أساتذة وعلماء الأزهر يكشفون أهمية الدروس والعبر المستفادة من تحويل القبلة والحكمة من ذلك
يتساءل الكثيرون عن تحويل القبلة وأهم الدروس والعبر المستفادة منها والحكمة من ذلك.. "بوابة روزاليوسف" تنشر، في التقرير التالي أهم الدروس المستفادة، ومراحل تحويل القبلة.. إليكم التفاصيل.
قال الدكتور محمود الصاوي وكيل كلية الدعوة الإسلامية للبنين بجامعة الأزهر بالقاهرة: لاشك أن حدث تحويل القبلة من أعظم الأحداث في تاريخ أمتنا الإسلامية.. فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يستقبل قبلة بيت المقدس لما أمر بالصلاة وظل ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا علي هذه القبلة لكن نفسه كان متطلعة ومتشوفة الكعبة المشرفة، وفي الصحيحين من حديث البراء بن عازب قال أن رسول الله (صلي قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلاها أو صلي صلاة العصر وصلي معه قوم فخرج رجل ممن كان صلي معه فمر علي أهل مسجد وهم راكعون فقال اشهد بالله لقد صليت مع رسول الله قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت) وهكذا أمر الله رسوله صلي الله عليه وسلم باستقبال بيت الله الحرام (قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره).
مراحل تحويل القبلة
وأضاف الصاوي، أن تحويل القبلة حدث مرتين الأولي تحويل القبلة من الكعبة الي بيت المقدس: لحكمة تربوية عظيمة تتلخص في تنقية قلوب المؤمنين مما علق بها من شوائب الجاهلية (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه) وليظهر من يتبع الرسول أتباعا صادقا ممن ينقلب علي عقبيه ويتعلق بدعاوي الجاهلية ورواسبها، والثانية: تحويل القبلة من المسجد الاقصي إلي المسجد الحرام بعد أن استتب الأمر لدولة الإسلام في المدينة تأكيدا الرابطة الوثيقة بين المسجدين وهي عودة لاصل القبلة (إن أول بيت وضع الناس الذي ببكة مباركا وهدي العالمين).
ما الحكمة من تحويل القبلة
أولا: ابتلاء لأربعة أصناف من الناس المسلمون وقد نجحوا في الاختبار وامتثلوا فورا لأوامر ربهم ولم يتوانوا في التنفيذ بتغيير وجهتهم في صلاتهم للكعبة، أما اليهود فقد كرهوا ذلك زاعمين أن رسول الله قد خالف الأنبياء من قبله ولو كان نبيا لنا خالف باقي الأنبياء، أما المشركون فاستبشروا وتهللوا ظانين أنه بذلك يو شك أن يعود إلي دينهم بعد أن عاد الي قبلتهم، اما المنافقون: فزعموا أن رسول الله متخبط لا يدري مايصنع، وكل ذلك كان اختبارا من الله سبحانه للناس وتمحيصا لهم تميز المسلمين عن سواهم في توجههم للقبلة.
والحكمة الثانية في تحويل القبلة: تميز المسلمين في قبلتهم والمكان الذي يتجهون اليه بصلواتهم.
