معهد الدراسات الأمنية الإفريقي: استعادة النيجر المستقرة يتطلب نهجًا دبلوماسيًا
قال معهد الدراسات الأمنية، الذي يتخذ من جنوب إفريقيا مقرا له، إن من الضروري أن يتجنب أي عمل إقليمي محتمل في النيجر الدخول في المنافسات الجيوسياسية التي تزداد استقطابا لمنطقة الساحل وغرب أفريقيا وتعرض استقرارها للخطر.
وأشار إلى أن استعادة النيجر المستقرة والقابلة للحكم تتطلب نهجا دبلوماسيا يعيد النظام الدستوري من خلال الحوار مع المجلس الوطني لحماية الوطن في النيجر.
ويرى معهد الدراسات الأمنية أن الاستجابة العاجلة والصارمة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" بالتعامل مع أزمة النيجر تتماشى مع سياسة عدم التسامح المطلق إزاء التغييرات غير الدستورية لنظام الحكم.
وأشار إلى أنه بعد الانقلابات المزدوجة في مالي (2020 و2021) وفي بوركينا فاسو (في يناير وسبتمبر 2022) وكذلك انقلاب غينيا (2021)، تعد الإطاحة بالسلطة المنتخبة في النيجر؛ سادس انقلاب في منطقة غرب إفريقيا منذ عام 2020.
وأوضح دجيبي سو، كبير الباحثين بالمكتب الإقليمي لمركز الدراسات الأمنية لمنطقة غرب إفريقيا والساحل وحوض بحيرة تشاد، أن عدم القدرة على احتواء هذا الانقلاب الأخير يمكن أن يضر بشكل غير قابل للإصلاح بقدرة مجموعة "إيكواس" على فرض إطارها التنظيمي فيما يخص التغييرات غير الدستورية لنظام الحكم، ويهدد، في نهاية المطاف، الاستقرار السياسي للدول الأعضاء بالمجموعة.
وقال إنه على الرغم من أن السبب المُعلن من تنفيذ المجلس الوطني لحماية الوطن انقلابه هو "التدهور المستمر للوضع الأمني وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية"؛ فإن القضايا الأمنية في النيجر أُديرت بشكل أكثر فاعلية مقارنة بجيرانها في وسط منطقة الساحل.
ولفت الباحث بمعهد الدراسات الأمنية إلى أن المجلس الوطني لحماية الوطن في النيجر عزز موقعه داخل القوات المسلحة عبر إعادة تشكيل التسلسل القيادي لجيش النيجر، إلى جانب تقوية قاعدته الشعبية في المناطق الحضرية باستخدام الشعور المناوئ للفرنسيين والحشد ضد تلويح المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا باحتمال اللجوء إلى عمل عسكري ضد البلاد وفرض عقوبات اقتصادية عليها. وتزامن ذلك مع مناشدة مجلس الشيوخ النيجيري لرئيس البلاد بولا تينوبو ورؤساء الدول الأعضاء بمجموعة "إيكواس" بمضاعفة جهودهم من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة، الأمر الذي يحد من التكهنات المتعلقة بمدى انخراط نيجيريا في عملية عسكرية محتملة. كذلك أعربت الجزائر، وهي دولة ذات ثقل في الاتحاد الأفريقي وجارة متاخمة للنيجر، عن معارضتها لاستخدام القوة، معتبرة أن التدخل العسكري يشكل تهديدا مباشرا لها. كما أعربت تشاد، وهي جارة مهمة للنيجر، عن دعمها لحل دبلوماسي.
