الأربعاء 24 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

يعتبر إتيكيت لغة الجسد من أهم العلامات المدنية الحديثة في فن الدبلوماسية وعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، ويعتبر فن لغة الجسد من أهم المواد التي تدرس بصورة أكاديمية في المدرسة الفرنسية الدبلوماسية منذ نهاية القرن السادس عشر، كونه يعكس شخصية الإنسان في المجتمع، وكلما كانت لغة الجسد مثالية، دل ذلك على رقي أخلاق الشخص وتربيته ومستوى تعليمه.

ويعتبر إتيكيت لغة الجسد في السلك الدبلوماسي، أحد أهم مرتكزات الدبلوماسي الناجح، من حيث رقي معلوماته وحنكته وشخصيته، خاصة في المحافل الدولية، وأثناء حضور المناسبات الوطنية.

بدأت المدارس الدبلوماسية تستخدم لغة الجسد كوسيلة مستقلة لتوصيل الفكرة أو بعض أجزائها، ولجذب انتباه المقابل لما سيطرح، وكان الممثل الشهير (شارلي شابلن) أفضل برهان على استخدام لغة الجسد، وإيصال الفكرة والموضوع من دون كلام.

وتشمل لغة الجسد حركات الجسم وأعضائه، ليعبر عن الحزن والتجهُّم والتبسُّم، وكل الانفعالات، خاصة تعبيرات الوجه، لأنه يعتبر الاتصال الصامت وعمقه عند الآخرين.

ويعتقد بَعضُنَا أو أغلبنا بشكل خاطئ أن الكلمات والجمل تمثل الجزء الأكبر والأساسي من طرق تواصل الأفراد فيما بينهم.

وأثبتت الأبحاث والدراسات أن الكلمات والجمل تمثل 65% من التواصل أثناء المقابلات الشخصية، بينما يذهب الجزء الآخر إلى حركاتنا وإيماءاتنا التي تترجم في عقول المتلقي، ولذلك فإن الكثير من المدارس الغربية، خاصة البريطانية، أدخلت مادة البروتوكول والإتيكيت ومنها لغة الجسد كمادة دراسية في البرنامج الابتدائي، لما لها من أهمية في فهم شخصية الناس، واعتمدتها المدارس والمعاهد الدبلوماسية شرطًا أساسيًا لقبول المرشحين للعمل بالسلك الدبلوماسي، كونها من أعمدة وأساسيات العمل في البعثات الخارجية.

والمدرسة الإسلامية والقرآن الكريم تحدَّث عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق، في الكثير من المواضع  والوجه من أهم أعضاء جسم الإنسان التي تُظهر الانفعالات النفسية والأحاسيس.. يظهر الفرح/ الحزن/ الهدوء/ الانفعال والعصبية، كما في قوله تعالى: "تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ" آية 24/ سورة المطففين، وقال تعالى: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ" 38، 39/ سورة عبس.

وفي المشي يفضل أن يكون بكل سلاسة وتأنٍ، مع قلة حركة اليدين، ليعطي طابع الوقار والرزانة.. قال تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا" آية 63/ سورة الفرقان، حيث يحثنا البارئ– عز وجل- أن يكون مشي الإنسان سواء من الذكور أم الإناث بكل تأنٍ ووقار، ويسمى هذا النمط في المدارس الدبلوماسية (مشي الملوك).

وفي حركة تعابير الوجه ومعانيها نقرأ الآية الكريمة: "قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّا" آيةً 10/ مريم، هذه الآية الكريمة قمة في لغة الجسد ونظرياته، لما لها من دلائل كبيرة على المعنى، فحبس سيدنا زكريا لسانه وبقي ثلاث ليال يكلم الناس بعلم الإشارة، وتعابير الوجه، وهدوء في النفس وراحة وطمأنينة، لما أتاه الله سبحانه وتعالى من مكارم وفضل.

وفي حركة اليد ومعانيها نقرأ الآية الكريمة: "يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ" 19/ البقرة، وهي دلالة الخوف والحذر.

أما استخدام الإبهام أو السبابة، فنقرأ في الآية الكريمة: "أَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا" آية 29 / مريم.

وفي العين ومعانيها ودلالاتها قال تعالى: "وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ" آية 84/ سورة يوسف، لتعطي دلالة على شدة الحزن وفراق يوسف عن أبيه، و"ابيضت" أي فقد البصر، ومن الجانب الآخر نرى دمع العين له دلالة فرح كبير، وتمني بالخير، قال تعالى: "وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ.." آية 83/ سورة المائدة.

أما رسولنا الكريم صلى الله وعليه وسلم فقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ)، ولذلك معانٍ كثيرة من حسن النطق، والمعرفة بالأمور، وعدم التكلم بما ليس لك به علم، ولا تجعل لسانك يتكلم بأمور تجلب لك الندامة، والصمت هو أعلى مراحل الصبر والحكمة.

وفي الختام علينا جميعًا إتقان هذا الفن الراقي، لما له من انعكاس إيجابي على شخصيتنا، ويدفع إلى التميز في الأداء، كونه علامات للتحضر والمدنية المعاصرة.

 

دبلوماسي سابق 

كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا

تم نسخ الرابط