما وجه السيد الرئيس أجهزة الدولة المصرية للتعاون في مجال تحسين قدرات الشباب الأفارقة إيمانًا من سيادته بأن الشباب هم عصب التنمية ومستقبل الأمم.
2.معركة التحرر من التخلف والفقر والمرض: استطاعت الدولة المصرية أن تقود الدول الإفريقية في معركة تحرر جديدة في ظل المكانة التي تحظى بها مصر واستعادة دورها المحوري ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم بأسره.
إنها معركة من أجل تحقيق التنمية المستدامة، معركة لتحقيق الأمن الإنساني، معركة ضد استعمار التخلف والفقر والمرض، معركة تعتمد فيها الدول الإفريقية على نفسها.
وهو ما أكد عليه الرئيس في جولاته داخل إفريقيا وفي القمم الإفريقية مع اليابان وألمانيا وروسيا والسبع الكبار وبريطانيا وفرنسا. ودائمًا ما يقول السيد الرئيس إن المشكلات الإفريقية لا تحل إلا بالأفارقة أنفسهم أي بحلول إفريقية، فالصراعات القبلية والعرقية، ومشكلات اللاجئين، والهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب وغيرها، لن يحلها سوى الأفارقة.
3. قيادة الاتحاد الإفريقي: برهن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على مدى اهتمامه بالقارة الإفريقية في سنوات حكمه الأولى، وقد تجلى ذلك بوضوح في كثافة الزيارات الرسمية للعديد من دول القارة، فثلث زيارات الرئيس الخارجية كانت للقارة الإفريقية، ومن خلال كثافة الوجود الإفريقي في مصر وتبادل الزيارات هذه تعد دليلًا واضحًا على تحرك المياه الراكدة وعودة الروح للعلاقة الجيدة بين مصر والدول الإفريقية.
علاوة على ذلك أصبح هناك إدراك إفريقي بأهمية العلاقات مع مصر وثقل مصر الدولي. فتعميق صور التواجد للطرفين يقدم أسسًا لعلاقات أكثر عمقًا. وهو ما تمت ترجمته خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي فبراير 2019 حتى فبراير 2020.
فقد استطاعت الدولة المصرية خلال تلك الفترة أن تترجم طموحات القارة الإفريقية إلى واقع، وأن تمثل القارة في كل المحافل الدولية خير تمثيل بشكل جعل البعض يصف عام ترأس مصر للاتحاد الإفريقي بأنه من أنجح سنوات الاتحاد الإفريقي منذ نشأته. فجهود السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في التعامل مع أزمات القارة كانت واضحة؛ حيث قام الرئيس السيسي بست زيارات مهمة لإفريقيا خلال عام ترأس سيادته للاتحاد شملت دول: "إثيوبيا، وتونس، وغينيا، والسنغال، وكوت ديفوار، وجمهورية النيجر"، وتنوعت أهداف تلك الزيارات ما بين بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي ومناقشة القضايا التي تؤرق القارة، سواء صراعات وأزمات تعوق التنمية، فضًلا عن تطوير العلاقات بين مصر وتلك الدول على الأصعدة كافة، أو حضور قمم إفريقية.
لقد تسلمت مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي خلال القمة الإفريقية المنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس بابا في دورتها الـ32.
وعلى الفور وبشكل عملي أطلقت الدولة المصرية مركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار، وبدأت مع الساحل الإفريقي، وعملت على تفعيل دور المجتمع المدني والتكامل الاقتصادي بشكل أكبر وأوسع، فكان عام مثمر للقارة جعل دولها تختار مصر كعضو في الترويكا الإفريقية حتى الآن، وهو ما يؤكد على الدور الذي استطاعت الدولة المصرية القيام به.
4.إطلاق منطقة تجارة حرة قارية: خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي، استطاعت مصر استكمال الخطوات التي تمهد الطريق لإطلاق منطقة التجارة الحرة للقارة.
وتعد اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية أحد المشروعات الرائدة في أجندة 2063، وهي الرؤية طويلة المدى للاتحاد الإفريقي الهادفة إلى تحقيق إفريقيا متكاملة ومزدهرة، والتي بدأت تدخل حيز التنفيذ كخطوة سياسية واقتصادية تدعم خطوات التكامل بين دول الاتحاد الإفريقي، وتجعل من القارة أحد القوى الكبرى في العالم، وتسهل حركة البضائع والأفراد ورؤوس الأموال بما يمهد لتكامل اقتصادي قائم على استغلال المزايا النسبية بين الدول الإفريقية.
وقد اهتمت مصر بهذه القضية؛ حيث أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي بدء سريان اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الإفريقية، خلال افتتاح القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي في نيامي عاصمة النيجر في شهر يوليو من عام 2019.
وتمهد هذه الاتفاقية لتأسيس السوق الإفريقية الموحدة، وإلغاء الحواجز التي تحول دون دخول التجارة عبر الحدود أن تسهم في زيادة الوظائف، والحد من الفقر. ويمكن فهم أهمية اتفاقية التجارة الحرة القارية من خلال النظر إلى حجم سوقها القاري، والذي يضم 1.4 مليار نسمة بإجمالي ناتج محلي يزيد على 3 تريليونات دولار أمريكي في القارة.
إن مصر تسعى بكل قوتها من أجل إنشاء سوق مشتركة بين المنطقة العربية والقارة الإفريقية، يمكن من خلالها استغلال اتساع السوق العربية والإفريقية، وارتفاع الاستيراد كجانب استهلاكي، والتقارب الجغرافي، وتشابه الظروف واستغلال الميزة النسبية لكل طرف... وللحديث بقية.
القائم بأعمال عميد كلية الدراسات الإفريقية العليا جامعة القاهرة



