سؤال طرحه مؤتمر المناخ في دورته المنعقدة في شرم الشيخ، التي أصبحت أول مدينة خضراء في مصر، تستضيف قمة الأمم المتحدة Cop 27، بطابع مصري مميز 2022، ألا وهو دور أهل الثقافة والفنون في قضية المناخ، وكيف يمكن المساهمة فيها؟
حقيقة الأمر أن المكاسب السياسية والاقتصادية، وحضور مصر الواضح بقوة واستعادة أدوارها المحورية على الصعيد العربي والإقليمي والإفريقي والدولي يبدو واضحًا بجلاء. إلا أن التفكير في معالجات فنية وثقافية في موضوع المناخ، وقضاياه العادية، والتي هي مشترك ثقافي بين البشرية كلها يبدو سؤالًا يحتاج لتفكير عميق للإجابة عنه، سعيًا وراء بعض من الإجابات الجادة الممكنة.
وفي إطار السعي للإجابة، يجب أن نُدرك ونتأمل ذلك الانهيار الواضح بين ما هو ثقافي وفني وإبداعي، وبين ما هو اقتصادي وسياسي.
فقد سقط بشكل واضح ذلك الانفصال الشكلي القديم بين المفهوم الثقافي والاقتصادي، وبالتالي بين المفهوم الثقافي والسياسي. وبالتالي فهل يمكن اعتبار قضية المناخ قضية ثقافية يمكن التفاعل معها على هذا الأساس؟
الإجابة المباشرة، أنه يمكن التعاطي مع قضية المناخ على أنها نوع من السياسة الثقافية.
فنحن نتحدث عن سلامة الكوكب الذي نعيش فيه، وبالتالي فإن الدول المتضررة، التي لم تسهم في ذلك الارتفاع في درجات الحرارة ولا تغير المناخ ولا الاستخدام السيئ المبالغ فيه للطاقة التقليدية، تطالب حقًا بضرورة تنفيذ الاتفاقيات الدولية الواضحة، وقدمت مصر مساهمتها في دعم قدرات القارة الإفريقية على طرح مشروعات تنفيذية واضحة في هذا الشأن.
وكانت المطالبة الواضحة العادلة للرئيس السيسي للدول المتقدمة صناعيًا، التي أسهمت في صنع هذه الأزمة المناخية بدفع التعويضات المالية للدول المتضررة مطالبة منطقية وشجاعة، بل وتأتي الإشارة السياسية لإيقاف الحرب الروسية- الأوكرانية ذات صلة مباشرة بقضية المناخ، إذ من المتوقع اعتماد أوروبا في الشتاء القادم على مصادر الطاقة التقليدية الملوثة للبيئة، تعويضًا عن غياب الغاز الطبيعي الروسي الذي اعتمدت عليه لسنوات طويلة.
وقد نجحت مصر في هذه الدورة بالتعاون مع الأمم المتحدة على وضع الأمور في نصابها الواضح، وتحديد الفاعلين في الأزمة وطرح الحلول العملية الجادة للبدء الفعلي في قضية مكافحة التغير المناخي. مما يجعل القضية السياسية الاقتصادية قضية ثقافية إنسانية بالأساس.
نجحت هذه الدورة في الاتجاه نحو التنفيذ والتحرك العملي الجاد لتحول الصمت إلى عقلانية، والاسترسال إلى مشروعات واضحة ذات عائد وجدوى، والرغبة إلى أفكار متماسكة والرومانسية الرمزية إلى علم وتقنية. مما يؤدي إلى صعوبة التعاطي الفعال مع قضية المناخ من زاوية ثقافية.
ولكن وبحذر شديد، دعنا ننظر لقضية المناخ على أنها ومن زاوية ثقافية هي تحدي الطبيعة التي تعلن إنذارها الواضح لسياسات الرأسمالية وما بعدها. وهو تحدٍ متطرف حاد جدًا لقيم البحث عن المكاسب المالية دون حسابات أخرى.
مما يجعل النظر لقضية التزام الدول والحكومات والمنظمات الدولية كمعيار ثقافي جديد يتم عبره النظر إلى ترتيبها في سلم الاحترام الدولي، وفقًا لمعيار الالتزام تجاه المناخ كقضية عالمية، والنظر لها من زاوية ثقافية نسبية جديدة، ألا وهي النسبية الحضارية في الالتزام بسلامة المناخ.
مما يضع هذه النسبية الحضارية الجديدة في مواجهة المصالح القوية للنظام ما بعد الرأسمالي المعاصر.
إننا إذن ننظر للأمر بعيدًا عن الهويات الثقافية الإنسانية المتعددة، وأنظمة الحكم المتنوعة، وتنوع القدرات الاقتصادية والسياسية، إذا ما نظرنا لقضية المناخ نظرة ثقافية تفهمها على أنها المشترك الإنساني الذي لا يمكن الخلاف عليه، لأننا لا نقدر أن نتحدى الطبيعة لأن هذا التحدي يمثل المسار الحتمي لدمار عالمنا المشترك.
وبالتالي فربما النظرة الثقافية لقضية المناخ توحد النظرة لمفهوم السوق مع مفهوم الالتزام الأخلاقي، وهي معادلة نادرة تقترب من المستحيل.
وهي في ذلك قضية باتت تخرج عن المركز الغربي التقليدي للعالم المعاصر، وعن المراكز الأخرى التقليدية لتمنح الأطراف من جميع أنحاء العالم فرصة للحضور ولطرح القضايا المهمة ذات المرجعية الثقافية.
وفي هذا الإطار يصبح السؤال المقترح هو: هل التفكير في إبداعات فنية مسرحية وسينمائية وموسيقية وغير ذلك من فنون تعبيرية وفعاليات ثقافية لمناقشة موضوع المناخ هو تفكير نخبوي أم جماهيري الطابع؟ وسؤالي هو محاولة للإجابة عن دعوة الاقتصادي المصري د. محمود محيي الدين لضرورة حضور الفن في قضية المناخ.
وربما تأتي إشارة محيي الدين لكونه واحدًا من الاقتصاديين المصريين من خلفية ثقافية.
والإجابة في صورة واضحة هي إجابة ذات صلة بفنون ما بعد الحداثة المعاصرة، التي يمكن استحضارها في مناقشة قضية المناخ، ذلك أن انهيار الحواجز بين الأنظمة والتخصصات المختلفة أدي إلى انهيار الحاجز الذي كان يومًا ما قويًا ومنيعًا بين الفن الراقي والثقافة الجماهيرية.
وهكذا أصبح الحديث عن فنون النخبة حديثًا عن رومانسية مرفهة، لم يعد عالمنا المعاصر بكل قدراته على النشر والتوزيع اللامتناهي عبر الشبكة العنكبوتية، وقدرات التكنولوجيا الأثيرية يمكنه النظر إليها بجدية.
وبالتالي فإن هذه الفنون المنتظرة في تناول قضايا المناخ هي فنون جماهيرية بالضرورة، لأن المستهدف هو جعل هذه القضايا المناخية موضع اهتمام الجماهير الغفيرة في كل أنحاء الدنيا.
وهي فنون يجب النظر إليها بجدية تتجاوز الفنون الوثائقية نحو الفنون التعبيرية لشرح القضية للبسطاء ولجميع الفئات على تعددها على الصعيد المحلي الوطني وعلى الصعيد العربي والإفريقي والدولي.
وفي هذا الأمر، ربما يمكن للمؤسسات الثقافية الرسمية المصرية ومؤسسات المجتمع المدني السعي نحو التنسيق مع اليونسكو وهى المنظمة العالمية التابعة للأمم المتحدة العاملة في مجالات الثقافة والتعليم للتنسيق نحو طرح رؤى فنية إبداعية مبتكرة للأطفال والناشئة وللأفراد حول العالم لصنع رأي عام عالمي قادر على تحقيق الإنجاز الفعلي الملموس والجاد في القضية المصيرية، ألا وهى قضية المناخ، والتي نجحت مصر عبر تراثها الحضاري وبالنظرة المستقبلية وبمقدرة واضحة للإدارة السياسية المصرية، أن تجعل مصر رائدة وفاعلة وصاحبة دور محوري دولي مهم، في القضية التي تمثل مشتركًا ثقافيًا إنسانيًا واحدًا لا يمكن الهرب من التفاعل الجاد معه؛ لأن البشرية تعرف جيدًا ماذا يعني غضب الطبيعة.



