
د. حسام الإمام يكتب: المدير الفعال.. كما يجب أن يكون

أن تصل إلى المطار وتجد شخصًا يقف منذ ساعة ينتظرك، حاملًا بين يديه لافتة مكتوبًا عليها اسمك، هو شيء معتاد، فدائمًا ما يرسلون شخصًا يوم وصولك لاصطحابك إلى محل إقامتك.
في حالتي كان سكنًا دبرته لي جامعة برجن في النرويج للإقامة فيه أثناء فترة عملي بها. إلى الآن لا غرابة في الأمر.
إلى أن وجدته يبادر إلى الحديث مرحبًا بي أشد الترحيب، مشيرًا في حديثه إلى أنه يعرفني، وبدأ يذكرني بتبادلنا التحية والحديث العام الماضي في بعض المواقف، فلما تأملته جيدًا تذكرته.
وفهمت على الفور من انتظاره لي في المطار أنه يعمل في العلاقات العامة بالجامعة، فشكرته لوجوده في انتظاري وانطلق لساني سائلًا: هل أنت سعيد بعملك في العلاقات العامة؟ فوجدته يقول لي: أنا لا أعمل في العلاقات العامة، لكن جميع الزملاء في القسم مشغولون ولذلك فقد حضرت لاستقبالك، أنا الآن مدير البرنامج!
المدير! هو إذن رئيسي المباشر، درجته تعادل عميد كلية! حضر لينتظرني في المطار حاملًا لافتة عليها اسمي؟ محظوظ أنا بلا شك.
وها هو يقود السيارة بنفسه ثم يحمل معي حقائبي إلى الغرفة، ليس ذلك فقط! لكنه يعتذر ويكاد يبكي أسفًا لتقصيره في إحضار كل المستلزمات المعيشية التي توفرها الجامعة للعاملين بها، ويعدني- بمنتهى الصدق والجدية- أنها سوف تكون جاهزة معه في الصباح عندما يحضر لاصطحابي إلى المكتب! وأنا أنظر إلى الرجل لا أكاد أصدق ما أرى.
لي مع هذا المدير حكاية لطالما قصصتها في مناسبات عدة، دليلًا على ما يجب أن يكون عليه المدير الفعال. علمت يومًا أن هناك مؤتمرًا تنظمه إحدى الجامعات الهندية وكان حلمًا من أحلام حياتي أن أزور الهند، وجاءت الفرصة على طبق من ذهب، الجامعة تدعم وتشجع وتمول المشاركات العلمية ولن ترفض مشاركتي في هذا المؤتمر ذي الصلة بعملنا بكل تأكيد. وذهبت إلى مديري وأخبرته بالأمر، لكنني وجدته يقترح أن أبحث عن مؤتمر يكون مكانه أقرب، مبررًا ذلك بارتفاع تكاليف المشاركة والسفر من النرويج إلى الهند، فلما أخبرته بوجود مؤتمر آخر في فرانكفورت/ ألمانيا وافق على الفور وبدون استفسار عن أي تفاصيل.
لكنني فوجئت به في أحد الأيام يأتي إلى مكتبي ويستأذنني في الذهاب إلى مكتبه بعد الانتهاء من عملي! نعم قالها هكذا: من فضلك سوف أنتظرك في مكتبيي بعد أن تنتهي من عملك.
فلما ذهبت إليه فوجئت به واجمًا محرجًا لا يدرى ما يقول، ثم صدمني بخبر استحالة سفري إلى ألمانيا نظرًا لضرورة حضوري فعالية أخرى تنظمها الجامعة في نفس الفترة. ولم يكن أمامي سوى تقبل الأمر بهدوء فها أنا أفقد فرصة السفر إلى ألمانيا وقبلها ضاعت فرصة زيارة الهند.
ولما هممت بالانصراف فوجئت به يقول: هل لا تزال هناك فرصة لحضور المؤتمر الذي تنظمه الجامعة الهندية؟ قلت له متعجبًا: نعم، ولماذا تسأل؟ قال حسنًا ابدأ إجراءات المشاركة، فلما ذكرته باعتراضه السابق بسبب ارتفاع التكاليف، قال: أرجوك أن تقبل اعتذاري، فقد أخطأت عندما وافقت على سفرك إلى ألمانيا دون أن أراجع جدول الأعمال، وتصحيحًا لخطئي سوف تحضر المؤتمر في الهند ولو تحملت النفقات بنفسي! وفعلًا سافرت وحضرت المؤتمر في الهند.
كان هناك مدير سابق لهذا الشخص وكان شخصًا رائعًا لا يقل روعة عن المدير الذي أتـحدث عنه الآن. قابلت مديري السابق يومًا فوجدته يسألني عن أحوالي وأخبار العمل، وكيف الحال مع المدير الجديد؟ بصراحة احترت في الإجابة فقد يتضايق أو يغار إذا أخبرته أن المدير الجديد رائع بكل معنى الكلمة، لكنه بادرني قائلًا: أنا متأكد أن أداءه أفضل من أدائي، هو طموح ولديه أفكار جديدة باستمرار، ويجيد التعامل مع مرؤوسيه، ولا يتأخر في تنفيذ أي شيء مفيد لنجاح العمل. ولم أكن في حاجة إلى أكثر من ذلك، فها هو قد أعطاني إشارة البدء، فانطلقت أخبره عما يفعل معي ومع زملائي الباحثين، وسألته: لقد قال لي إنك من رشحه لذلك المنصب، فهل حدث ذلك فعلًا؟ قال: نعم لأنني كنت أرى فيه إضافة للمكان، ومزايا كثيرة لم تكن تتوافر لي، وهذا بالتأكيد سوف يساعد على تنفيذ أهداف القسم ونجاحه.
ليس الرائع في الأمر تلك الكلمات التي نطق بها المدير السابق عن خلفه الحالي، ولكنه الشعور الذي وصلني بحرارتها وصدقها، إحساسي بأنه ما فعل ذلك وأتى بهذا المدير الجديد إلا قناعة منه بضرورة أن يكون الغد أفضل من اليوم، بلا خوف من أن يقول أحدهم أن الجديد أفضل من القديم، ولم لا؟ أليس ذلك هو الواجب والمفروض والمتوقع.
مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه[email protected]