«حكاية مصري مع إسرائيل».. آخر ما كتبه المؤرخ إبراهيم البحراوي.. بانتصارات أكتوبر
في كتاب يعد وثيقة عسكرية من أخر ما كتبه المفكر والمؤرخ في الشؤون الإسرائيلية الدكتور الراحل إبراهيم البحراوى، أستاذ الدراسات العبرية، صدر كتاب «حكاية مصري مع إسرائيل".. "خذوا أولادكم لتبة الشجرة" الصادر عن دار الشروق للنشر، حيث استطاع المؤلف المزج بين العام والخاص منذ طفولته ببورسعيد وحتى ما بعد انتصار أكتوبر 1973، مؤكدا في مقدمة الكتاب على أنه مهما مر الزمن فعلى المصريين اليقظة والانتباه.
كما قدم الدكتور "البحراوي" أنه بين العام والخاص منذ طفولته المبكرة في بورسعيد منتصف خمسينيات القرن الماضي، مرورا بمواجهات مصر مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وصولا إلى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وما تلاها من اتفاقات سلام، حيث يقدم "أستاذ الدراسات العبرية الراحل" سرديته للصراع، وذلك من واقع اطلاعه العميق على أدبيات الاحتلال.
ويرد "البحراوي" على الدعاية الإسرائيلية حول مجريات حرب أكتوبر، قائلا: إذا قال الإسرائيليون في حملتهم الدعائية الهادفة لحفظ ماء الوجه، إنهم استطاعوا «التعادل» مع الجيش المصري بفضل وصول قوات حلفائهم الأمريكيين، فإن هذا القول سيتسق مع محتوى وثائقهم التي أخفوها أربعة عقود.
أما أن يتحدثوا عن التعادل بتحقيق "عملية الثغرة"، في حين أن من أنجزها بالفعل هي المدرعات الأمريكية بأطقمها البشرية المتخفية وراء العلامات الإسرائيلية وملابس الجيش الإسرائيلي، فإن هذا يدخل في باب «الحوتسباه» أو تقاليد الوقاحة، التي تضرب جذورها في المجتمع الإسرائيلي، إنها وقاحة تصل إلى حد البجاحة بدليل ما ورد في محاضر اجتماعات مجلس الحرب حتى يوم 9 أكتوبر 1973، وما تضمنته من أقوال المسؤولين أمام لجنة أجرانات "شكلتها الحكومة الإسرائيلية للتحقيق في أسباب الهزيمة في نوفمبر 1973".
ويستعرض المؤلف البحراوي قائلا: دعونا نتأمل ما يلي: 1 ــ لقد كرر وزير الدفاع موشيه ديان في هذه الاجتماعات أن الجيش الإسرائيلى قد فقد 300 دبابة من مجموع 700 دبابة كانت موجودة في سيناء مع بدء القتال حتى يوم 9 أكتوبر.
2 ــ طالب ديان ومعه رئيس الأركان بسحب جميع القوات إلى منطقة المضايق الجبلية على بعد 35 كم من القناة؛ لإنشاء خط دفاعي جديد تجنبا لقوة الاندفاع المصرية والروح القتالية المصرية الانتحارية.
3 ــ أكدت تقارير الفريقيْن حارييم بارليف وإسحق رابين أن هناك نقصا شديدا في الأطقم البشرية نتيجة قتلها في المعارك، وأن هناك دبابات تم إصلاحها ولا تجد من يركبها.
4 ــ أكد رئيس الموساد الجنرال تسيفى زامير أن كل الأخبار والتقارير التي تتحدث عن وصول دبابات الجنرال أفراهام آدان "برن" إلى خط القناة لإنقاذ حصون بارليف غير صحيحة، وأن أي دبابات إسرائيلية تقترب من القناة يدمرها المصريون ويقتلون أطقمها أو يأسرونها.
5 ــ أكد جميع القادة العسكريين أمام رئيسة الوزراء جولد مائير حتى مساء يوم 8 أكتوبر، أنه لا مفر من استعجال وصول الأسلحة والقوات الأمريكية من القواعد القريبة فى أوروبا.
6 ــ اضطرت جولدا مائير إلى السفر إلى واشنطن لاستعجال النجدة بنفسها من الرئيس نيكسون بعد أن عجز وزير خارجيتها أبا إيبان الموجود في أمريكا آنذاك وسفيرها سيمحا دينتنر عن إقناع كيسنجر بالتحرك السريع والتدخل مباشرة في القتال بالقوات الأمريكية الموجودة بأوروبا.