ويرى الباحث بمعهد الدراسات الأمنية أن الهدف من أي عمل إزاء النيجر يتعين أن يركز على استعادة النيجر المستقرة والقابلة للحكم والقادرة على مكافحة التطرف العنيف وغيره من أشكال انعدام الأمن. ووفقا له، فإن أي تدخل عسكري في النيجر ينطوي على مخاطر كبرى ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من الانقسام بين قوى الدفاع والأمن والتي لم تدعم جميعها الانقلاب في البداية. فقد جرى تجنب سيناريو الاشتباك بين الوحدات العسكرية بصعوبة في أعقاب مشاورات متعمقة أدت إلى إعلان 27 يوليو من جانب هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة التي أيدت استيلاء المجلس الوطني لحماية الوطن، على السلطة في النيجر. وأشار إلى أن قابلية النيجر للحكم بعد تدخل عسكري هي مسألة حاسمة يجب أخذها في الاعتبار بقدر التدخل ذاته؛ فالجيش يجب أن يكون خاضعا، من حيث المبدأ، إلى المؤسسات المدنية، بل إن علاقات الرئيس بازوم مع بعض العناصر بالجيش وكذلك قدرته على الحكم من شأنها أن تكون موضع تساؤل حال إعادته مرة أخرى سدة الحكم عبر تدخل خارجي. ففي النيجر، ومنطقة غرب أفريقيا على نطاق أوسع، هناك شعور متجذر بعمق لدى الرأي العام بأن القادة مدينين بالولاء للقوى الأجنبية. ويرى سو أن إجراء عملية تدخل سريعة في النيجر، كما حدث في السابق مع جامبيا، يعقبها انسحاب فوري سريع تبدو غير واقعية. وبافتراض أن العمل العسكري سيحقق أهدافه؛ فإن الوضع الراهن في النيجر يشير إلى أنه سيتعين على المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الاحتفاظ بقوات في النيجر لضمان أمن الرئيس بازوم وبقاء حكومته. ونبه إلى أن هذا التدخل لن يغذي فقط التصور بأن السلطات تحت وصاية خارجية، بل سيؤدي إلى تنامي العداء الشعبي لوجود القوات العسكرية الأجنبية على الأراضي النيجرية من الآن فصاعدا.
وأضاف أنه مع إمكانية وجود مقاومة مدنية تحظى بالدعم، فإن التداعيات الإنسانية لتدخل عسكري محتمل - بما في ذلك تدفقات اللاجئين والمهاجرين المزعزعة للاستقرار ـ يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
وتأتي أزمة النيجر في ظل تشكل أفق سياسي إقليمي جديد، فالمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" تشهد انقساما داخليا حيث تتحالف الحكومات الانتقالية فيما بينها كما هو الحال مع بوركينا فاسو وغينيا ومالي التي رفضت جميعها تدابير مجموعة "إيكواس" ضد النيجر وبوركينا فاسو ومالي بعد تحذيرهم في 31 يوليو الماضي من أن أي عمل مسلح سيعتبر إعلانا للحرب ضدهم. ولذلك فإن التدخل المتوقع لن يحظى بالتوافق الذي ربما ميز التدخلات السابقة لمجموعة "إيكواس" لا سيما في جامبيا، بحسب دجيبي سو، كبير الباحثين بالمكتب الإقليمي لمركز الدراسات الأمنية لمنطقة غرب أفريقيا والساحل وحوض بحيرة تشاد. ولفت إلى أن هذه الديناميكية السياسية الإقليمية المدعومة أيضا بتغير التحالفات الاستراتيجية لصالح روسيا، تأتي في سياق المنافسة المتجددة بين القوى الكبرى، مؤكدا أن من الضروري أن يتجنب أي عمل إقليمي الدخول في المنافسات الجيوسياسية التي تزداد استقطابا لمنطقة الساحل وغرب أفريقيا وتعرض استقرارها للخطر.
واختتم بأن استعادة النيجر المستقرة والقابلة للحكم تتطلب نهجا دبلوماسيا يعيد النظام الدستوري من خلال الحوار مع المجلس الوطني لحماية الوطن في النيجر.
ويبدو أن المعلومات التي لا تزال تتكشف حول الظروف المحيطة بانقلاب 26 يوليو تشير إلى أن الخصومات السياسية والمصالح الشخصية ساهمت في ذلك.
وعليه، يمكن أن يوفر هذا الأمر مجالا سياسيا للمناورة ونقاط دخول إضافية لإجراء حوار بناء وهادف من أجل ضمان انتقال دستوري.



