«النعاس» يكشف أسباب فوز روايته "خبز على طاولة الخال ميلاد" بجائزة البوكر
بعد ما أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية، عن فوز رواية "خبز على طاولة الخال ميلاد" عن دار رشم للنشر والتوزيع للكاتب محمد النعّاس بالدورة الخامسة عشرة من الجائزة لعام 2022.
قال الكاتب الليبي محمد النعاس: كنتُ في القاهرة، كان لي موعدٌ في أحد مقاهي الزمالك مع صحفيّ جزائريّ، تأخَّر صديقي ولم يصل إلّا قُبيل الإعلان عن القائمة القصيرة بدقائق. تحادثنا قليلًا والتحقت بنا مترجمة فرنسيّة تُقيم بالقاهرة فاستغرقنا في الحديث لتتداخل قصصنا وحكاياتنا، ولكن سرعان ما قطعتها مكالمةٌ هاتفيّة من صديقٍ مُقرّب يعلمني فيها ببلوغ رواية "خبز على طاولة الخال ميلاد" القائمةَ القصيرة، فشكرته، ودسستُ فرحتي في قلبي حياءً من جَليسيّ وأغلقت شبكة الإنترنت لعجزي عن الردّ على التهاني.
وكشف قائلا: ظللتُ معهما طيلة ساعتيْن ولم أشارك الناس الفرحة إلّا بعد عودتي إلى الفندق، فهناك فحسب سمحتُ لها بأن تتدفّق كمن يفتح الصنبور للماء الحبيس، وبدأت رحلة مشاركتها صحبة ناشري أوّل الأمر ومن ثمّ الأصدقاء والعائلة.
ووجه النعاس الشكر لكل أصدقائه قائلا: "أصدقائي من كل مكان، ومن كل مشربٍ ومن كل لسان، والذين اجتمعوا على حب الأدب والفن وعلى حب الحياة، شكراً جزيلاً لكم على التهاني التي لا أستحق منها شيئاً، فالتهاني تذهب إلى الوطن وحده وما أنا إلا أداة يستخدمها الوطن ليخبر العالم بوجوده.
وقال: إن الكاتب الحقيقي فوزه الوحيد يبقى دائماً أن يرى كتابه بين يديْه وأن يرى الناس يقرأون ذلك الكتاب، فوزه الأعظم أن يعيش كتابه، وآمل حقاً أن يعيش الخال وتعيش معه زينب، ليكونا منارة لمن هم بعدي، لليبيين أبناء بلد الطيوب، يستهدون بها في ظلام الخوف وعتمة الوحدة، وليعرفوا أنّ أحلامهم يمكن تحقيقها.
وأشار إلى أن مصير الكاتب الوحدة، هذا ما كنتُ أظنّه، ولكن اليوم كشفتم لي بأنّ ذلك ليس ضرورياً، وآمل حقاً، أن لا تأخذني العزّة وأنسى مآثر الكتابة عليْ، الشغف الذي همتُ به قبل عقد من هذا اليوم، والشغف الذي تخليتُ من أجله عن كل شيء، فقط لأمارسه.
ووجه الشكر للجميع قائلا: "أود شكركم جميعا على هذا الاحتفاء بالخال وبزينب وبالخبز، المكون الأساس للحضارة الإنسانية جمعاء. حب الخبز يجمعنا، وأشكر لجنة التحكيم الموقرة على هذه الثقة، وأشكر أحبائي الزملاء في القائمة القصيرة على الرفقة المذهلة. أنا على علم، بأنّكم أفضل منّي بكثير، فأنا لازلت طفلاً يتعلم الحبو".
كما وجه الشكر لأسرته قائلا: "أشكر زوجتي ريما، التي وقفت معي طيلة السنوات الماضية، أنتِ من علمتني أن أحب وأنت من تعلمينني أن أكتبأشكر أمي وأبي، لطفية مروان وحسين النعاس، وكما قلت في الإهداء، إنني آكل التراب الذي تمشيان عليه أكلا لما، وشكرا للصديق الوفي الصدّيق المنتصر، أخي ومصرفي الاحتياطي، شكرا للغالي الشاعر الليبي العظيم، سالم العالم عرّابي.
كما وجه الشكر لأصدقائه قائلا :"شكراً لشوقي العنيزي، الرجل المكتبة، المحرر العظيم والصديق الرائع، وشكراً لصالح الحماد، رمزي بن رحومة وكل من عمل على معي على الخبز، من داريْ مسكيلياني الإمارات والرشم، لولاكم.. لم تسمع كلمات الخال أحدا، شكراً لأصدقائي التافهين الرائعين الذين لا يأبهون بكوني كاتبا، شكرا لأخواتي، النساء العظيمات، شكراً للأدب وشكرا للخال ولزينب وبالطبع، شكرا للخبز، وشكراً جزيلاً للجميع، مضيفا: "ولمن أرسل رسالة أو أعلق تعليقا أو كتب منشوراً يحتفي به بالخال ميلاد هذا اليوم، أعدكم، سأردُ عليكم واحداً واحداً إن شاء الله".
