عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكايات "البجة" الإفريقية

د إبراهيم محمد مرجونة
د إبراهيم محمد مرجونة

تقع "البجة" في الصحراء الشرقية جنوب الصعيد، بين بحر القلزم (الأحمر) وبين نهر النيل، إلى شمال بلاد النوبة والحبشة، وبين البحر الأحمر شرقًا ونيل مصر والسودان غربًا، وهى صحراء طولها أكثر من ألف فرسخ (يعادل بين 4 و6 كيلو مترات) وعرضها ثلثمائة، وتأتى بداية هذه البلاد الشاسعة من الشمال، تحديداً من قرية "بخرية" بصحراء القوص، ويمتد طولها جنوبًا إلى المنحدرات الشمالية لهضبة الحبشة.



وتجاور "البجة" أَرض الحبشة من الشمال، وتفصلها غرباً عن أرض النوبة جبال منيعة، ولا تمثل تلك المساحة موطن البجة في العصور الوسطى فحسب، بل مثلت الموطن الأصلي لقبائلها منذ عهد الأسرة السادسة الفرعونية (6460-2200 ق.م) وتحديداً في إقليم يعرف بإقليم (مجا) أو (مزا)، وعرف أهله باسم (أونوت)، ويعني: رامي القوس.

 

لكن تلك الأوطان القبلية ضاقت عَمَّا كانت عليه في العصور اللاحقة، حيث امتدت من المنحدرات الشمالية لهضبة الحبشة في الجنوب إلى نهاية أسوان في الشمال، ويحد ذلك الإقليم من الشمال خط وهمي يبدأ من منطقة عيذاب الواقعة على البحر الأحمر في الشرق، وينتهي غربًا ببلدة العلاقي الواقعة على نهر النيل شمال مدينة وادي حلفا، ويحده شرقًا حوض البحر الأحمر، ومن الجنوب خط وهمي يمر من ساحل البحر الأحمر جنوبًا، وينتهي غربًا بنهر عطبرة شمالاً حيث بلدة القضارف جنوب السودان.

 

واتصف هذا الإقليم بصفات جغرافية متنوعة، تمثلت فى التضاريس وموارد الماء، وما يترتب على ذلك من تنوع النباتات والحيوانات، ولعل اختلاف التضاريس هو أَكبر عامل طبيعي يؤثر في الظواهر الطبيعية الأخرى، وأكبر مظهر لاختلاف التضاريس هو وجود تلك السلاسل الجبلية الممتدة من الجنوب إلى الشمال في محاذاة البحر الأحمر، في شكل مرتفعات متصلة الحلقات، فيما عدا مكان واحد يشقه "خور بركة".

 

والملاحظ في تلك المرتفعات المحاذية للبحر الأحمر أَنَّها تلتصق به أَحيانًا حتّى لا يكاد يفصلها عنه شيئاَ، وتبتعد عنه أَحيانًا فتترك بينها وبينه سهلًا ساحليًا ضيقًا يتراوح عرضه بين (20-30 كم)، يضيق في القسم الأعظم من الجهات الداخلية في السودان والأكثر اتساعًا في الجزء الداخلي في حدود مصر، وكذلك نجد أَنَّها ليست متساوية في الارتفاع والوعورة، فترتفع في بعض الجهات لتزيد عن (1500م) وتقل في أخرى عن (500م).

 

أَمّا من ناحية الانحدار والوعورة فيحدث ذلك بشكل فجائي من جهة الشرق، وتدريجياً من جهة الغرب، تتخلله بعض الأودية والسهول.

 

وقد أثرت تلك الجبال واختلاف مظاهرها في تنوع موارد المياه وتوزيعها، لاسِيَّمَا في مصادرها الأولى، ألا وهى سقوط الأمطار، إذ إِنَّها تكون غزيرة في منطقة ودون ذلك في منطقة أُخرى، فضلًا عن مواسم سقوطها، ومنها ما هو صيفي وما هو شتوي، فالمرتفعات المنحدرة غربًا وما يليها في ذلك الاتجاه مطرها صيفي، والمرتفعات شرقًا، وكذلك الساحلية مطرها شتوي.

