الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

د. حسام الإمام يكتب: يا عزيزتي كلنا نتعب!

د. حسام الإمام
د. حسام الإمام

شاهدت منذ فترة- بالصدفة- فقرة على يوتيوب خاطبت فيها المذيعة ضيفتها قائلة: ما رأيك في قول البعض إن الراقصات يكسبن المال من الهواء، دون مشقة أو تعب؟ وخلال الثواني التي انتظرت فيها رد الراقصة على هذا الادعاء الشنيع، أطلقت لعقلي العنان ليتصور الرد الذي سوف تطلقه الراقصة للدفاع عن نفسها. 

على الفور قفز إلى ذهني السيناريو المعتاد الذي طبعته بذاكرتنا جميعًا الأفلام العربية القديمة، لتتمثل لي الراقصة في ثوب فتاة مسكينة تذرف دموعها لتستجدي تعاطف المشاهدين، ثم تتحدث بتشنج وهي تخبر الجميع أن الظروف هي التي أرغمتها على ذلك العمل للوفاء بمتطلبات إخوتها الصغار وأمها المريضة، دائمًا لا بد أن يوجد إخوة صغار وأم مريضة! هذا ما تعودنا أن نسمعه ونشاهده.

وفي مرحلة لاحقة شاهدنا سيناريو الراقصة التي تنظر إلى العيون من حولها ثم تسير بعيدًا ثم تلتفت إليهم صارخة في وجوههم القاسية هل تتصورون أنني راضية عن هذا الوضع؟ إنني أحلم مثل أي امرأة أن أكون زوجة وأمًا، أنتظر من يخرجني من هذا المستنقع ويذهب بي بعيدًا.

كان الحوار دائمًا يسير في اتجاه عدم رضاء الراقصة عن هذا الوضع الذي فرضته عليها الظروف ورغبتها في التخلص منه والنجاة بنفسها، وكان ذلك ينجح دائمًا في كسب تعاطف المشاهد مع تلك الفتاة التي اجتهد طاقم عمل الفيلم على إثبات أنها مرغمة على هذا الوضع.

دار كل ذلك بذهني في ثوانٍ معدودة إلى أن تحدثت الضيفة بما لم أتوقعه وما لم يخطر لي على بال! فوجئت بها ترفع حاجبها الأيسر حتى اقترب من ملامسة شعرها، ثم نظرت إلى المذيعة بكل "جبروت وعين قوية"، وقالت بكل ثقة وقناعة: "لا يا حبيبتي، دا إحنا بنتعب ونتعب ونتعب، وبنشقى قوى بالفلوس إللي بنكسبها. تعالي معي– تقصد إلى الكباريه- وانظري كيف يجلس المشاهدون كل ليلة يرتدون ملابسهم الثقيلة لتقيهم برد الشتاء، وربما يتكاسلون عن التصفيق لنا بسبب البرد، ورغم ذلك نقف ببدلة الرقص- العارية- نرقص دون كلل أو ملل لنقوم بواجبنا ونؤدي عملنا على أتم وجه لنسعدهم ونبسطهم. ألقت كلماتها بمنتهى التلقائية وكأن ذلك هو الطبيعي والعادي، وصفق لها الحضور! لتشعر وكأنك تشاهد عالمة ذرة تحكي قصة كفاحها وهي تقف في معملها ليل نهار تبحث وتفحص وتستنتج لتعطي عصارة فكرها وإبداعها للبشرية في صورة اختراع يقيهم شر الأمراض اللعينة. قالتها وكأنها عامل يقف في المخبز أمام النار الحارقة ليخرج لنا خبزًا نأكله ونحمد الله على نعمته. قالتها وكلها قناعة أن التعري واجب وأن الرقص فرض عين على كل سيدة قادرة وإلا حاسبها الله على ترك هذا الفرض! قالتها بكل اقتناع وإيمان بأن ما لله لله وما للكباريه فهو للكباريه! نعم في وقت الصلاة يمكن أن تجدها ترتدي الحجاب لتصلي، وبعد دقائق ترتدي بدلة الرقص لتسعد الناس! ما هذا؟ لماذا أظن أن هذا أكثر مقال استخدمت فيه علامة التعجب (!) ربما لأنه أمر مثير بالفعل للتعجب؟ تناقض غريب بين القيام بالطاعات من صلاة وإطعام فقير وصدقات، ثم ارتكاب المعصية بكل قوة باعتبارها من طبائع الأمور، بل وربما اتهام من ينتقد ذلك بالجنون والتخلف والرجعية. 

يا عزيزتي انتبهي، فالوقت يمر بسرعة البرق، إن كنتِ تتحدثين عن التعب والمشقة فأنا أصدق كل كلمة تقولينها، نعم أنتِ تتعبين وكل من يقوم بعمل- أيًا كان هذا العمل- يتعب، لكن عن أي عمل نتحدث؟ السارق يعمل ويتعب ويعرق وهو يقضي الليل ساهرًا مجاهدًا يخطط لسرقته. القاتل يعمل ويتعب ويعرق وهو يتعرض للأخطار كل لحظة في سبيل إتمام مهمته. المؤذن أيضًا يعمل ويتعب ويعرق وهو يصحو في الفجر ليدعو الناس إلى الصلاة.

المعلم يعمل ويتعب ويعرق وهو يقضى الساعات يعلم أبناءنا ويربيهم. لكن ألا تلاحظين فرقًا في عملهم؟ إلى أي شيء يدعو هؤلاء وإلى أي كارثة يذهب هؤلاء؟ الأمر واضح لا يحتاج إلا إلى قلب راغب في معرفة الحقيقة.

مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه

[email protected]

 

تم نسخ الرابط