على مر التاريخ، تُثبت التحديات والمِحن، أن مصر القوية، هي السند لأمتها العربية، تحمي أمنها القومي وأبناءها، وتدعم بكل إخلاص وشرف ونزاهة أشقاءها.
تنامي قدرة الدولة المصرية، لمن يعي دروس التاريخ، سند الأشقاء، وحصن للأمن القومي العربي، فعلى صخرة الإرادة المصرية، تحطمت أطماع الغزاة، ومخططات تقسيم المنطقة، وهدم الدولة الوطنية.
بالأمس تفقد الرئيس عبد الفتاح السيسي، اصطفاف قوات الدعم والإنقاذ والإغاثة المتجهة إلى الشقيقة ليبيا، لدعم شعبها وحكومتها، في انتشال ضحايا إعصار دانيال الذي ضرب مدينة درنة الساحلية وبعض مدنها، مخلفًا آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين.
سبق هذا البيان العملي للدعم المصري السريع، رسائل بليغة ومواقف عملية، ففور وقوع الزلزال الأقوى في تاريخ دولة المغرب الشقيقة الذي ضرب ريف مراكش ومدنها، والإعصار الأعنف الذي ضرب مدينة درنة الليبية، بعث الرئيس عبد الفتاح السيسي باسم مصر وشعبها رسالة تعزية ودعم للأشقاء، معلنًا جاهزية مصر لتقديم يد العون في عمليات الإغاثة والإنقاذ.
وفي غضون ساعات من كارثة الإعصار، اجتمع الرئيس السيسي بقادة من القوات المسلحة المصرية، موجهًا بتقديم الدعم الكامل للأشقاء، ليصل على الفور وفد عسكري رفيع المستوى بقيادة الفريق أسامة عسكر رئيس أركان الجيش المصري إلى ليبيا ولقاء المُشير خليفة حفتر.
توجهت الطائرات إلى ليبيا حاملة أطقم ومواد ومعدات الإغاثة الطبية والغذائية، ووجه الرئيس بتجهيز حاملة الطائرات المصرية ميسترال لتكون مستشفى ميدانيًا، تخفيفًا على الأشقاء، وفي الوقت ذاته تجهيز مخيم لإيواء الضحايا ومن فقد المأوى.
هذا الدعم المصري القوي، والسريع لليبيا، والمغرب، سبقه دعم مصري لاستعادة ليبيا مؤسسات الدولة الوطنية، والتصدي للتدخلات الخارجية السلبية التي أعاقت بلوغ مرحلة التوافق الوطني، وقبل كل ذلك راعية رسمية ودائمة للحقوق الفلسطينية في إقامة دولة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
مخطئ من يضمر لمصر السوء، فهي على مر التاريخ حصن الأمة ودرعها وسندها، في مواجهة الأخطار والمحن، على صخرتها تحطمت أطماع الهكسوس والمغول والتتار وحملات الاستعمار الأوروبية، وأطماع الصهيونية، ومخططات هدم بنيان الدولة الوطنية.
بوعي شعبها حمى الله مصر من مخططات تفكيك الدولة الوطنية في العام 2011، وصد مؤامرة التدمير من الداخل بتغيير الهوية، وإذكاء الطائفية في العام المُظلم لحكم فصيل الإخوان، المُستخدَم من القوى المعادية لتفتيت مذهبي، هدمت مصر في ثورة 30 يونيو، مخططات الأعداء، موجهة إليهم صفعة على مؤخرة العنق.
استعادت دولة 30 يونيو، قوة المؤسسات الوطنية، وعززت قدرتها الشاملة، عبر إنجاز مستهدفات خطط تنموية شاملة، غيّرت خريطة مصر، إنشاء موانئ وربط عبر شبكة طرق ووسائل نقل حديث لكل أطراف الدولة، بما عزز قدرتها على توفير بنية أساسية مشجعة على التنمية والاستثمار، ومعززة لقدرة الدولة على مجابهة التحديات والأزمات.
