عام عربي حافل بالتحركات السياسية والاقتصادية دفاعًا عن فلسطين
شهد عام 2025 نشاطًا مكثفًا لجامعة الدول العربية على مختلف مسارات العمل العربي المشترك، في ظل تحديات سياسية وأمنية غير مسبوقة، تصدرتها تطورات القضية الفلسطينية والحرب على قطاع غزة، إلى جانب الأزمات الإقليمية والاقتصادية، وهو ما انعكس في سلسلة قمم واجتماعات ومبادرات عربية هدفت إلى تنسيق المواقف وتعزيز التضامن العربي.
وجاءت القمة العربية الطارئة التي استضافتها مصر في مارس 2025 كإحدى أبرز محطات العام، حيث عقدت في القاهرة لبحث تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، وأسفرت عن توافق عربي واسع على رفض تهجير الفلسطينيين، والتأكيد على ثوابت الموقف العربي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
واعتمدت القمة الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه، باعتبارها إطارا عربيا جامعا للتحرك في مرحلة ما بعد الحرب.
قمة بغداد
وفي السياق ذاته.. شكلت القمة العربية الرابعة والثلاثون التي عقدت في بغداد عام 2025 محطة مفصلية في مسار العمل العربي المشترك، حيث أعادت التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، ودعت إلى وقف فوري للحرب على قطاع غزة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، ورفض أي محاولات لفرض حلول أحادية أو تغيير ديموغرافي قسري، وشددت على التمسك بحل الدولتين، ودعم المسار السياسي الذي يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وتمثل إنشاء صندوق عربي لدعم التعافي وإعادة الإعمار أبرز ما خرجت به قمة بغداد، حيث قرر القادة العرب إطلاق الصندوق كآلية عملية لدعم الدول العربية المتضررة من النزاعات، وفي مقدمتها قطاع غزة، إلى جانب مساندة جهود إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي في عدد من الدول العربية التي تواجه أزمات ممتدة.
وأكدت القمة أن الصندوق يعكس التزامًا عربيًا جماعيًا بترجمة المواقف السياسية إلى أدوات تنفيذية تخفف الأعباء الإنسانية والاقتصادية، وتعزز الاستقرار والتنمية، كما دعمت قمة بغداد الجهود العربية الرامية إلى إعادة إعمار قطاع غزة في إطار منسق يحفظ وحدة الأراضي الفلسطينية ويضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم، وتناولت الأوضاع في عدد من الدول العربية.
مؤكدة دعم وحدة وسيادة وسلامة أراضي الدول العربية، ورفض التدخلات الخارجية، والدعوة إلى حلول سياسية للأزمات في السودان واليمن وليبيا وسوريا، تقوم على الحوار الوطني والحفاظ على مؤسسات الدولة.
وفي المجال الاقتصادي.. أكدت القمة أهمية تعزيز التكامل الاقتصادي العربي، وتفعيل اتفاقيات التعاون التجاري والاستثماري، ودعم جهود تحقيق الأمن الغذائي والطاقة، ومساندة الدول العربية المتأثرة بالنزاعات في مسارات التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، مع التشديد على تطوير آليات متابعة تنفيذ قرارات القمم العربية بما يعزز فاعلية العمل العربي المشترك.
تحركات سياسية
وعلى مدار العام.. واصلت الجامعة العربية تحركاتها السياسية والدبلوماسية المكثفة، حيث كثفت اتصالاتها مع الأطراف الدولية والمنظمات الأممية لوقف الحرب في غزة، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية، والتحذير من التداعيات الخطيرة لاستمرار الصراع على الأمن والاستقرار الإقليميين.
كما أكدت، في بياناتها واجتماعاتها الوزارية، رفضها القاطع لأي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو المساس بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وفي المجال الاقتصادي والتنموي، تابعت الجامعة تنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030، وعقدت اجتماعات متخصصة لمجالس وزارية عربية في مجالات الاقتصاد والشؤون الاجتماعية والطاقة والنقل، بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي، وتنسيق السياسات التنموية، ودعم الدول العربية الأقل نموا، مع اهتمام خاص بملفات الأمن الغذائي والطاقة والتغير المناخي.
