التاريخ دوائر لا مربعات. التاريخ وقائع، وعبر، ودروس مستفادة من وقائع سابقة، بخبرات سابقة، لإعادة تقييم واقع، فى الطريق للمستقبل.
يصنع الزمن التاريخ، وتشكل الشعوب خلال الزمن وقائعه، وتكمل خطواتها على آثاره، وعلى أساس دروسه، ومن خلال عبره ومستخرجات أحداثه.
كثيرًا ما لا يعيد التاريخ نفسه.
أو قل إن كثيرًا ما تمنع الشعوب إعادة حلقة تالفة من حلقات التاريخ صونًا للمستقبل، انطلاقًا من خبرات كانت شديدة السوء فى الماضى.
التاريخ كالماء فى الذاكرة الجمعية، لا لون له ولا رائحة.
وأحيانًا، وبعد فترات من الزمن، تبقى خلاصات الوقائع، بينما قد تتلاشى بعض التفاصيل فى ذاكرة قطاعات كثيرة وكبيرة فى الشارع بحكم مرور الأزمات، وانقضاء الملمات.
لذلك فالدراما الوطنية سلاح تاريخى ضد الزمن وضد النسيان. دراما الوطن، هى التاريخ الملون، بالصوت والصورة.. حيث لا تختفى الصور.. وحيث لا يذهب الصوت أدراج الرياح.
ثلاثية الاختيار ملف مصور لجرائم أصحاب الذقون، ضد الوطن، توثيقًا بالكاميرا والميكروفون، مختومًا بخاتم الواقع والوقائع، بناسها وأشخاصها، وشياطينها وصفقات البيع.. وسوس النخر فى عظام البلد.
الاختيار، من ناحية أخرى، ملحمة مصورة بالصوت والصورة، ومختومة بخاتم الوطن، عن بطولات رجال، وقصص فداء، ودماء شهداء كانوا رجالًا من نور، رفعوا البلد، ووقفوا يصدون عنها سهامًا، أطلقها بعضهم مرة باسم الحرية، ومرة باسم الديمقراطية.. ومرة باسم الثورة.. والثوار.
سجل الاختيار 3 دفاتر من يوميات وطن، كان مسجى جريحًا، بينما هناك من يعمل على بيعه تارة، وشرائه تارة أخرى باسم التغيير.
الاختيار ليس عملًا دراميًا عالى المستوى، عالي الحرفية فحسب، ولا هو خليط بين الواقع وبين أنواع مختلفة من الفنون فحسب.
الاختيار تجربة غير مسبوقة، من ترياق أو هو فاكسين فنى شعبى يدفع فى شرايين الذهنية الجمعية ذكريات أيام سوداء، لعب فيها رجال الوطن ملحمة فريدة من ملاحم بطولات مستمرة.. دعمًا للذهنية الجمعية من آفة النسيان.
الاختيار شاهد إثبات.. ثقة.. فى محاولة اختطاف وطن، فى أحداث تصاعدت، وتنامت، وتعاظمت حتى وصل جاسوس إلى قصر الاتحادية.
(1)
يعمل التاريخ فى الذهن البشرى على شكل حلقات، مستديرة، تكمل بعضها البعض. حسب النظريات، يحدث بعد المدد والفترات، أن تتداخل بعض الحقائق، وتغيب بعضها، وتختلط بعض الذكريات، ليتحول التاريخ إلى تراث. التراث هو التاريخ كما رسمته العقلية الجمعية، وكثيرًا ما يحاول بعضهم التدخل فيه، بتزييف واقع سابقه، أو بإعادة تأويل حقائق ثابتة.. بالكذب والتدليس.
قطع الاختيار الطريق على وقائع الكذب، وادعاءات التدليس.
التراث هو الفهم الإنسانى للتاريخ. لذلك لا تتوقف محاولات الدس على التاريخ، ولا تتوقف محاولات لى أحداثه أحيانًا، أو التلاعب بواقعه أحيانًا أخرى.
على مر حلقات التاريخ الطويلة منذ ابتكر الإنسان الزمن، أدمن التاريخ سحق حلقات الشر، وهزيمة المشعوذين، وحاملى مباخر الدجل وتجار الدماء، وتجار الأوطان.
تهزم الشعوب بذهنيتها التاريخية تجار البلدان، وتضع «إكسلانسات» الإرهاب وأباطرة الدم فى «سجن الذاكرة وراء أسوار الحبس» بأحكام شعبية لا تسقط بالتقادم.
لذلك، ولأسباب أخرى يظل التاريخ عقدة تجار الوطن، وأزمة عرّابي الإرهاب، بعدما تفشل محاولاتهم فى رهن البلد، وإغلاق أبوابه على ناسه، وتسليم مفاتيحه لمن يدفع.
