بمناسبة احتفالات سيناء.. باحثة تعرض دور أبناء سيناء الوطني
بمناسبة الاحتفال بذكرى تحرير سيناء .. عرضت الباحثة الدكتورة سهام عز الدين جبريل زميل أكاديمية ناصر العسكرية ورئيس لجنة المحافظات بالمجلس القومى للمرأة بحثا عن دور أبناء سيناء الوطني باعتبارهم جزءا من النسيج الاجتماعي المصري .. حيث أكدت أن سيناء لعبت دورا هاما في تاريخ مصر فهى حصن مصر المنيع وطريق الغزوات .. منها ما جاءت من آسيا الى إفريقيا أو التي تحركت من مصر إلى فلسطين والشام، وتعمد المستعمر البريطانى ترسيخ فكرة عزل سيناء عن مصر بإجراءات إدارية ونقاط للجمارك والجوازات عبر قناة السويس ويسر حركة السكان شرقاً باتجاه فلسطين ، وكان محافظها إنجليزيا ، وأن هذا الوضع استمر حتى عام 1946، وبعد انتهاء الحكم البريطانى وضعت سيناء تحت الحكم العسكري ، ولم تنتبه الحكومات المتعاقبة لأهمية تنمية هذه المنطقه إلا بعد الانسحاب الإسرائيلي في عام 1982 وعودة السيادة المصرية.
وأشارت إلى أبناء سيناء وسنوات مظلمة من الاستهداف والاحتلال البغيض .. حيث عاشت سيناء أرضا وبشرا حقبات عديدة من العزلة والحرمان فكانت القوانين والظروف أقوى من إرادة أهل سيناء الذين فرضت عليهم عزلة إجبارية عن باقي محافظات مصر ، وكان ذلك بتخطيط استعماري متقن لدرجة أقنعت حكام مصر حتى وبعد زوال الاستعمار فأصبح هذا هو العادة والتقليد في مفهوم الحكومات المصرية المتعاقبة لإدارة سيناء والتعامل مع أهلها ، وكان هذا هو المخطط الاستعمارى الإنجليزي متمشيا بل ومنفذا للمخطط الصهيونى الاستيطاني الذي كان يعمل على عزل سيناء عن بقية الوطن الأم مصر حتى يسهل بعد ذلك احتلالها والسيطرة عليها في أي وقت.
كما أن أيديولوجية التشكيك في وطنية أبناء سيناء وولائهم كانت هدفا ومخططا لسياسة استعماريه متوارثة مع بداية القرن الـ19 .. حيث بدأ المخطط الصهيونى العالمى عندما جاءت لجنة هرتزل إلى سيناء لمعاينة المنطقة وعرض تأجيرها من الحكومة المصرية بحجة إنشاء مستعمرات لجمع شتات اليهود ، وقوبل هذا العرض برفض شديد من الحكومة المصرية .. كما أن بريطانيا نفسها كان لديها أطماع في سيناء هدفها إقامة منطقة عازلة بين مصر وفلسطين ليمنحها وضعا استراتيجيا قويا في شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر ، ويمكنها من إقامة قاعدة استراتيجية ..
كما يمكنها حفر قناة عند اللزوم تكون موازية لقناة السويس تصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر ، ويمكن أن تقيم فيها أكبر ميناء في المنطقة لإحباط أي محاولة مصرية ضد قناة السويس ، وظل هذ الفكر الاستعماري الذي يدير سيناء ويتعامل مع أبنائها فيشكك في وطنيتهم ومصريتهم .. حيث إن أحد محافظي سيناء من الإنجليز ( مستر جارفس عام 1939) صرح في إحدى المؤتمرات في لندن بأن سيناء آسيوية وأن سكانها من الآسيويين ، وظلت هذه الفكرة الخبيثة التي تروج بأن سكان سيناء ليسوا مصريين وأن أصولهم من قبائل الشام وجزيرة العرب وبقايا الحامية التركية ، وكان ذلك لخدمة أهداف استعمارية ولخلق الفجوة بين مواطني سيناء وباقى المواطنين فى محافظات مصر. . فقد منع المستعمرون في تلك الحقبة المواطنين من المحافظات المصرية دخول سيناء إلا بتصاريح تستخرج من الإدارة المدنية الانجليزية ، وكذلك دخول أبناء سيناء إلى مصر بتصريح ، وظل هذا الوضع حتى بعد انتهاء الإدارة البريطانية لسيناء عام 1946وتولى محافظ مصري لسيناء .. غير أنه استمرت سياسة العزلة لسيناء واستمر تطبيق نفس القوانين التي فرضها المستعمر للتعامل مع سيناء أرضا وبشرا ، وظلت سيناء وسكانها محرومون من العديد من الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها ، وخضعت سيناء كمحافظة لإدارة حرس الحدود وذلك نتيجة ظروف المنطقة وتصاعد الصراع العربي الإسرائيلي الذي كان له أقسى تأثير في سيناء كسنوات طويلة من العزلة ثم سنوات احتلال بغيض .
