الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

رغم مرور 71 عامًا على ثورة يوليو: المستشار خفاجي: تظل تأكيدًا لمعاني الوطنية

المستشار خفاجي
المستشار خفاجي

تحتفل مصر كل عام بذكرى ثورة 23 يوليو 1952 المجيدة التي قام بها الضباط الأحرار في الجيش المصري وساندهم جموع الشعب، وهي من أهم الثورات التي قامت في القرن العشرين فى الوطن العربي لإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية وإنهاء الاحتلال البريطاني، وكانت ملهمة لدول قارات العالم خاصة إفريقيا واَسيا ونقطة تحول فى النظام العالمى، ورغم مرور 71 عاماً فإنها تظل بها العديد من الدروس والعبر التي تؤكد معاني الوطنية التي أرساها الجيش المصري العظيم وبث روحها في كل المؤسسات ونفوس الشعب فى جميع النواحي الاجتماعية والثقافية والسياسية من أجل مصر الوطن.  

ويثور التساؤل الأخطر من ذاكرة الأمة الوطنية قبيل قيام ثورة 23 يوليو بأربعة أشهر عن مدى جواز حل مجلس النواب في فترة تأجيل البرلمان؟ يقول المفكر والمؤرخ القضائي المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المصري في مؤلفه: "الغائب في التراث العظيم للأجداد الأوائل لنشأة مجلس الدولة في السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني وتدعيم مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 من الضباط الأحرار بالجيش المصري، وهي الدراسة التي حظيت بالاهتمام الوطني للدولة، أن مجلس الدولة أجاز حل مجلس النواب في فترة تأجيل البرلمان قبل ثورة 23 يوليو 1952 بأربعة أشهر كعمل تمهيدى عظيم لثورة الضباط الأحرار بالجيش المصري  وهى فتوى الرأى بمجلس الدولة أصدرها سليمان حافظ بك وكيل مجلس الدولة بركيزة من أن حق حل البرلمان مقرر في الدساتير الأجنبية، وهو وسيلة لتحكيم مجموع الناخبين في الخلافات الجسيمة بين السلطة التنفيذية وبين المجلس المنتخب وأن حق الحل ليس عدوانا على سلطة الأمة بل هو تأييد لها، وهو أنجع ضمان لتوطيد رقابتها على البرلمان خشية أن يسيئ استعمال سلطته.   

قال الدكتور محمد خفاجي، إنه من الفتاوى المهمة في تاريخ مجلس الدولة فى السنة السادسة لقسم الرأي على نحو يبين من كتاب المستشار العظيم سليمان بك حافظ، وکیل مجلس الدولة الموجه لحضرة صاحب العزة مستشار الدولة بقسم الرأی للإدارة الخاصة برئاسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبة، حسبما يبين من كتابه رقم 66/2/2- 188 المؤرخ 20 مارس سنة 1952 بشأن بيان مدى جواز حل مجلس النواب في فترة تأجيل البرلمان! يُذكر أن قسم الرأي مجتمعاً قد بحث هذا الموضوع فى العهد الملكى وقبل قيام الثورة بأربعة أشهر بجلسته المنعقدة فى 20 من مارس سنة 1952 فتبين أن المادة 38 من الدستور(وكان يسمى دستور مملكة مصر والسودان لسنة 1923) تنص على أن: "للملك حق حل مجلس النواب".

وتنص المادة ۳۹ على أن: للملك تأجيل انعقاد البرلمان، على أنه لا يجوز أن يزيد التأجيل على ميعاد شهر ولا أن يتكرر في دور الانعقاد الواحد دون موافقة المجلسين".

وأوضح الدكتور محمد خفاجي أنه واضح من هذين النصين أن حق التأجيل يختلف عن حق الحل في طبيعته ومداه، وأن كل من الإجراءين مستقل عن الآخر، ومن ثم فليس هناك ما يمنع من أن يستعمل الملك كليهما كلٍ في نطاقه بل إن الواقع أن التأجيل لا يمكن إلا أن يكون مقدمة للحل، وفي المرة التي استعمل فيها حق التأجيل في فرنسا تلاه الحل -  مايو سنة ۱۸۷۷ -) الفقيه هوريو، الوجيز في القانون الدستورى ص 458)، كما أن التأجيل في مصر قد تلاه الحل في المرات الثلاث السابقة التي استعمل فيها هذا الحق، وعلى ذلك فإن حل مجلس النواب في فترة التأجيل جائز دستورياً. أما عن النص في مرسوم الحل على تعيين موعد لانتخاب المجلس الجديد وموعد اجتماعه فإن المادة 89 من الدستور تنص على أن: "الأمر الصادر بحل مجلس النواب يجب أن يشتمل على دعوة المندوبين لإجراء انتخابات جديدة في ميعاد لا يتجاوز شهرين، وعلى تحديد ميعاد الاجتماع المجلس الجديد في العشرة الأيام التالية لتمام الانتخاب"، والنص على هذا الوجه تطبيق صحيح دقيق لحق الحل المقرر في الدساتير الأجنبية فالحل ليس إلا وسيلة لتحكيم مجموع الناخبين في الخلافات الجسيمة بين السلطة التنفيذية وبين المجلس المنتخب وهو عبارة عن دعوة للانتخاب العام (الفقيه لافريير: الوسيط في القانون الدستوری طبعة سنة 1947 ص ۸۰).

