السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

الجـــــــــدار

رسم: سوزى شكرى
رسم: سوزى شكرى

غرفة خاوية إلا من الجدران.. أشعة الشمس تتسلل عبر ثنايا (الشيش) المَطلى باللون الأخضر الزاهى.. مكنتنى من رؤية ملامح الغرفة بالكاد.. وبعض الْلُوَح المتناثرة على جدران الغرفة.. تبدو متربة ومُعلقة دون عناية.. والأرض تحمل بعض الأوراق المكسوّة بالتراب.. وأعداد مجلات قديمة.. مَرّ على إصدارها عقدٌ من الزمان تقريبًا..  وباب خشبى مغلق، ربما فتْحُه يعنى النهاية. 

نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021
نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021

 

أكتب إليكم وأنا فى ساعاتى الأخيرة، أنتظر موعد الإعدام بالنسبة لى، أو بالتعبير الأدق: الهدم، فأنا جدارٌ فى أحد العقارات الكبيرة، بنيت لأكون سَندًا فى تأسيس ذلك العقار، وكنت على العهد، التزمت بما وكّل إلىَّ، لم أكلّ ولم أعترض، وتحمّلت الكثير من المصاعب لألتزم بمهمتى، فكثير من الناس أغرقونى بالطلاء، وآخرون قاموا بالرسم والكشط على جسدى.. فلم أبالِِ، وآخرون قاموا بدق المسامير اللعينة فى ثنايا جسدى الذي طالما تضرّر من الآلام التي سببتها، والتي استخدمت لتعليق الصور والساعات وغيرها.. وكنت خير سَند، فحملت صور الصغار والكبار.. الأحياء والأموات، كذلك حملت أجندة الزمن الثقيلة، ولم أعترض.

ولكن جاء الموعد الذي لم أنتظره.. موعد الهدم، فقد قرروا أن أُهدم لتوسيع المساحة، كنت أستمع إليهم فى تلك اللحظات وهم لا يدرون بذلك، وشعرت بالحزن يملؤنى، الحزن منهم، والحزن لفراقهم.

وما بين الحنين إلى المكان وشخوصه.. كان التساؤل حائرًا عن الطرَف الأكثر تأثيرًا.. ربما أصابنى التغيير.. ولم يعد وجودى فى المكان يكفى لاستحضار اللحظة.. ولا يُجدى نفعًا مقابلة نفس الشخوص!.

سأخبر أصدقائى هنا فى الغرفة بأن يحفظوا الذكرى بينهم.. ولن أحتاج للتدوين بالنقش والكتابة.. ستعيش تلك الليالى بداخلنا.. ولن نحتاج أن نعيد سماعها مَرّة أخرى.. هنا ستبقى الأيام حاضرة.. بشرط ألا ننساها.. ونتذكرها بصدق.

"اتفضل يا أسطى" نطقها أحدُهم وهو يفتح باب الغرفة ليدخل ومن خلفه رجل مفتول العضلات يحمل فى يده "مرَزبة".. تذكرت فى تلك اللحظة الجدران الشهيدة التي تُهدم يوميًا بالقذائف والصواريخ فى بلادنا العربية أثناء الحروب، وتساءلت فى قرارة نفسى: هل سأموت شهيدًا مثلهم أمْ لا؟!.

تم نسخ الرابط