السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

فى ظل المتغيرات العالمية الحادة والأزمات السياسية والعسكرية التي لا يمكن التنبؤ بها وعصر الصراع الشرس بين القوى الدولية الكبرى global power competition اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا يمر الأمن القومى للدولة المصرية بأخطر مراحله وأصعب تحدياته منذ حرب أكتوبر المجيدة بعد أن محا الجيش المصري ومن ورائه شعب مصر العظيم عار الهزيمة واستعاد الأرض والكرامة.

لم يشهد الأمن القومى المصري منذ هذا التاريخ تحديات ومخاطر كالتي نراها اليوم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. 

أولا: الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الشرقى 

يمثل العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة أحد أخطر التحديات التي تواجه الأمن القومى المصري سياسيًا وعسكريا واقتصاديًا.

إن هذا العدوان الهمجى قد يؤدى إلى لجوء الفلسطينيين إلى النزوح تحت وطأة حرب الإبادة الممنهجة داخل القطاع والذي بدوره يمثل تهديدًا وأيضا اختبارا صعبا لقدرة القيادة السياسية المصرية على الصبر الاستراتيجى وضبط النفس حرصًا على الحفاظ على استقرار الإقليم والشرق الأوسط بل العالم كله.

لقد نجحت مصر فى الحفاظ على معاهدة كامب ديفيد طوال خمسين عاما إدراكا من مصر أن ذلك فى مصلحة القضية الفلسطينية. إن  ما يحدث فى غزة من عدوان سافر على المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء وكذلك المستشفيات ودور العبادة المسيحية والإسلامية  قد أدى إلى تداعيات خطيرة مباشرة وغير مباشرة على الأمن القومى المصري. 

إن خطر التهجير والنزوح لأكثر من مليوني فلسطينى من المحتمل دفعهم فى اتجاه الحدود المصرية من غزة تحت وطأة القتل اليومى وحرب التجويع والقضاء على كافة وسائل الحياة وهو ما يمثل تهديدا خطيرًا للأمن القومى المصري واستقرار الدولة المصرية بوجود هذا العدد من النازحين داخل الأراضى المصرية وهو أيضا يعتبر تصفية للقضية الفلسطينية وحل الدولتين وهى القضية المركزية للأمة العربية وفى القلب منها مصر التي قدمت التضحيات لهذه القضية منذ بدايتها وخاضت مصر خمسة حروب دفاعًا عن قضية فلسطين. وسقط الآلاف من الشهداء من أبناء الوطن دفاعا عن هذه القضية. 

وهناك تداعيات غير مباشرة شديدة الخطورة أثرت على الاقتصاد المصري حيث أدت ضربات الحوثيين ضد السفن العابرة من مضيق باب المندب إلى التأثير على حركة الملاحة فى قناة السويس وأدى ذلك إلى خسائر مادية كبيرة على دخل قناة السويس.

مما لا شك فيه أن الحرب غير العادلة على غزة تمثل تهديدا خطيرا للأمن القومى المصري وقد يؤدى فرض النزوح بالقوة فى اتجاه الحدود المصرية إلى انهيار معاهدة كامب ديفيد التي نجحت مصر فى الحفاظ عليها طوال خمسين عامًا.

وأعتقد أن العالم كله يعلم أن انهيار معاهدة كامب ديفيد سوف يؤدى إلى زعزعة استقرار الإقليم وأيضا الشرق الأوسط ونشوب أى صراع سوف يؤدى إلى توقف الملاحة فى قناة السويس التي تمتلكها مصر وهو ما يمثل تهديدا للتجارة العالمية والاقتصاد العالمي.

ثانيا: التحديات والمخاطر على الاتجاه الاستراتيجى الجنوبى وعمقه 

إن الحرب الأهلية المشتعلة فى السودان بين كل من الحكومة الوطنية الشرعية وبين ميليشيات الدعم السريع التي نشرت الفوضى والدمار فى ربوع السودان الشقيق تمثلّ تهديدا خطيرا للأمن القومى المصري حيث أدى ذلك الصراع إلى نزوح الملايين من أبناء الشعب السودانى إلى مصر التي قامت باستضافة الأشقاء من دولة السودان وعاملتهم تماما كما تعامل أبناء الوطن وهو بالتأكيد يمثل عبئا على الاقتصاد المصري الذي كان فى مرحلة التعافى بعد أزمة الكورونا وما سببته الحرب الروسية الأوكرانية من تداعيات على الاقتصاد المصري.

وفى عمق الاتجاه الاستراتيجى الجنوبى اكتمل بناء سد النهضة الإثيوبى الذي يمثل تهديدًا استراتيجيًا للأمن المائى المصري حيث تعانى مصر فعليا من الفقر المائى طبقا للمعايير العالمية.

 ثالثًا: الاتجاه الاستراتيجى الغربى

يمثل عدم الاستقرار والانقسام داخل الدولة الليبية بين الشرق والغرب تحديا للأمن القومى المصري حيث تؤدى هشاشة الدولة الليبية إلى نمو الحركات الإرهابية المتطرفة داخل الأراضى الليبية فى ظل غياب السيطرة الكاملة للدولة.

رابعًا: إن كل هذه التحديات  والمخاطر التي تواجه الأمن القومى المصري على كافة الاتجاهات الاستراتيجية تؤكد قوة وحكمة القيادة السياسية المصرية وتثبت القوة السياسية لمصر كأحد عناصر القوى الشاملة للدولة ومن هنا يظهر الفرق بين التهور والحكمة فيما يخص أمن مصر القومى حيث أثبتت القيادة السياسية المصريه قدرتها ووعيها وحكمتها عندما قررت الحفاظ على الأمن القومى المصري ومقدرات الشعب المصري العظيم والبعد عن أى مغامرات غير محسوبة قد تهدد مكتسبات الشعب المصري واستقراره.

 

نقلًا عن مجلة روزاليوسف

تم نسخ الرابط