أما الدكتورة منى صلاح، مدرس الحديث وعلومه بجامعة الأزهر:تقول أما عن تحويل القبلة فقد قال أكثر أهل العلم أنه تم تحويل القبلة في شهر شعبان على رأس ثمانية عشر من مقدم رسول الله ﷺ المدينة، بعد أن ظل المسلون يتوجهون الى بيت المقدس في العهد المكى، وقد كان النبي ﷺ يحب ويتطلع أن يتوجه إلى الكعبة فاستجاب الله لأمنية الحبيب ﷺ (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ» ,وعن البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ نَحْوَ القِبْلَةِ»
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنهما-: أنَّ رسول الله ﷺ كان أوَّلَ ما قدِمَ المدينة نزَل على أجدادِه - أو قال: أَخوالِه - من الأنصارِ، وأنَّهُ صلَّى قِبَلَ بَيْتِ المقدِسِ ستَّةَ عَشرَ شهراً، أو سبعةَ عشر شَهراً، وكان يُعجِبُهُ أَن تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البيتِ، وَأَنَّهُ صلَّى أَوَّل صلاةٍ صلَّاها صلاةَ العصر، وصلَّى معه قومٌ، فخرجَ رجلٌ مِمَّنْ صلَّى معه، فمرَّ عَلى أهل مسجدٍ وهم راكعون، فقال: أَشهدُ باللهِ لقد صلَّيتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ قِبَلَ الكعبةِ، فدارُوا - كما هُم قِبلَ البيت - وكانت اليهودُ قد أعجَبَهُم; إذ كان يُصلِّي قِبَلَ بيت المقدس، وأهلُ الكتابِ، فلمَّا ولَّى وجهَه قبلَ البيتِ، أَنْكَرُوا ذلك. قال: وفي رواية: أنه ماتَ على القِبْلَةِ - قبلَ أَنْ تُحَوَّلَ - رجالٌ وقُتِلُوا فلم نَدْرِ ما نقول فيهم؟ فأنزل اللهُ عز وجل {ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} . [البقرة: 143] . وفي أخرى: وكان رسول الله ﷺ يُحِبُّ أَن يُوَجَّهَ إِلَى الكعْبةِ، فأنزلَ اللَّهُ عز وجل {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَاءِ} فتوجَّهَ نحو الكعبة، فقال السُّفَهاءُ - وهم اليهودُ -: {ما وَلَّاهم عن قِبْلَتِهِم التي كانوا عليها قلْ لِلَّهِ المشرقُ والمغربُ يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم} [البقرة: 142] هذه رواية البخاريومسلم. وأخرجه الترمذي قال: لمَّا قدمَ رسولُ اللَّهِ ﷺ المدينةَ، صلَّى نحو بيت المقدس ستَّةَ - أو سبعةَ - عشرَ شهراً، وكان رسولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إلى الكعبة، فأنزل الله تبارك وتعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فولِّ وَجْهكَ شَطْرَ المسجِدِ الحرامِ} فوُجِّه نحو الكعبة، وكان يحبُّ ذلك، فصَلَّى رجلٌ معهُ العصرَ، قال: ثم مرَّ على قومٍ من الأنصارِ وهم رُكوعٌ في صلاة العصرِ نَحو بَيْتِ المقدسِ. فقال: هو [ص:12] يشهدُ أَنَّهُ صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد وُجِّهَ إلى الكعبة، فانْحَرفوا وهم رُكُوعٌ. وأخرجه النسائي قال: قدِمَ رسولُ الله ﷺ المدينةَ، فصلى نحو بيت المقدس ستَّةَ عشر شَهراً، ثمَّ إِنَّه وُجِّهَ إلى الكعبة، فمرَّ رجلٌ قد كانَ صلى مع النبي ﷺ على قومٍ من الأنصارِ، فقال: أشهدُ أنَّ رسولَ الله ﷺ قد وُجِّه إِلى الكعبة، فانحرفوا إلى الكعبة (5).
وأضافت أستاذ الحديث أما عن حكمة تحويل القبلة والدروس والعبر: فبالتأمل فى قول الله تعالى عن هذا الحدث العظيم فيقول الله عز وجل: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) فمن الآية الكريمة يتبين الحكمة في تحويل القبلة وهى تولية النبي ﷺ القبلة التي كان يرضاها ، وهداية للطريق المستقيم، وان تكون امة الاسلام امة وسطا وقبلتهم تتوسط العالم يلتف خولها كل بقاع الأرض ويولون وجهوهم نحوها، ومن اللطائف في الجغرافيا أن الكعبة تتوسط الأرض، واقتدت حكمة الله أن تكون نبع الدعوة من مكة المكرمة وتوجه المسلمون إلي الكعبة تعبيرا عن الوسطية في كل شيء حتى في قبلتهم، واختبار وامتحان للمؤمنين في تصديق النبي ﷺ ليعلم الله من يتبعه ممن ينقلب علي عقبيه، وأن يطيعوا رسول الله ﷺ وهم في الصلاة ويتحولوا من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، ويتحول المسلمون طاعة وازعان بغير جدال ولسان حالهم يقول: (سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير).