وأضافت أن التاريخ يشهد ويسجل الزمن وطنية أهل سيناء الصادقة لبلدهم مصر ، وأنهم كانوا منذ القدم بمثابة الخط الأول للدفاع عنها بدمائهم الذكية وأرواحهم الطاهرة ، وذلك بداية من غزو وطرد الهكسوس حتى الحروب الحديثة مع إسرائيل ، وإذا عرضنا بعض بطولاتهم المشرفة لوجدنا الكثير التي يحفظها المصريون عن ظهر قلب ، وقد تمثل ذلك فى العديد من المواقف والآحداث .. ففى مؤتمر الحسنة الذي عقد في مدينة الحسنة بوسط سيناء عام 1968 بحضور وكالات الأنباء وممثلي الصحافة العالمية بترتيب من إسرائيل عندما أرادت إيهام العالم الخارجى بأن أبناء سيناء يرفضون تبعتهم لمصر ، وإعلان ذلك على لسان مشايخ سيناء الذين سايروا إسرائيل على ذلك حتى تم عقد المؤتمر ففاجأوا الإسرائيليين أنفسهم برفضهم لمشروع تدويل سيناء وعزلها عن مصر .. مؤكدين بأن سيناء كانت وما تزال وستظل جزءا غاليا من أرض مصر .. مما أدى الى قيام السلطات الإسرائيلية بإجراءات قمعية عنيفة ضد السكان واعتقال120 من المشايخ والمواطنين والفدائيين المصريين من أبناء سيناء ، وترحيل العشرات منهم خارجها ، وهذا المؤتمر ما هو الا حلقة من حلقات عديدة تجلت خلالها بطولات أهل سيناء وما قدموا إلى بلدهم مصرمن تضحيات وبطولات ، وإلى أي مدى جسدت هذه التضحيات الانتماء الحقيقى لتراب الوطن.. فهناك إضراب أغسطس عام 1967والذي كان أول عمل منظم ضد الاحتلال.
تلاه القيام بعمليات فدائية ضد معسكرات وقوات الاحتلال بسيناء شملت مقر الحاكم العسكرى ومطار العريش والمستعمرات والمستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت بالعريش والشيخ زويد ورفح وجنوب سيناء .. حيث تم تنفيذ أكثر من 700 عملية فدائية ألحقت خسائر كبيرة بالعدو , وقدم أبناء سيناء أغلى وأعز مايملكون لوطنهم ، وبعيداً عن الشعارات والمزايدات الإعلامية ظهر الانتماء الحقيقى لأهل سيناء سواء في حرب الاستنزاف أو في نصر أكتوبر 73 وما قبلهما في نكسة 5 يونيو 1967.
كما شارك أبناء سيناء في حرب أكتوبر من وراء خطوط العدو .. حيث كانوا بمثابة الأقمار الصناعية وعيون مصر الساهرة على أرض سيناء المحتلة لرصد تحركات العدو من وإلى جبهة القتال ، وكونوا مجموعات لمتابعة خطوط سير العدو وإبلاغ المعلومات الى الجبهة المصرية أولا بأول ، ومن أهم هذه المعلومات : الإبلاغ عن تحرك طابور طويل من الدبابات وسط سيناء قادم من ميناء العريش وفي أقل من 5 دقائق قامت الطائرات المصرية بدك هذا العدد الهائل من دبابات العدو .. مما أذهلت المفاجأة القيادة الإسرائيلية ، وكان السؤال والبحث عن كيف عرف الجيش المصري بهذا التحرك لحظة خروجه من ميناء العريش .. حيث بدأت إسرائيل البحث عن ترددات أجهزة الإرسال التي تعمل في سيناء ، وبالفعل اكتشفت إسرائيل هذه الأجهزة ورصدت ترددات بثها وحددت أماكنها , ومن ثم ألقت القبض على 64 شخصا من أهالى سيناء ونقلتهم إلى تل أبيب ووضعوا في سجونها تحت أصعب وأقسى وأبشع صنوف التعذيب والإذلال والقهر وعاملتهم معاملة جواسيس لنقلهم معلومات عسكرية عن الجيش الإسرائيلي لمصر. في زمن الحرب ، وأصدرت المحاكم الإسرائيلية أحكاما لأكثر من 150 عاما على أبناء سيناء ، وبعد ذلك طلب الرئيس السادات من القيادة الإسرائيلية الإفراج عن هؤلاء الأبطال إيمانا واعترافا بقيمة وعظمة الدور الوطني المخلص الذي قدموه لوطنهم مصر ، واستقبلت مصر أولادها استقبال المنتصرين وأقاموا لهم الزينات ورفعوا الأعلام في أروع وأعظم استقبال يليق ببطولاتهم المشهودة وتضحياتهم النبيلة .
وقد استهدفت سيناء أرضا وبشرا ، ومعاناة أبناء سيناء خلال هذه الفترة كانت قاسية جدا ، وصمود أبناء سيناء وتحملهم ومقاومتهم سلطات الاحتلال بما يملكون من وطنية عالية وصمود وتحدى أمام عدو استخدم كافة الأساليب من الترهيب والترغيب لكسر عزة واباء أهالى سيناء ، ولم يفلح .. فمارس العدو أساليب نسف المنازل وترحيل الأهالي من منازلهم ومنع الأهالي من زراعة أراضيهم ومنعهم من الذهاب أو السكني على شاطئ البحر واعتقال رجال وشباب العائلات وتركهم سنوات في السجون لتشتيت الأسر وعدم لم شمل الأسر بهدف اجبارهم على الهجرة ، وممارسات القمع ودخول المنازل العشوائي وحظر التجول دون مبرر ومنع الطلبة من الذهاب إلى مدارسهم وارهاب المدرسين من أهالى سيناء ومراقبة مناهج التدريس ومنع دخول أي كتب بالمنهج المصري ومحاولة تطبيق دراسة اللغة العبرية فى المدارس وجلب مدرسين من مدن الضفة الغربية وخريجي معهد بيرزيت وبعض المعاهد للتدريس للتلاميذ والطلبة بهدف اختراق الثقافة المصرية وخلق نوع من الخلط بين ثقافة أهالي فلسطين وأبناء سيناء “ اللهجة والفلكلور والعادات...إلخ “.
وهكذا .. كافح وصمد أهل سيناء وحافظوا على الأرض والهوية والتراب الوطني .