وفي المحن رسائل، لمن يعي، ويلتقط المعنى، فقد شاهد الجميع بوسائل الإعلام أن التحدي الأكبر للأشقاء في المغرب، الذي عرقل سرعة عمليات الدعم والإنقاذ، يعودك إلى فقدان الطرق المؤدية للقرى المنكوبة، ولعل هذا يوقظ المتأثرين بالدعاية التضليلية التي يقوم بها متربصون بمصر.
فهناك من هؤلاء المتربصين بالوطن، من يضلل قطاعات من الرأي العام، بعدم جدوى البنية التحتية من طرق ووسائل نقل حديث، فشبكات الطرق تلك وتطوير ريف مصر، عبر حياة كريمة، وقبلها القضاء على العشوائيات والمناطق الخطرة، إنجاز كبير يحمي أبناء الشعب ويعزز قدرة الدولة على تحقيق التنمية الشاملة ومجابهة الكوارث والأزمات.
تنامي قدرة الدولة الوطنية المصرية سند للأشقاء ودعم وحماية للأبناء في كل بقاع الأرض، فمصر 30 يونيو استحدثت وزارة للمصريين بالخارج، وأعطتهم مقاعد بمجلسي النواب والشيوخ، وتمد لهم يد العون في المحن والأزمات.
فلم تمر ساعات على كارثة الإعصار الذي ضرب ليبيا حتى كانت جثث الشهداء المصريين، وصلت قراهم في صعيد وريف مصر، لتشيع إلى دار البقاء، مع حزمة دعم من وزارة الحكومة لأسرهم وأبنائهم. ونماذج انعكاسات تنامي قدرة الدولة المصرية، في هذا الشأن كثيرة بمشاهدات عملية، ففي حين ارتبكت دول عظمى فور انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي المفاجئ من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان، كانت مصر من أكفأ وأولى الدول التي نجحت في إجلاء رعاياها. وعندما ارتكب الإرهاب البغيض جريمة إعدام مصريين على ساحل ليبي، كان الرد المصري في غضون ساعات قصف معسكرات الإرهاب، بما يعكس القدرة على رصد الأهداف وتدميرها.
ويسجل التاريخ بأحرف من نور، تواصل نسج خيوط المحبة والأخوة بين شعب مصر والأشقاء العرب عامة وفي دول الجوار خاصة، فما بين مصر وليبيا والسودان ليس رابطة جوار جغرافي فقط، بل روابط دماء وأخوة وتاريخ من النضال المُشترك ومجابهة التحديات.
فكانت مصر الداعم الرئيسي للمقاومة الليبية ضد الاحتلال الإيطالي بزعامة الشهيد عمر المختار، وكانت ليبيا داعمة لمصر في مواجهة الاحتلال الصهيوني، فاستوردت ليبيا لصالح مصر مضخات المياه التي استخدمت في فتح ممرات بخط برليف في حرب أكتوبر 1973.
واليوم تدعم مصر استعادة الدولة الوطنية ومؤسساتها في ليبيا، والسودان، تدعم المصالحات الوطنية وترفض التدخلات الخارجية في شؤون الدول الشقيقة، وما شهدته ليبيا من دعم ومخرجات مؤتمر دول جوار السودان ليس ببعيد عن الذاكرة.
فالدولة التي تنهكها الصراعات، وتتصدع مؤسساتها، تضعف قدرتها على بسط نفوذها على أراضيها، وتوفير الحياة الكريمة لشعبها، فما بالنا قدرتها على مجابهة الأزمات في ظل تنامي مخاطر الأزمات الاقتصادية العالمية الكوارث الطبيعية، وانعكاسات الانهيار البيئي الذي يتطلب مضاعفة قدرات الدولة الوطنية للمجابهة.
حفظ الله مصر متنامية القدرة، وجعلها سندًا وداعمًا لأبنائها وأشقائها وأمتها العربية وأصدقائها حول العالم.