7 ــ صدرت أوامر رئاسة الأركان لقادة فرق المدرعات الثلاث في سيناء "أدان وشارون ومندلر" بالابتعاد عن القناة، وعدم محاولة الاقتراب على الإطلاق. ما لم تقله الوثائق الإسرائيلية صراحة هو أن الجميع كانوا في انتظار وصول الحلفاء الأمريكيين.
8 ــ أعلن ديان في مجلس الحرب أنه قد صدرت الأوامر بالتخلي عن محاولات إنقاذ المحاصرين في خط بارليف، أو إخلاء الجرحى وتركهم لمصيرهم.
9ــ تم سقوط جميع حصون خط بارليف فيما عدا حصنا واحدا اسمه حصن بودابست كان محميا بمياه المستنقعات من كل جانب.
"خذوا أولادكم لتبة الشجرة" ويوجه "البحراوي" عبر كتابه رسالة إلى قرائه المصريين والعرب لـ "القيام بنزهة تجمع بين الجمال والمتعة والتاريخ، وتذكرنا بعظمة عطاء جنودنا وضباطنا في حرب أكتوبر 1973، و"تبة الشجرة" هو الاسم الذي أطلقه الجيش المصري على مقر القيادة الإسرائيلية للمنطقة الوسطى في سيناء، بسبب الأشجار الكثيفة التي أحاطت به ومثلت تمويها يخفيه عن العيون.
ويخاطب "البحراوي" القراء شارحا: «سترون حصنا وضع فيه الإسرائيليون كل الخبرات الهندسية العالمية؛ حتى لا يتأثر سلبيا بالقصف الجوي أو المدفعي.
سترون أنموذجا للبطولة المصرية الفائقة عندما ستطالعون أسماء الشهداء "من أبناء الكتيبة 12 مشاة" الذين ضحوا بحياتهم ليستولوا على الحصن؛ ثم ليواصلوا الدفاع عنه ضد الهجمات الإسرائيلية المضادة بالطيران وبالدبابات.
سترون متحفا للأسلحة الإسرائيلية المختلفة التي كانت موجودة في الحصن، وسيتعلم أبناؤكم المصريون دروسا في عظمة أجدادهم".
ولكي تصل إلى الحصن الذي أصبح متحفا عسكريا مفتوحا للزيارة؛ اتجه إلى مدينة الإسماعيلية، وستعبر مجرى قناة السويس القديم بالمعدية رقم 6، ثم المجرى الجديد أيضا، وستجد فور عبورك على اليمين نصب الجندي المصري قائما على حافة القناة على أنقاض أحد حصون خط بارليف، وستسير نحو عشرة كيلو مترات لتصل إلى التبة على اليسار.
كما يتضمن الكتاب سردا لتجربة المؤلف عندما تم تكليفه بإصدار صفحة «كيف تفكر إسرائيل؟» بجريدة الأخبار عام 1979.
ويقول البحراوي عن هذه التجربة: اتخذت لنفسي خطا سياسيا أعبر عنه بانتظام في مقالاتي وتحليلاتي خلاصته أن قبولي بتحرير سيناء بواسطة معاهدة السلام لا يعنى قبولي بالتطبيع الثقافي والشعبي إلا بمقابل هو الدولة الفلسطينية.
بهذا الخط كنت أكتب في الأخبار بين فبراير 1979 ومارس عام 1985، وهو تاريخ توقف صدور الصفحة، واكتمال دورها من وجهة نظر رئيس التحرير.
وفى قصة لها دلالتها، يروى المؤلف: بعد توقيع المعاهدة "معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979"، وجدت إعلانا موسعا في صحيفة معاريف الإسرائيلية يعلن عن تكوين حركة جديدة أسمت نفسها «حركة العودة إلى سيناء.
كان الإعلان يحمل توقيعات عدد كبير من المثقفين ورجال التعليم والضباط السابقين، ويعد الإسرائيليين بالعمل على تنشئة جيل جديد يعلم أن سيناء جزء من إسرائيل، وأنه اقتطع نتيجة لظروف دولية ضاغطة، وأنه لابد من الاستعداد للعودة إليها في المستقبل. أفردت للإعلان مساحة كبيرة بصفحتي الأخبار، واعتبرته إخلالا بمعاهدة السلام، ونبهت المسؤولين المصريين إلى خطورة هذه التوجهات الرسمية في المستقبل.
كما انقطع الإعلان عن الظهور بعد اتصالات رسمية مصرية مع حكومة إسرائيل، وانقطعت أخبار الحركة عن الصحف. لكن من يدرينا ماذا تفعل هذه الحركة تحت الأرض حتى كتابة هذه السطور عام 2019؟ يتساءل البحراوي ثم يعلق: "مهما مر الزمن فعلى المصريين اليقظة والانتباه".