تظل المعركة مع تجار الشرور معركة أحداث. لذلك يدمن تجار الأوطان الكذب، يلوك تجار الشر كما اللبان روايات الماضى مزيفة، ويتطلعون لما هو آتٍ بالشائعات. يسترجعون السابق بالحكايات المفبركة.. والقصص الملفقة.. والأرقام المختلفة، والأحداث المُصَوّرة، بالافتئات على الإنجازات.. ومحاولة تضئيل القفزات.. وتشويه المحققات.
هنا تقطع الدراما الوطنية، أو التاريخ بالصوت والصورة، محاولات الدس.. وأوهام المظلومية.. وخداع أصحاب الثلاث ورقات.
تكفى ثلاثية الاختيار إشارة لتاريخ ملونٍ مرسومٍ بشدة الدقة على شاشة لبلدٍ كان على حافة الهاوية لولا ستر الله. حاول إخوان الإرهاب سرقة بلدٍ بكامله كما سجل الاختيار. حاولوا أخونة دولة، وأخونة مؤسسات، وأخونة الشارع.
سعى الإخوان بخداع الشارع إلى قتل المصريين فى الشوارع. استهدف الإخوان طرح الوطن أرضًا، بالوصول إلى الوضع الساخن، حيث يقف المواطن فى مواجهة دولته، باسم الحريات.
لعب الإخوان على وتر مظلوميتهم.. ومظلومية المواطن، ومظلومية التاريخ. لعبوا بالثوابت، وهدموا كل المعلقات.. فيما لم يتبق إلا القوات المسلحة شوكة فى الحلق.
فى تراث الشعوب القديمة، يتخفى الشيطان فى جسم ثعبانٍ أكبر.. يغير شكله، وألوان جلده، وصوت فحيحه.. وطريقته فى الكلام.
فى الأسطورة، يتلون الشيطان فى جسم الفيل إذا ذهب لإقناع الفيلة بأحقيته فى حكم الغابة، ويلعب دور أسد زائر فى وكر الأسود، ويتمثل فى شكل نوع نادر من الضفادع فى البرك قرب شواطئ الأنهار.
لعب الإخوان دور لواياثان الشيطان.. بينما وقف رجال على الجانب الآخر، مارسوا الحكمة بحسم، ولعبوا أدوار البطولة باقتدار.
غير المسبوق، فى الدراما المصرية، أن يظهر دور رئيس الدولة على الشاشة. هى ليست جرأة سبق بها الاختيار، بقدر ما كانت رسالة فى محلها، وتاريخًا كان لابد منه.
(2)
كان عبدالفتاح السيسي ميزانًا بالمللى لما يجرى على أرض الوطن. لعب ياسر جلال الدور باقتدار. نجح فى أن يصل للمشاهد بملامح كاملة لشخصية كانت موجودة فى أتون النار، تحملت عبء الخروج من الأزمة على ظهرها.. بثبات انفعالى فوق العادى، وثقة فى القدرة وفى الوطن ورجاله، وأبنائه.
يبقى الاختيار تذكرة.. وذكرى.. وذكريات. ما زالت الأحداث كثيرة، والوقائع أكثر وأكبر. ما زالت هناك من حيل لأهل الشر لم تكشف.. وما زالت لهم ألاعيب لم يُرفع عنها الغطاء.
تبقى أهمية الدراما الوطنية من نوع الاختيار، حيث التاريخ مصورًا، فى كشف أجواء الخديعة، وأشكال الفخاخ، وأنواع الشراك، وطرق شيطانية فى ضرب السموم تحت الجلد.. وفى الوريد.
أنزلت ثلاثية الاختيار، وقائع التاريخ من على أرفف المكتبات، مفرطة، موزعة، وضمتها فى منتج فنى، موثق، سهل، أقرب إلى الشارع من الشارع.
فى معارك التاريخ، كثيرًا ما يحاول أهل الشر استخدام الشارع عنصرًا من عناصر البلبلة والتثوير.. والهدم.
أعادت الدراما الوطنية، دراسة السجل الزمني لأهم وأخطر ما تعرضت له مصر من أحداث فى تاريخها الحديث.
كان الاختيار، تذكرة، لوقائع أثرت على مجرى الحضارة المصرية. كانت فترة حاول فيها بعضهم التلاعب بمجرى تاريخ أمة.
قدم الاختيار عرضًا توثيقيًا لدراسة ماض قريب، سوف تمتد آثاره إلى أبعد من زمنه.. ومن تاريخه.. ومن سنواته. يفرق الاختيار عن أنواع فنية أخرى. الاختيار دراسة درامية، خرجت عن حدود وقواعد العمل الدرامى بأشكاله المعتادة.
