السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

شاعر عراقي: الشعر روح اللغة المقدسة.. والذات المبدعة تتميز بالتشظي

بوابة روز اليوسف

أكد الشاعر والناقد الأدبي العراقي إبراهيم مصطفى الحمد أن الشعر حوار مع الذات ومع الآخر بكل أشكاله وتنويعاته الوجودية ؛ معتبرا أن الشعر "لعبة" وأن الشاعر طفل يجب أن يكون مقنعا ؛ وهو يلعب؛ وهنا يكمن سر نجاح النص وقدرته على الاختراق.

 

 

وقال الحمد - في حديث للقسم الثقافي لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم السبت – إن الشاعر هو المتلقي الأول لنصه، لكن عليه أن يبتكر شكل تلقيه أيضا، بحسب رولان بارت ، لأن الآخر المتلقي هو من يعيد إنتاج النص وتثوير مقولاته الباطنة في أعماقه، ويكتشف مكنوناته بذكاء قرائي ربما لا يمتلكه إلا القلة النادرة، لكنها موجودة حتما. 

و أضاف أن :" الكتابة على نحو عام والشعر على نحو خاص لعبة، حتى قيل أن الشاعر طفل يلعب لعبته الأثيرة، لكنه يقنعنا بتلك اللعبة، وهنا يكمن سر نجاح النص وقدرته على الاختراق، وأنا شاعر حسي، أترجم إحساساتي على الورق"؛ مؤكدا أن الذات الفردية هنا تنغمس بالذات الجمعية، عندها تكون الذات المبدعة ذاتا متشظية تحمل هموم الكون والإنسان والحقيقة والعدل والجمال وكل ما هو إنساني".

 

وأشار إلى أنه في كل ذلك تتمثل المرأة قدَرًا سويا لابد منه يتلبس الأشياء والأفكار والموجودات، لتظهر صبغته ملونة على الأسطح والممرات والأخيلة والجمل الشعرية، فاردةً أجنحتها على الكون والحياة"؛ لافتا إلى أن الوطن امرأة والمرأة وطن والذات لا تتبدى أو تتسرب إلى الوجود إلا عبر قناة أصيلة هي الأنثى بتجلياتها كافة.

ودخل الشاعر والناقد العراقي إبراهيم مصطفى الحمد، عالم الكتابة والأدب منذ نعومة أظافره ومازال مستمرا في تقديم عطاءاته الأدبية، فهو حاصل على شهادة الدكتوراه في المجال الأدبي، له العديد من الإصدارات الأدبية والشعرية والنقدية.

وصدرت للشاعر العراقي ١٢ مجموعة شعرية مطبوعة واثنتان تحت الطبع مع صدور الجزء الأول من (الأعمال الشعرية) عن دار فضاءات مؤخرا، ولديه ٢٥ مجموعة شعرية مشتركة مع شعراء عراقيين وعرب، أما في النقد فلديه كتابان نقديان في نقد الشعر والرواية وآخر تحت الطبع الآن فضلا عن ١٢ كتابا نقديا مشتركا.

واعتبر الشاعر والناقد الأدبي العراقي إبراهيم مصطفى الحمد أنه ليس من حقه أن يقيم شعره ، فقد كُتبت عنه دراسات نقدية ومقاربات وأجريت عنه أكثر من ١٣ دراسة أكاديمية. 

و تابع قائلا:" لست أحسن الحديث عن شعري، لكني أشعر بالاطمئنان إلى ما كتبته؛ كونه يمثلني ويحمل توجهاتي وقلقي وما أؤمن به فشعري هو صورة لي ولحياتي وما حولي من أشياء وأحداث وأنا حسي بطبعي، ولست تجريديا إلا بقدر ما يتعلق الأمر بقضايا الفن التي تتغلغل رغما عني". 

وحول إذا ما كان الشعر العربي سيظل ديوانا للعرب دون منازع له في هذه الصفة أو منافس له في مكانته ؛ قال الشاعر العراقي إن عمر بن الخطاب حينما قال (لا تدع العرب الشعر حتى تدعَ الإبل الحنين) لم يقله اعتباطا، فعلى الرغم من القول الشائع اليوم إن الرواية أصبحت هي ديوان العرب، فلن تخفت جذوة الشعر عند الإنسان لاسيما العربي".