وعلى الصعيد الاجتماعي والانساني، كثفت الأمانة العامة جهودها لدعم القضايا الإنسانية، خاصة في فلسطين والسودان واليمن، ودعت إلى توفير الدعم الإغاثي العاجل، وحماية المدنيين، واحترام القانون الدولي الإنساني، إلى جانب تنظيم فعاليات معنية بحقوق الإنسان، وتمكين المرأة والشباب، والحفاظ على الهوية الثقافية العربية.
الصعيد التنموي والاقتصادي
عقدت القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في بغداد عام 2025، بالتزامن مع القمة العربية الرابعة والثلاثين، في إطار سعي جامعة الدول العربية إلى تعزيز مسارات العمل العربي المشترك في المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، ومواجهة التحديات المتراكمة التي فرضتها الأزمات الإقليمية والدولية على الاقتصادات العربية.
وخرجت القمة بحزمة من القرارات الاستراتيجية التي استهدفت دعم التكامل الاقتصادي العربي، حيث أكدت ضرورة تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وإزالة المعوقات التي تحد من انسياب السلع والخدمات بين الدول العربية، وتشجيع الاستثمارات العربية البينية، بما يسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي وتعزيز الاعتماد المتبادل بين الاقتصادات العربية.
واعتمدت القمة استراتيجية عربية محدثة للعمل الاقتصادي والاجتماعي المشترك، تضمنت إطارًا عامًا لتنسيق السياسات التنموية بين الدول العربية، وتعزيز دور المجالس الوزارية العربية المتخصصة في متابعة تنفيذ البرامج والمشروعات المشتركة، مع التأكيد على تحويل القرارات إلى برامج قابلة للتنفيذ.
وفي ملف الأمن الغذائي، أعلنت القمة اعتماد استراتيجية عربية شاملة للأمن الغذائي للفترة 2025 – 2035، بهدف مواجهة التحديات المرتبطة بتقلبات الأسواق العالمية وسلاسل الإمداد، وزيادة معدلات الانتاج الزراعي العربي، وتعزيز التكامل الزراعي، ودعم الدول العربية الأكثر تضررًا من أزمات الغذاء.
كما ناقشت القمة سبل تطوير التبادل التجاري العربي، وطرحت مقترح إنشاء مجلس وزاري عربي متخصص للتجارة، يتولى تنسيق السياسات التجارية العربية، ومتابعة تنفيذ الاتفاقات الاقتصادية، بما يسهم في تعميق التكامل الاقتصادي العربي.
وأولت القمة اهتماما خاصا بملف التحول الرقمي والابتكار، حيث أكدت أهمية توظيف التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في دعم الاقتصادات العربية، وتحسين كفاءة الخدمات العامة، وبناء القدرات البشرية، وتشجيع ريادة الأعمال والاقتصاد المعرفي، خاصة بين الشباب.
الحماية الاجتماعية
وفي الجانب الاجتماعي، شددت القمة على ضرورة تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، ودعم السياسات الرامية إلى الحد من الفقر والبطالة، وتحسين خدمات التعليم والصحة، وتمكين المرأة والشباب، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة 2030.
كما أكدت القمة أهمية دعم جهود إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي في الدول العربية المتأثرة بالنزاعات، والدعوة إلى تنسيق الجهود العربية والدولية في هذا المجال، وربط إعادة الإعمار بالتنمية المستدامة وبناء المؤسسات الوطنية.
وفي ختام أعمالها، شددت القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية - التي عقدت في بغداد - على ضرورة متابعة تنفيذ القرارات الصادرة عنها، وكلفت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والمجالس الوزارية المختصة برفع تقارير دورية حول ما تحقق من تقدم، بما يضمن فاعلية مخرجات القمة وتحقيق أهدافها التنموية.