أما الدكتور محمد فضل، أستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة: يقول إن تحويل القبلة من أهم الأحداث التي كانت في شهر شعبان حادث «تحويل القبلة»، هذا الحدث الجلل كان له أثر عظيم في حياة النبي -ﷺ- وحياة أصحابه وتاريخ أمتنا الإسلامية، وقد تضمن هذا الحدث دروسا عظيمة من أهمها: 1) إبراز مكانة النبي -ﷺ- وبيان رفعة شأنه وعظيم قدره عند رب العالمين: فالنبي لما هاجر من مكة إلى المدينة استقبل في صلاته بيتَ المقدس بأمر من الله تعالى، وظل النبي ﷺ وأصحابه يصلون نحو هذه القبلة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، وكان ﷺ يأمل أن تكون قبلته الكعبة المشرفة قبله أبيه إبراهيم، فقال لسيدنا جبريل:«وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها، فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا، فسل ربك أن يحولك عنها إلى قبلة إبراهيم، ثم ارتفع جبريل وجعل رسول الله يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيَه جبريل بما سأله، وهنا كان الكرم والعطاء الإلهي من رب العالمين لحبيبه المصطفى بتحقيق مراده وإجابة رجائه، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة:{قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها}».
أسباب النزول للواحدي (ص: 43) 2) وسطية الأمة وشهادتها على جميع الأمم: يتمثل هذا الدرس في قوله تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}، وهنا إعجاز عدديّ في هذه الآية الكريمة، فعدد آيات سورةِ البقرة 286 ÷ 2 = 143، هذا هو رقم هذه الآية، فكأن الآية نفسها جاءت وسطا، وكفى بها رسالة للأمة لتكون وسطا في كل شيء. والوسطية هنا تعني الأفضلية والخيرية والرفعة، فأمة الإسلام وسط في كل شيء، فهي وسط في الاعتقاد، وسط في العلاقات والارتباطات، وسط في أنظمتها وتشريعاتها، وحري بالمسلمين أن يعودوا إلى وسطيتهم التي شرفهم الله بها من أول يوم، وهذه الوسطية أهلت هذه الأمة ومنحتها الشهادة على جميع الأمم، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «يدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتشهدون أنه قد بلغ:{ويكون الرسول عليكم شهيدا}، فذلك قوله جل ذكره:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}، والوسط: العدل». صحيح البخاري (6/ 21، ح: 4487). 3) التسليم المطلق والانقياد الكامل لله ورسوله: فالمسلم عبد لله تعالى يسلم بأحكامه وينقاد لأوامره بكل حب ورضا، ويسارع إلى امتثال أوامر الله ورسوله بكل ما أوتي من قوة وجهد، ولذلك ضرب الصحابة لنا أروع الأمثلة وأزكاها في أمر تحويل القبلة، أمرهم النبي ﷺ بالتوجه في صلاتهم نحو المسجد الأقصى فتوجهوا وانقادوا، ثمم أمرهم بالتوجه نحو المسجد الحرام فسارعوا وامتثلوا، بل إن بعضهم لما علِم بتحويل القبلة وهم في صلاتهم توجهوا وهم راكعون من قبلة بيت المقدس إلى قبلة بيت الله الحرام ولم ينتظروا حتى يكملوا صلاتَهم، يصف ذلك سيدنا عبد الله بن عمر فيقول:«بينما الناس في الصبح بقُباءٍ جاءهم رجل فقال: «إن رسول الله قد أُنزِل عليه الليلةَ قرآن، وأُمِر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبِلوها، وكان وجهُ الناس إلى الشام، فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة»». صحيح البخاري (6/ 22)
وهذا الدرس العملي من الصحابة يعلمنا أن يكون المسلم دائم الاستجابة والانقياد والخضوع لأوامر الله ورسوله في جميع مجالات الحياة.