وكشف شكري المبخوت، رئيس لجنة التحكيم، عن اسم الرواية الفائزة بالجائزة، خلال فعالية نظمت في أبوظبي، والتي حصل محمد النعّاس بموجبها على الجائزة النقدية البالغة قيمتها 50 ألف دولار أمريكي، وضمان تمويل ترجمة روايته إلى اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى فرصة الترويج لروايته على المستوى العالمي وتحقيق زيادة في مبيعاتها.
وقال شكري المبخوت، "لقد قامت الرواية المتوّجة على استعادة تجربة شخصيّة في ضرب من الاعترافات التي نظّم السرد المتقن المشوّق فوضى تفاصيلها ليقدّم نقداً دقيقاً عميقاً للتصوّرات السائدة عن الرجولة والأنوثة وتقسيم العمل بين الرجل والمرأة وتأثيرهما النفسي والاجتماعيّ. إنّها رواية تقع في صلب التساؤلات الثقافيّة الكونيّة حول قضايا الجندر لكنّها منغرسة، في آن واحد، في بيئتها المحلّيّة والعربيّة بعيداً عن التناول الإيديولوجيّ المسيء لنسبيّة الرواية وحواريّتها".
وبدوره، قال ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية: "تسرد رواية خبز على طاولة الخال ميلاد قصة حياة شخصيتها الرئيسة، ميلاد، في علاقاتها التي تتقاطع، بتوتّر جندري، مع محيطها الاجتماعي بكل توقّعاته المتوارثة في المجتمع الليبي في النصف الثاني من القرن العشرين. يطل علينا ميلاد من ثنايا السرد، متقمّصًا دور الراوي العليم؛ ليدخلنا في عوالمه الباطنة التي يتخمر فيها الخبز، نابضًا بحياة تجعل منه شخصية رئيسة، في النص الروائي، إلى جانب ميلاد. ومما يميز هذا النص الروائي الماتع الجرأة في السرد، والاقتصاد فيه، والانفتاح على مسارات من القص لا توصد الأبواب، وتدفّق اللغة التي تنساب الفصحى في عروقها بألق لا مبالغة فيه؛ للتعبير عن خبايا الروح والجسد بلا تكلّف أو ابتذال.
وتعلن خبز على طاولة الخال ميلاد عن ميلاد روائي عربي واعد، لينضم إلى كوكبة الكتاب الشبّان الذين قدّمتهم "البوكر العربية" إلى القارئ العربي، في وطنه الكبير من المحيط إلى الخليج، وفي مهاجر هذا القارئ في شتّى أصقاع المعمورة".
كما أن رواية "خبز على طاولة الخال ميلاد" هى رواية فريدة من نوعها، وتقع أحداثها في ليبيا، في مجتمع القرية المنغلق، يبحث ميلاد عن تعريف الرجولة المثالي حسبما يراها مجتمعه، يفشل طوال مسار حياته في أن يكون رجلاً بعد محاولات عديدة، فيقرر أن يكون نفسه وأن ينسى هذا التعريف بعد أن يتعرف على حبيبته وزوجته المستقبلية زينب، يعيش أيامه داخل البيت يضطلع بأدوار خصّ المجتمع المرأة بها، فيما تعمل حبيبته على إعالة البيت. يظل ميلاد مُغَيَّبا عن حقيقة سخرية مجتمعه منه حتى يُفشي له ابن عمه ما يحدث حوله. تعيد هذه الرواية مساءلة التصورات الجاهزة لمفهوم "الجندر" وتنتصر للفرد في وجه الأفكار الجماعية القاتلة.
ويذكر أن الكاتب محمد النعّاس قاص وكاتب صحفي ليبي من مواليد عام 1991. حصل على بكالورويس الهندسة الكهربائية من جامعة طرابلس، عام 2014، وصدر له "دم أزرق" (مجموعة قصصية) في عام 2020. "خبز على طاولة الخال ميلاد" (2021) هي روايته الأولى وكتبها في ستة أشهر أثناء فترة الحجر الصحي، عندما كان مقيماً في مدينة طرابلس الليبية، تحت القصف وأخبار الموت عن المرض والحرب، وكانت كتابة الرواية "حصنه من الدخول إلى مرحلة الجنون" على حد تعبيره.
يعتبر النعّاس – وعمره 31 عامًا – ثاني أصغر كاتب فاز بالجائزة في تاريخها وأول كاتب ليبي. صدرت "خبز على طاولة الخال ميلاد" بدعم من مؤسسة آريتي الليبية.
اختيرت رواية "خبز على طاولة الخال ميلاد" من قبل لجنة التحكيم باعتبارها أفضل عمل روائي نُشر بين 1 يوليو 2020 و30 يونيو 2021، وجرى اختيارها من بين ست روايات في القائمة القصيرة لكتّاب من الإمارات "لأول مرة"، عُمان، ليبيا، الكويت، مصر، والمغرب، حيث كان الكتّاب الذين ترشحوا للقائمة القصيرة، طارق إمام، وبشرى خلفان، وريم الكمالي، وخالد النصرالله، ومحمد النعّاس، ومحسن الوكيلي. وتلقى المرشحون الستة جائزة تبلغ قيمتها عشرة آلاف دولار أميركي.