وأضاف الدكتور محمد خفاجي، أن جوهر الأمر أنه ليس حق الحل عدواناً على سلطة الأمة بل هو تأييد لها، وهو أنجع ضمان لتوطيد رقابتها على البرلمان خشية أن يسيئ استعمال سلطته (يراجع في ذلك : العلامة ديجی، الجزء الثاني ص 645) وأن الغرض من الحل إذن هو الرجوع إلى الأمة - وهي مصدر السلطات – فإذا أيدت ممثلة في الناخبين الوزارة بقيت في الحكم ونفذت سياستها مستندة إلى هذا التأييد أما إذا حفلتها الأمة وجب على الوزارة أن تستقيل ولا تملك حل مجلس النواب مرة أخرى للسبب ذاته المادة 88 من الدستور.

وأشار إلى أن الدستور المصري عام 1923، وهو يقيم حکماً نيابياً في البلاد قد تمشي مع فكرة الحل الصحيحة إلى نهايتها فاشترط أن يتضمن مرسوم الحل دعوة الناخبين إلى الانتخاب في ميعاد معين حتى لا تتعطل الحياة النيابية وحتى يتحقق الغرض من الحل وهو الاحتكام إلى الأمة. ونصت المادة 89 من الدستور نص آمر لا تجوز مخالفته فإذا لم يستوفِ مرسوم الحل الأوضاع التي قررها الدستور، وأهمها شموله لدعوة الناخبين إلى الانتخاب في ميعاد لا يتجاوز شهرين وتحديد ميعاد انعقاد المجلس الجديد في العشرة الأيام التالية کان مخالفا للدستور.

ولا عبرة بما خالف ذلك من سوابق في سنوات 1926 و۱۹۲۹ و۱۹۳۸ و1942 و1944 و1949، لأنها مخالفة لصريح نص الدستور والغرض الذي استهدفه فليس من شأنها أن تقيم عرفاً دستورياً يعتد به. لذلك انتهى رأى القسم إلى جواز حل مجلس النواب في فترة تأجيل البرلمان ووجوب شمول مرسوم الحل على دعوة الناخبين للانتخاب في ميعاد لا يجاوز شهرين من صدور المرسوم وتعيين ميعاد اجتماع المجلس الجديد في العشرة الأيام التالية لتمام الانتخاب.

واختتم الدكتور محمد خفاجي الرأى عندي أن هذه الفتوى يبين منها عظمة الثقافة القانونية العالية للرعيل الأول لقضاة مجلس الدولة فى الاطلاع على أحدث دراسات الفقه الفرنسي في حينه فقد استند الفذ سليمان حافظ على مؤلف الفقيه الفرنسى "لافريير" فى كتابه طبعة عام 1947، بينما كان يبحث الموضوع عام 1952 أي بعد خمس سنوات فقط على تأليف الكتاب الفرنسي دون أن يعرف الزمان في ذلك الوقت الإنترنت أو أى وسائل للتواصل الاجتماعي أو السوشيال ميديا ما يدل على أن مجلس الدولة منذ بدايات عهده كان يضاهي المستوى العلمي والفقهى والثقافى والقانونى لعلماء فرنسا، خاصة أنه أضاف إليه من الفكر المصري بعدم اعتبار السوابق المصرية فى سنوات 1926و۱۹۲۹ و۱۹۳۸ و1942 و1944 و1949 من قبيل العرف الدستوري؛ لأنه لا عرف دستوريا مع صراحة القاعدة الدستورية، فهو ينشأ عند خلو وثيقة الدستور من تنظيم المسألة، ولم يعتد بجميع تلك السوابق لأنها جاءت مخالفة لصريح نص الدستور والغرض الذي ابتغاه.

تم نسخ الرابط