مع بداية سنة جديدة، نفتتح صفحة جديدة من حياتنا، سنة تحمل أحلامنا وطموحاتنا، وكل ما لم نحققه في الماضي .. لكن هل فكرت يومًا في خططك للعام الجديد؟ هل التخطيط وحده كفيل بالنجاح، أم أن هناك شيئًا أعمق يجب أن نبنيه أولًا؟
ولماذا نفشل أحيانًا رغم أننا نصيغ أهدافنا بدقة؟ هل المشكلة حقًا في الخطط… أم فينا نحن، في حدودنا، وفي صلابتنا النفسية؟
رغم أننا نكتب أهدافنا بدقة، كثير من الناس يفشلون في تحقيقها، فالحقيقة أرقامها أحيانًا أكثر صدمة من الفشل نفسه، إذ تشير أبحاث من جامعة سكرانتون في ولاية بنسلفانيا الأمريكية إلى أن 92% من الناس يفشلون في تحقيق قرارات السنة الجديدة التي يكتبونها في بداية العام، بينما فقط 8% منهم ينجحون فيها فعليًا طوال العام، بل إن 43% يتخلون عنها قبل نهاية أول شهر من السنة، و23% يستسلمون بعد أسبوع واحد فقط، فيما يؤكد تقرير "إحصاءات تحديد الأهداف" الصادر عن موقع "تقارير التعليم ZipDo" في 30 مايو 2025 أن 14% فقط من البالغين لديهم أهداف مكتوبة وواضحة أمامهم، و90% من الأشخاص ذوي الأداء العالي يراجعون أهدافهم بانتظام، بينما 80% لا يفعلون ذلك، وهناك 3% فقط من الناس لديهم خطة واضحة مفصلة لتحقيق أهدافهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للفشل الذريع رغم النوايا الطيبة.
هذه الأرقام لا تعني أن التخطيط عديم الفائدة، بل تبرز أن التخطيط وحده لا يكفي إذا لم يكن واقعيًا، عمليًا، ومصممًا ليواجه ما لا يمكننا التحكم فيه في الحياة الواقعية، فكثير منا يصيغ أهدافه بإحساس حماسي، متجاهلًا الضغوط والمفاجآت، ما يجعل الخطة تنهار عند أول صدمة، تمامًا مثل قائمة السنة الجديدة، التي تقرر أن تلتزم بها دون أن تضع في الحسبان الظروف المتغيرة التي قد تواجهها.
إضافة إلى ذلك، نخلط أحيانًا بين الطموح وبين جلد الذات؛ نضع أهدافًا كبيرة ونقسو على أنفسنا عند أي تقصير، ونقارن أنفسنا بالآخرين، فيصبح الشعور بالإحباط وفقدان الثقة بالنفس هو السائد بدلاً من أن تكون الخطة وسيلة للتحفيز والدعم.
لكي نتجاوز هذا الفشل المتكرر، لا يكفي التخطيط وحده، بل يجب أن نبدأ من الداخل، بناء صلابة نفسية وحدود واضحة لأنفسنا، فالصلابة النفسية ليست قسوة، بل القدرة على الثبات أمام الصدمات، على الاستمرار رغم التعثر، وعلى حماية الذات دون شعور بالذنب أو فقدان الثقة بالنفس، والحدود النفسية تساعدنا على معرفة متى نقول "لا" ومتى نحمي طاقتنا ووقتنا ومشاعرنا، بدل أن نصرفها في تبريرات لا تنتهي أو محاولات لإرضاء الجميع، فالشخص الذي يمتلك صلابة وحدودًا يعرف كيف يحمي نفسه، وكيف يتجاوز الضغوط، وكيف يعيد المحاولة عند الفشل.
وبالطريقة نفسها، تتحقق الأهداف بشكل طبيعي، ليست مجرد قوائم أو خطط مكتوبة، بل نتيجة حتمية لشخص يعرف قيمته، ويضع أولوياته، ويتصرف بحكمة ضمن إمكانياته وظروفه، الصلابة النفسية تجعلنا ننجز، حتى لو لم نخطط لكل خطوة، لأننا نمتلك القدرة على التكيف، وإعادة ترتيب المسار، والاستمرار رغم كل ما يعترض طريقنا.
ربما لا نحتاج إلى عام جديد مليء بخطط محكمة، بقدر ما نحتاج إلى نفس تعرف كيف تصمد عندما تنهار الخطط، وإلى قلب أمتن وحدود أوضح تحميها من كل ما يسلب طاقتها، فهل نراجع دفاتر التخطيط هذه المرة؟ أم نبدأ من الداخل، ببناء صلابة وحدود تجعلنا قادرين على مواجهة أي صدمة، وتحويل أي فشل إلى خطوة نحو الأمام؟