وأضاف:" الشعر روح مقدسة في اللغة تبعث الحي من الميت وتنفث السحر في الحروف لتجعل منها جواهر ثمينة، لذلك لا أعتقد أن أي فن آخر باستطاعته سحب البساط من تحت قدمي الشعر لدى العربي، فالعرب أمة تحكمها العاطفة والشعر ميدان العاطفة الأرحب".

وفيما يتعلق بالأساليب النثرية والشعرية العربية قديماً وحديثا ؛ قال الحمد إن الأساليب الشعرية العربية القديمة تكاد تكون كلها متشابهة إلى حد ما، كون الوضوح هو السمة الغالبة عليها، إذا ما استثنينا شعر أبي تمام وبعض شعر أبي العلاء المعري، أما شعر الحداثة وما بعدها فالغموض هو السمة الغالبة فيه بأشكاله كافة، العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر التي تعكزت كثيرا على الشعر الغربي المترجم عدا بعض النماذج الأصيلة لشعراء مثل محمد الماغوط وأدونيس وأنسي الحاج ويوسف الخال.

وأوضح أنه من النواحي الفنية فهناك لكل شاعر أسلوبه الذي يميزه عن غيره حتما، فالأسلوب كما وصفه أحد النقاد هو مبدأ الاختيار ضمن إمكانيات اللغة، والشعر الحديث هو شعر رؤية يعتمد التجربة الشعرية والقصيدة الآن تحولت إلى جسد نصي لا يمكن فصل جزء منه عن الأجزاء الأخرى بعكس القصيدة العربية القديمة التي تعتمد البيت الشعري أو المقطع من القصيدة في بعض النماذج الشعرية.

وعن الفارق بين المجموعة الشعرية والديوان الشعري وكتاب الشعر ؛ ذكر الشاعر العراقي أن المجموعة الشعرية هي مجموعة نصوص شعرية تمثل تجربة خاصة، وتنتظم بخيط رابط يقدمها الشاعر بوصفها تمثل تجربته خلال مرحلة معينة.

وأشار إلى أن الديوان يمثل مجموع ما يكتبه أو كتبه الشاعر في حياته، وتدعى أحيانا بالأعمال الكاملة إذا كان الشاعر متوفى أو الأعمال الشعرية، وتقسم على أجزاء إذا أراد طبعها في حياته على مراحل والديوان بطبيعة الحال يجمع تحت طياته عددا من المجموعات الشعرية والتجارب التي تمثل مراحل مختلفة من حياة الشاعر وتحولاته الشعرية.

ورأى أن الكتاب الشعري يطلق على كل كتاب يكون محتواه شعريا بحتا، وربما يكون لشاعر معين أو يكون كتابا مشتركا يتضمن نصوصا لشعراء مختلفين، وربما يستكتب الشعراء عن قضية قومية أو وطنية أو إنسانية، وبذلك ستكون النصوص موحدة في موضوعها ومختلفة في أساليبها.

وحول الشيء الذي يغير من كيميائه ويمسك بيده دافعا إياه للكتابة ؛ استشهد الشاعر والناقد الأدبي العراقي إبراهيم مصطفى الحمد بفاليري الذي قال إن البيت الأول من الله وباقي القصيدة مني، وهذا يعني أن القدحة الأولى لأي نص إبداعي تأتي عفوية وفي لحظة تجلٍّ، يكون الشاعر في أثنائها في حالة بين الشعور واللاشعور كما يرى فرويد، فتنهمر الرؤى وتتراقص الحروف وتتداخل الأزمنة والأمكنة، وتتقافز الأحلام بما يشبه إصابة الشاعر بلوثة، لكنها أي لوثة، إنها تجعل كل شيءٍ ممكنا وأثيرا وقابلا للذوبان في النص وتنصهر جميع الأشياء لتكون جوهرا خالصا خاليا من الشوائب أو تتخلله الشوائب والزيادات، حينها يعود الشاعر إلى مادته الخام فيبدأ بتشذيبها وتغيير مواضع بعض الجمل والكلمات مكان البعض الآخر منها. إنها حالة احتفالية كرنفالية عظمى، ولكل أديب طقوسه الخاصة في التعامل من هكذا حالة.