خلط الاختيار بين توثيق الفترة، ودراسة أبعادها.. على جميع المحاور، استنادًا على وثائق بالصوت والصورة. أضاف الاختيار بُعدًا آخر للتاريخ. دخلت أحداث العمل فى العمق النفسى، بتفسير سلوكيات الناس، وشكل الفورة فى المجتمع خلال الأحداث، ومدى خطورة اللعب بالمعتقد، ومدى نعومة التلاعب بعقول البسطاء، ومدى دموية أصحاب الذقون والجلابيب البيضاء، بعدما ارتدوا «بدلًا» ظهر أنهم لا يليقون فيها، ودخلوا قصورًا لم يكونوا أهلًا لها.
يساعد التاريخ على تعميق فهم سلوكيات الشارع، فى الطريق لتكوين بدائل لإعادة بناء المستقبل.
تجارب الماضى أداة أولى لبناء مستقبل واعد. تساهم ملمات الماضى بالتفصيل فى دعم هوية المجتمعات.. ودعم صون الأوطان.. هذا ما تطرحه الدراما الوطنية على مائدة الفنون.
(3)
بعد 30 يونيو دخلت مصر مرحلة جديدة، كانت التنمية، واستعادة المكانة على رأس قائمة الأهداف. سارت دولة 30 يونيو فى طريق استعادة مستحقة للمكان والمكانة بالتوازى.
رفع الحالة المعنوية للمصريين، وترسيخ روح الفخر الوطني كانا هدفين ضمن أهداف التنمية المستحقة.
رفع مستوى الوعى الجمعى كان معاملًا أهم من معاملات رفع الحالة المعنوية. تبدأ مراحل رفع الوعى، بتوجيه الذهنية الجمعية إلى مآثر رجال الوطن وتضحياتهم. تبدأ مراحل رفع الوعى الجمعى، من تنقية التاريخ من سرديات أهل الشر المزيفة، وحيل تجار الأوطان الألعوبانية.
هرب الشر من على الأرض، بينما بقى يبخ سمومه من خلال مواقع التواصل، وفضائيات الفتنة.
اختلق تجار الدم، قصصًا وخيالات، وابتدعوا أوهامًا وتخرصات. بعد دحر الإرهاب على الأرض، بواسطة قوات مسلحة قادرة، وشرطة يقظة، لف الإرهاب لشن حروب تحاول ضرب الوعى، وتستهدف العزيمة.
لذلك تلعب الدراما الوطنية، دور السلاح الأقوى فى معركة الوعى، ورفع روح الشارع المعنوية، ودعم روح الوطنية.. لوطن لن يسقط، لأن وراءه رجال لا يسقطون.
تلعب الدراما الوطنية أيضًا دور تبصير الشعوب ودعم حقها فى المعرفة. المعرفة أنواع، وأكثرها مصداقية تلك التي تعرض الوقائع، على حقيقتها، دون دعاية، ودون إبداء رأى.. ودون مواربة.
سرد الحقائق كما هى، ودعمها بصور وثائقية من الواقع هى أقصر وأفضل الطرق لتبصير الشارع بما جرى، وبما كان يحاك فى مبنى الإرشاد بالمقطم فى الداخل، وبما كان يحاك ويدبر بليل فى الخارج.
ضمن خطوط التنمية الشاملة، يجىء حق المواطن فى معرفة الحقيقة، حقًا أصيلًَا من حقوق الإنسان. حقوق الإنسان ليست انفلاتًا على فيس بوك، أو شائعات وقلة حياء على تويتر.
تبدأ حقوق الإنسان من حتمية معرفة تفاصيل ما كان يحاك للبلد من مؤامرات، استخدم فيها بعضهم مصطلح حقوق الإنسان نفسه.. كى يقتل الإنسان، ويحرق الإنسان ويهدم مؤسسات الإنسان.. ويخرب متاحف الإنسان.. كى يخطف الوطن الإخوان!
من مبادئ حقوق الإنسان، أن يعرف الشارع أن تنظيمات الإرهاب التي ادعت أنها تمارس المعارضة، وتسعى للتعاون مع الجميع، هى التي تلاعبت بالجميع.. وهى التي خدعت الجميع، وهى التي قامرت بالجميع.
وهى نفسها التنظيمات التي أدمنت المظلومية، وزيفت التاريخ، وحاولت تزييف الواقع، وعملت على هدم المستقبل، على أمل أن تصبح هى المستقبل، ولو حدث لكانت الكارثة.. ولوقعت الواقعة.
الاختيار تاريخ ملون بالصوت الصورة.. أظهر مفارقات جماعات الإرهاب، التي حملت رايات معلوبًا فيها، زاعمة دعم حق المواطن فى الحياة والحرية، بينما كانت هى التي تدفع المليارات استثمارًا فى جهل بعضهم، وعدم وعى آخرين.
وهى التي قتلت الأصوات.. وهى التي كممت الأفواه، وهى التي سعت لتدمير الوطن .. لإعادة بناء الوطن.. لولا رجال صدقوا الله ما عاهدوا، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. وما بدلوا تبديلًا.