 

 أهم مدن البجة: "سواكن" بفتح السين المهملة والواو، وكسر الكاف والنون في الآخر، وهى اسم مصري قديم تعرف بـ (شواخن)، وهي إحدى الأقاليم النيلية الحبشية، وبمرور الوقت تحولت الشين إلى سين، و(خن) إلى (كن) لخلو أبجدية اللّغات "البجاوية" من حرف الخاء، وقيل إِنَّ اسمها اشتق من اسم (سجون) جمع سجن، إذ كانَ موضعها يستعمل سجن يضم الخارجين على القانون والمجرمين.

 

وقد ورد اسم "سواكن" أوّل مرة خلال القرن الثاني الهجريّ – الثامن الميلادي – وكانَ ذلك عندما مَرَّ بها أفراد الأسرة الأموية الهاربين من العباسيين.

 

وتعدّ مدينة "سواكن" قاعدة بلاد البجة، ومرفأً مهمًا على ساحل البحر الأحمر، والذي يستقبل السفن القادمة من جدة، وتقع سواكن في الطرف الغربي لبحر القلزم (الأحمر) على الساحل جنوب مدينة عيذاب، و"سواكن" مدينة عامرة بالمتاجر، ويستخرج فيها "البجاة" اللؤلؤ الجيد، وتسير منها السفن إلى "جزية باخع"، وأهلها مسلمون، ويسكنها التجار، وقد ازدهرت تلك المدينة ولمعت شهرتها في القرن الثامن الهجريّ –  الرابع عشر الميلادي – وذاع صيتها حتّى أصبح اسمها يذكر كأحد موانئ البجة المهمة، وتميزت بنشاطها التجاري الكبير حتّى غدت من أهم المراكز التجارية لدويلات النوبة المسيحية، والنافذة الوحيدة التي تطل منها تلك الدويلات على التجارة العالمية، وكانت "سواكن" محط أنظار الطامعين، فقد عمل المماليك بمصر على محاولة إحكام السيطرة عليها، وتمكنوا في النهاية من ذلك، ورُبَّما كانَ الدافع وراء ذلك هو وضع حَدّ للتهديدات المباشرة وغير المباشرة التي كانَ يتعرض لها التجار في البحر الأحمر.

 

"علّاقي" بفتح العين المهملة واللام المشددة، ثمَّ ألف وقاف مكسورة، ثمَّ ياء مثناة من تحت آخر ، وهي مدينة عظيمة، تقع قرب بحر القلزم (الأحمر)، وأقرب العمارة إليها مدينة أسوان، وبها الكثير من العرب والعجم، والعديد من الأسواق.

 

ويحصل سكانها على ماء الشرب من آبار يتم حفرها في وادي العلاقي، وهو وادي عظيم بصحراء مصر الشرقية، ينحدر من جبال البحر الأحمر من جهة الغرب ليصل إلى نهر النيل، ويبلغ طول مجراه (350 كم) تقريبًا، ويقدر عرضه بنحو (50 كم) تقريبًا.

 

و"العلاقي" مدينة من أهم مراكز استخراج الذهب، وكانت أهم مركز يربط بين عِدَّة طرق تجارية في المنطقة خلال العصور الوسطى، وبها معادن بكميات كبيرة، مثل الزرنيخ الأصفر الذي كان يسبك ثم يدخل إلى بلاد البجة .

 

"عيذاب" بلدة صغيرة تقع على ضفة بحر القلزم، وهي مرسى للمراكب القادمة من عدن إلى الصعيد، وتقابل مكة المكرمة وجدة على ساحل البحر الأحمر من الجهة الغربية.

 

وعيذاب مدينة حسنة، ومجمع للتجار برًا وبحرًا، وأهلها يتعاملون بالدراهم، ولا يعرفون الوزن، وقد اختلف في عيذاب، فبعضهم يعدّها تابعة لمصر، وبعضهم يجعلها من بلاد البجة، وبعضهم يجعلها من بلاد الحبشة .

 

وعيذاب مدينة غير مسورة، وكانت من أعظم مراسي الدُّنيا بسبب أَنَّ مراكز الهند واليمن تحط فيها، وتقلع منها مراكب الحجاج الصادرة والواردة.

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية   

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز