الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

ياسر رزق.. سنوات الخماسين فى حياة فارس الكلمة

الكاتب الصحفى الكبير
الكاتب الصحفى الكبير ياسر رزق

  فى 26 يناير 2022 رحل عن عالمنا الكاتب الصحفى الكبير، ياسر رزق، عن عمر يناهز الـ 57 عاماً، تاركاً تاريخاً صحفياً كبيراً، وذكريات وطنية ملهمة فى قلوب المصريين، من قراءه ومحبيه وزملاءه وتلاميذه الذين عاصروه عن قرب طوال مسيرته التي استمرت نحو 30 عاماً فى بلاط صاحبة الجلالة.

ياسر رزق، بدأ حياته المهنية فى مؤسسة أخبار اليوم، منذ أن كان طالبا فى السنة الأولى بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وبعد تخرجه فى عام 1986، احترف العمل الصحفى متنقلاً بين العديد من الأقسام بجريدة الأخبار، إلى أن استقر على العمل محرراً عسكرياً، ثم مندوبًا للصحيفة فى رئاسة الجمهورية حتى عام 2005، عندما تولى رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، ليحدث بها نقلة نوعية غير مسبوقة على كل المستويات، وهو ما انعكس فى شكل أرقام توزيع أبرزت مواهب إدارية متميزة بالإضافة إلى مواهبه الصحفية التي تفجرت منذ بداياته المهنية الأولى.

 

بعد 6 سنوات قضاها فى إدارة شؤون المجلة، عاد ياسر رزق إلى مؤسسة أخبار اليوم، كرئيساً لتحرير صحيفتها اليومية، وذلك في 18 يناير 2011، ثم انتقل رئيساً لتحرير صحيفة المصري اليوم، عقب تولى جماعة الإخوان الإرهابية مقاليد الحكم فى البلاد، وهى النى أصرت على إخراجه من بيته فى مؤسسة أخبار اليوم، كونه أحد أشد خصومها، وأحد المدافعين بشراسة عن مدنية الدولة المصرية، وهو ما ظهر بجلاء على صفحات جريدة المصري اليوم التي كانت طوال فترة حكم الإخوان أحد المنصات المناهضة بكل قوه عن مدنية الدولة المصرية، وضد محاولات أخونتها بكل عنف ووضوح، وخلال فترة توليه رئاسة تحرير المصري اليوم التي انتهت برحيل الجماعة، تنبأ ياسر رزق بقيام ثورة 30 يونيو المجيدة، وإنهاء فترة حكم الإخوان التي لم تستمر سوى عام واحد، شاهد خلالها المصريون كل ما حذر منه الكاتب الراحل ياسر رزق، من خطورة تلك الجماعة على مستقبل الدولة المصرية، بداية من الاستئثار بالسلطة، ونهاية بمحاولات تفكيك جميع المؤسسات وتحويلها إلى كيانات تابعة لمكتب الإرشاد، وغيرها من الممارسات الداعمة والمؤيدة للإرهاب، كأحد الأدوات التي تستغلها الجماعات الدينية فى السيطرة على الدول، وتحطيم عزيمة أفرادها، وصولاً إلى تفتيتها وتحويلها إلى كيانات متناحرة، بما يسهل فى النهاية نهب ثرواتها.

بعد قيام ثورة 30 يونيو، عاد الكاتب الصحفى ياسر رزق مرة أخرى إلى مؤسسة أخبار اليوم رئيسا لمجلس إدارتها، ورئيسا لتحرير جريدة الأخبار، وفى عام 2022 وقبل وفاته بأيام قليلة بعد رحلة علاج طويلة صدر له كتاب "سنوات الخماسين.. بين يناير الغضب ويونيو الخلاص"، الذي يتضمن رصدا دقيقا وموضوعيا لفترة تاريخية حاسمة من تاريخ مصر المعاصر، متناولاً بالسرد والتحليل والحياد الأحداث الحقيقية التي تفاعلت خلف الكواليس للفترة التي سبقت ورافقت ثورة 25 يناير 2011 وحتى ثورة 30 يونيو 2013.

 

وخلال الساعات القليلة الماضية، توافد رجال الصحافة وعدد من الشخصيات العامة، على منزل الكاتب الصحفي الراحل ياسر رزق، للمشاركة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، بالإضافة إلى عدد من أصدقاء الأسرة المقربين.

كما قامت الأسرة وعدد من أصدقاء وزملاء الكاتب الصحفي ياسر رزق، بزيارة مقبرته في طريق العين السخنة، لقراءة الفاتحة على روحه الطاهرة.

تقول الكاتبة الصحفية، أماني ضرغام، زوجة الكاتب الكبير ياسر رزق، إن حياة الراحل الكبير حافلة بالعديد من المحطات البارزة، مشيرة إلى أنه من مواليد الإسماعيلية، وجاء إلى القاهرة محملا بآلاف القصص الإنسانية والتاريخية عن منطقة القناة التي شهدت بطولات الشعب المصري وقواته المسلحة فى فترات ملتهبة من حياة مصر، تجسدت خلالها معانى مقاومة الاحتلال، والنضال المستمر لتحرير أرض مصر من العدوان الغاشم على مقدراتها إلى أن تحقق حلم عبور قناة السويس فى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، فكان ياسر رزق خلطة من الوطنية صاغها ببراعة على مدار تاريخة فى بلاط صاحبة الجلالة، فلم يهادن ولم يتوانى عن الدفاع عن كل ما آمن به من مبادئ وقيم وطنية مصرية أصيلة، جعلت منه واحداً من أفضل المحررين العسكريين فى تاريخ مصر.