4) بيان مكانة الصلاة: فرب العالمين قد سمى في القرآن الكريم الصلاة (إيمانا) فقال:{وما كان الله ليضيع إيمانكم}، قال ابن عباس:«لما وجه النبي ﷺ إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى:{وما كان الله ليضيع إيمانكم}». سنن الترمذي (5/ 208، ح: 2964)، «هذا حديث حسن صحيح».
فهذا الموقف من سؤال الصحابة عن حال إخوانهم الذين ماتوا على القبلة الأولى قبلة بيت المقدس فيه درس عظيم لنا جميعا وهو أن المؤمن يحب للناس ما يحب لنفسه، قال النبي :«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». صحيح البخاري (1/ 12، ح: 13)
5) بيان مكانة المسجد الأقصى والرباط الوثيق بينه وبين المسجد الحرام: فالمسجد الأقصى هو ثاني المساجد التي أُسِّست على وجه الأرض، وهو ثالث الحرمين الشريفين، قال سيدنا أبو ذر للنبي ﷺ :«يا رسول الله، أي مسجد وُضِع في الأرض أول؟ قال:«المسجد الحرام»، قلت: ثم أي؟ قال:«المسجد الأقصى»». صحيح البخاري (4/ 145، ح: 3366)
المسجد الأقصى شرفه الله تعالى ووصف أرضه بالبركة، فقال سبحانه في مستهل سورة الإسراء:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}، فهو منتهى إسراء سيدنا محمدصلي الله عليه وسلم ، وبداية معراجه إلى الملأ الأعلى، المسجد الأقصى هو أرض المحشر والمنشر، فعن ميمونة مولاة النبي ﷺ قالت:«يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال:«أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلُّوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره»». سنن ابن ماجه (1/ 451، ح: 1407)
فإذا كان المسجد الأقصى بهذه المنزلة والمكانة فواجب على المسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها أن يقفوا صفا واحدا للدفاع عن هذه الأماكن المقدسة، ولا يتركوا المسجد الأقصى في أيدي اليهود يدنسونه ويخربونه.
6) يعلمنا حادث تحويل القبلة درسا عظيما في التحول من سيء الأخلاق إلى مكارمها ومحاسنها، ومن كل ما يغضب رب العالمين إلى كل ما يرضيه ويحقق لنا السعادة في الدنيا والآخرة، فنتحول من الشر إلى الخير، ومن الجهل إلى العلم، ومن اليأس إلى الأمل، ومن التعلق بالدنيا إلى الاستعداد للآخرة، نتحول من ارتكاب المعاصي والمنكرات إلى العبادة والطاعة وفعل الأعمال الصالحات، نتحول من الغل والحقد والحسد والعداوة لبعضنا البعض إلى الحب والنقاء والإيثار والإخاء والتراحم فيما بيننا، لاسيما ونحن مقبلون على شهر كريم وهو شهر رمضان، سئل عبد الله ابن مسعود:«كيف كنتم تستقبلون رمضان؟ قال: ما كان أحدنا يجرؤ على استقبال الهلال وفي قلبه ذرة حقد على أخيه المسلم».
والحكمة الثالثة: تصويب مفاهيم المسلمين حيث أن العرب كان الكعبة كانت قبلتهم في الجاهلية ليس عن عقيدة بل عصبية وعنصرية فأراد الله ان ينزع من المسلمين كل تحيز لفئة العرب وعاداتهم فامرهم بالتوجه نحو المسجد الأقصى ثم لما صفت النفوس وصحت المفاهيم اعاد الله تعالي ربطهم بالكعبة المشرفة لكن برباط العقيدة والتوثيق بين أنبياء الله ابراهيم وإسماعيل ومحمد صلي الله عليه وسلم.
الحكمة الرابعة: تأكيد نبوة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وأنه يوحي اليه مايتلوا من آيات كريمة لان الله سبحانه كان قد اخبر التبي قبل تحويل القيلة بما سيقوله اليهود وقت تغيير القبلة وقد وقع فعلا ماأنبأه الله به (سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب).



