سانت كاترين.. من التجلي إلى جبل البنات
سانت كاترين.. واحدة من أجمل المناطق المصرية على الإطلاق، لما تمتع به من شهرة عالمية، بسبب وجود أحد أهم الأديرة الدينية بها، ولموقعها الجغرافي المميز، الذي يجذب إليها السائحين من أنحاء العالم كافة.
يقع دير سانت كاترين في محافظة جنوب سيناء، أسفل "جبل كاترين"، أعلى الجبال في مصر، ويدير هذا الدير رهبان من الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية.
ينسب الدير إلى "القديسة كاترين"، التي عاشت في القرن الرابع الميلادي، وكانت لها قدرة فائقة على إقناع الناس بدخول المسيحية، وحاولت السلطة– آنذاك- المعادية للدين المسيحي؛ إثناءها عن ذلك لكنها واصلت طريق الدعوة، فحكم عليها بالإعدام، لكن جثمانها اختفى بعد موتها، وظهر على جبل سيناء، في نفس المكان الذي بني عليه الدير، وقيل إن الملائكة هم من نقلوه هناك، لتصبح "كاترين" بعد موتها ذات مكانة سامية في الكنيسة المسيحية، التي وضعتها في منزلة القديسين، وأنشأت هذا الدير تخليدا لذكراها، وبني لها "دير القديسة" أسفل الجبل.
ويقال إن "القديسة كاترين" كانت بنت حاكم الإسكندرية، ثم اعتنقت المسيحية، وأراد أبوها أن يبعدها عن الدين الجديد، لكنها استمرت في إيمانها فما كان منه إلا أن أسرف في تعذيبها، واكتشف جثمانها بعد 500 عام من وفاتها، على قمة جبل سيناء.
آثار سانت كاترين
ولمنطقة كاترين قيمة أثرية مهمة، فهي تضم مجموعة من الآثار الدينية النادرة، فيحتوي "دير سانت كاترين" على كنيسة تاريخية تضم هدايا قيمة من ملوك وأمراء العالم على مر العصور، الذين زاروه في فترات تاريخية متتابعة، كما توجد به ثريات من الفضة، وبداخله يوجد "بئر موسى" وحوله شجرة تسمى– أيضًا– "شجرة موسى"، نسبة إلى نبي الله "موسى عليه السلام".
وتعد الكنيسة الكبرى هي أقدم الآثار المسيحية في مصر، ويرجع تأسيسها إلى عهد الإمبراطور "جستيان" في القرن السادس الميلادي، وهي مصممة على النظام المعماري "البازيليكا" الروماني، وكان وقت بنائها تحديدًا عام 527م، وتقع الكنيسة في الجزء الشمالي من الدير، وتعرف باسم "كنيسة التجلي" ويوجد بداخلها صفان من الأعمدة عددهم 12 عمودًا، بعدد شهور العام، كما يوجد في جوانبها أربعة هياكل يحمل كل منها اسم القديسين.
وفي صدر الكنيسة توجد خيمة مستديرة، سقفها مزين بالفسيفساء، كما توجد على حوائطها كتابات دينية، والفسيفساء الموجودة في سقف الكنيسة هي من أجمل الفسيفساء في العالم، المنظر الرئيسي فيها يمثل "السيد المسيح" في الوسط وعن يمينه "العذراء" وعن يساره "موسى"، بينما "بطرس" مستلقٍ عند قدميه، وعلى الجدران يوجدن رسمان أحدهما لموسى وهو يتلقى الألواح من فوق "جبل سيناء" والثاني لموسى وهو يركع أمام الشجرة.
وتحت القبة المزينة بالفسيفساء يوجد التابوت الموضوع به جثة "القديسة كاترين" داخل صندوقين من الفضة، في أحدهما "جمجمتها"، وفوق الصندوق تاج من الذهب المرصع بالأحجار الكريمة، ويحتوي الآخر على يدها اليسرى، وقد ملئت بالخواتم الذهبية والفصوص الثمينة.
وفي الجانب الآخر يوجد صندوقان من الفضة على كل منهما "القديسة كاترين" ويوجد بداخلهما الهدايا الثمينة التي أهديت للدير.
كما توجد بالكنيسة مجموعة من أجمل الأيقونات وأندرها، التي تصل إلى نحو 150 أيقونة، يعود عدد منها إلى العصر البيزنطي، كما يوجد بالمكان أيضا الكنيسة الصغيرة، التي توجد فوق "جبل موسى".
أما "كنيسة الموتى" فهي عبارة عن حجرة تحفظ فيها جماجم الرهبان، وبها 6 مقابر، كما يوجد بجوار الدير "مسجد الحاكم بأمر الله"، الذي بني في العصر الفاطمي، وبناه الوزير الفاطمي "أبو النصر شطاقين" عام 1106م، وهو مبني بالطوب اللبن والحجر الجرانيتي، وتوجد مخطوطة في الدير تؤكد بناء "المسجد " في العهد الفاطمي.
كما توجد بالدير مكتبة من أهم المكتبات الفكرية في العالم، وبها مجموعة من المخطوطات النادرة، وتقع جنوب "الكنيسة الكبيرة" وتضم كذلك عددًا من الوثائق والمخطوطات التاريخية والجغرافية والفلسفية، بالإضافة إلى 200 وثيقة وفرمان أعطاها الولاة الفاطميون للدير، كما يوجد بالدير أيضا معصرة لاستخراج الزيوت من شجر الزيتون، وحديقة واسعة.
ويحيط بالدير مجموعة من الجبال منها "جبل البنات" وهو جبل عظيم، ويقال إن بعض بنات البادية فررن من أهلهن للتخلص من الزواج بمن لم يحببن، ولجأن للجبل، وألقين بأنفسهن من فوقه، فسُمِّي لذلك "جبل البنات".
أما "جبل موسى" فهو أكثر الجبال شهرة في مصر، والذي يعلو سطح البحر بـ7363 قدمًا، وسمي "جبل موسى" نسبة لسيدنا موسى عليه السلام، لأنه ناجى ربه عليه أربعين يومًا، وتسلم فيه الألواح ليبلغ رسالة ربه إلى قومه.
فيما يبلغ ارتفاع جبل كاترين نحو 8563 قدمًا فوق سطح البحر، وسمي بذلك لأن الملائكة- كما ورد في كتب الرهبان- حملت جثمان "كاترين" من مكان استشهادها في الإسكندرية إلى قمة هذا الجبل.
وتبلغ مساحة "محمية" سانت كاترين" نحو 4300 كيلومتر، وتستغل هذه المساحة في الرحلات والسفاري والتمتع بالطبيعة، وركوب الخيل والجمال، كما تضم المحمية أنواعًا عديدة من النباتات الطبيعية النادرة، منها "الحبك والعجرم والبشيران والعتوم والطرفة والزعتر".
ويوجد بها مجموعة من الحيوانات البرية مثل الغزلان والثعالب والوعول والأرانب البرية والذئاب والقنفذ، ومجموعة من الزواحف، ومجموعة من أنواع الطيور مثل الصقور والنسور والقطا وغيرها.
كما تعد المحمية من أهم الأماكن التي يوجد بها نباتات طبية وأعشاب تستخدم في صناعة الأدوية، التي باتت تجذب العلماء في الفترة الأخيرة.