 

وأشارت إلى أن والده الراحل فتحي رزق كان رئيسا لتحرير مجلة القناة، فتعل منه ياسر كيف كان يتعامل مع الأحداث، إلى أن تهجرت الأسرة في حرب 67 ضمن آخر الأسر التي تركت الإسماعيلية، والتي حرصت على التواجد مع الفدائيين رغبة فى تحرير تراب الوطن من العدوان الآثم، وهى مرحلة أثرت بشكل كبير وقوى على شخصية ياسر رزق، وكان دائماً ما يحكى عنها لأولاده، حيث كان وقتها طالباً فى الإعدادية ويقوم بإجراء الإسعافات الأولية للمصابين، ما دفع أسرته للتنبؤ بأنه سيكون طبيباً فيما بعد، لكنه فاجأ الجميع بالعكس تماماً بإنشاء مجلة صغيرة وهو فى المرحلة الثانوية، وكان أول صحفى أجراه فى حياته مع رئيس هيئة قناة السويس، وبعد ذلك صدم أسرته بدخول شعبة "الأدبى" رغبة في العمل بمهنة الصحافة.

وأضافت أنه كان متدرباً في صالة التحرير بأخبار اليوم منذ يومه الأول بكلية الإعلام، وذلك في عهد الكاتب الكبير وجيه أبو ذكري، الذي كان صديقا لوالد ياسر رزق، واستمر ياسر فى التدريب حتى أصبحت صالة التحرير بمثابة بيته الكبير، وعندما أصبح رئيسا لتحرير الأخبار كان حلمه وشغله الشاغل هو كيفية تطوير الصحيفة وإنشاء صالة تحرير متطورة على أعلى مستوى.

كان ياسر رزق، بارا بوالديه وأخواته.. متدين جداً، حريصا على أداء الحج والعمرة، واستقطاع جزء من وقته لقراءة القرآن الكريم يومياً، وكان له ورد خاص من سور قرآنية محببة إلى قلبه، دائما ما كان يواظب على سماعها، وكان حافظا لجزء كبير من القرآن الكريم، كما كان يحب سماع الشيخ محمد رفعت، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ويمتلك لهما مكتبة صوتية عظيمة، وكان أيضاً من المقربين للشيخ الشعراوي رحمه الله عليه، وهو الذي عقد قرانه على زوجته الكاتبة الصحفية أمانى ضرغام. كثيرا ما كان الراحل ياسر رزق يلتقى بالدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وصديقة الدكتور خالد الجندي.

وتسرد الكاتبة الصحفية أماني ضرغام قصة التعارف والزواج من الراحل ياسر رزق، قائلة: كنت أعمل في أخبار النجوم، ثم انتقلت إلى التحقيقات بجريدة الأخبار، وفى أحد الأيام كنتا على موعد لإجراء تحقيق صحفي، وكنت مصرة على الذهاب بسيارة المؤسسة، وكان ياسر رزق ذاهباً فى نفس التوقيت تقريباً لاستقبال الرئيس فى المطار بعد عودته من إحدى رحلات العمل الخارجية، وفوجئت بياسر رزق يقول لي: قدامك خمس دقائق لانتظارك بالسيارة، فقلت له أنت ياسر رزق.. فضحك، وبالفعل ركبت معه سيارة المؤسسة، ودار بيننا حديث طوال الطريق.

وأضافت أنها في صباح اليوم التالي فوجئت بوضع ما لذ وطاب من طعام على مكتبها، وعندما سألت عامل البوفيه عن ذلك، قال لها إن الأستاذ ياسر رزق "هيفطر عندك".. وهو ما حدث بالفعل، ولمدة 4 ساعات تحدثنا فى الكثير من الموضوعات.

بعد ذلك سافر إلى اليابان لتلقي دورة تدريبية لمدة شهر، وعندما عاد صارحني بأنه يرغب فى التقدم لخطبتي، والحقيقة كنت خائفة من تلك الخطوة، وقلت له "خلينا أصدقاء وزملاء" وكانت النتيجة أنه انقطع عن الحضور إلى مكتبى تماماً، وتعمد الاختفاء عن نظري لمدة شهرين، وكان ذلك بمثابة عقاب لي.

فى السياق ذاته وضمن محور كاتب ومشروع بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، خصصت ندوة عن تاريخ الراحل ياسر رزق، تم خلالها مناقشة كتابه "سنوات الخماسين"، بمشاركة نخبة متميزة من الكتاب والمفكرين والزملاء الصحفيين، وأسرة الراحل الكبير.. رحم الله الفقيد الراحل، وألهم ذويه ومحبيه الصبر والسلون.  

تم نسخ الرابط