وأردف بالقول :"أنا شخصيا أدخل في حالة لا أستطيع وصفها جيدا، حالة بين الصحو واللا صحو، ويتولد لدي إحساس بالحاجة إلى التفريغ إلى أن يكتمل النص أو الجزء الأهم منه، بعدها أحس بفرح غامر وشيء من الإرهاق والتعب اللذيذ". وردا على سؤال هل يستطيع المبدع الوقوف بعيدا عن الشخصيات المختلقة في أعماله دون أن تتأثر بشخصيته الحقيقية ؛ قال الحمد :"بالنسبة للشاعر فهو يكتب ذاته حتى وإن كتب عن حالة اجتماعية أسياسية، فهو يجسد رؤيته الشخصية الخالصة، ولا يمكن أن يكون الشاعر موضوعيا، فالموضوعية ليست من تخصصه أبداً ولا يمكن أن يكون الشاعر بريئا".

وقال :" أما القاص أو الروائي فمن واجبه أن يترك كل شخصية تتصرف على سجيتها، مع كونها شخصيات خيالية، ليحقق الإيهام بالواقعية، وهذا يتطلب منه معرفة واسعة بعلم النفس العام وعلم نفس الشخصية، حتى يستطيع أن يجعل من شخصياته مستقلة ويتخذ موقف الحياد منها، طبعا على المستوى الافتراضي".

ولفت إلى أن الروائي هو من يصنع تلك الشخصيات وهو من يضع على ألسنتها الكلام والموقف الذي يريد إيصاله، لكن مع كل هذا وذاك لابد أن يتسرب شيء منه إلى شخصياته في كل عمل من أعماله، لذلك فالروائي الذي يضع كل شيء من متعلقاته ومدركاته في رواية واحدة فهو روائي فاشل بالتأكيد، إذن عليه أن يترك جزءا منه يتسرب إلى كل عمل من أعماله.

وأوضح أن الروائي يتعمد في روايات ما بعد الحداثة أن يظهر بتوجيهاته وشروحاته القصيرة بين حين وآخر، يظهر فجأة ويختفي فجأة أيضا، وهذا يمكن سحبه على المسرحية أيضا فالمسرح الدرامي الأرسطي كان يستلب عقل المتفرج بينما يجعل المسرح الملحمي الحديث عقل المتفرج في يقظة تامة ويعي أنه أمام عمل مسرحي، وبذلك تخلص من أهم وظيفة للمسرح القديم وهي وظيفة التطهير.

وحول أبرز التحديات التي فرضها الكتاب الرقمي على المبدع كاتبا كان أم شاعرا ؛ قال الشاعر العراقي:"لو نظرنا إلى دور النشر الغربية لوجدنا أن أقل عدد لطبعة كتاب معين هو خمسة آلاف نسخة، بينما لا توجد دار نشر عربية تطبع نصف هذا العدد لكتاب وشعراء كبار، هذا قبل أن يظهر الكتاب الرقمي، أما الآن فقد دُقَّ آخر مسمار في نعش الكتاب الورقي العربي بعد عصر الرقمنة. وعن أهمية التكريم في حياة المبدع؛ قال الشاعر العراقي إنه من المفترض أن يكون التكريم حافزا على الإبداع، لأن المبدع حينها سيحصل على الشهرة والمال، ويضعه الفوز أمام مسؤولية كبرى.

واعتبر أن التكريم ، يمكن أن يحقق للمبدع بعض ما يطمح له من الناحية المادية والاعتبارية، فنجيب محفوظ الذي لا ينافسه روائي عربي بقدراته الهائلة كانت جائزة نوبل التي حصل عليها بجدارة نقطة تحول في حياته وسيرته الأدبية الحافلة بالإبداع والتميز.

 

 

تم نسخ الرابط