السبت 27 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

المقاومة بالياسمين.. في نصوص هالا الشعار

المقاومة بالياسمين..
المقاومة بالياسمين.. في نصوص هالا الشعار
كتب - محمد نسيم

يقول الشاعر الياباني، ناتسوم سوسيكي، عن كتابة الهايكو: "لنفترض أنك غاضب، اكتب حول هذا الغضب، وسيتبدى لك فورا أنك تصف غضب الآخرين.. لا يمكن لأحد أن يكون في غضب ويكتب الهايكو في الوقت نفسه".

الهايكو هو قصيدة قصيرة، شديدة البساطة، من عبارة واحدة، تُكتب على ثلاثة أسطر، تعتمد على المشهدية والصورة الحسية الخالية من المجاز والعواطف والانفعالات الصارخة.

شكل جديد من أشكال الكتابة الشعرية، رأى فيه الشعراء عموما ــ والشعراء العرب منهم مؤخرا ــ ما يصلح للتعبير عن عالمهم الجديد، بعد أن استنفدت كل الأشكال الشعرية الأخرى (مثل الشعر العمودي، والحر، وقصيدة النثر) كل إمكانياتها في التعبير، من وجهة نظرهم.

التجرد والحيادية والموضوعية، بالإضافة إلى البساطة الشديدة، التي ينبغي أن تتوافر عند كتابة الهايكو، أو حتى عند قراءته بتأمل وعمق، تمنح الكاتب والقارئ سلاما نفسيا يعالج الغضب أو أي انفعال سلبي آخر.

ربما كان هذا سببا من أسباب انتشار الهايكو ــ هذا الشكل الشعري الجديد، الذي لم يعرفه العرب إلا متأخرا ــ في سوريا أكثر من البلدان العربية الأخرى، التي تتمتع بقدر أكبر نسبيا من الاستقرار.

حيث وجد كثير من الشعراء السوريين، خصوصا من شعراء قصيدة النثر، في الهايكو وسيلة من وسائل المقاومة، مقاومة الواقع الكئيب والجنوني والمتوحش، الذي فرض نفسه ــ فجأة ــ عليهم، طوال السنوات السبع الماضية.

...

الشاعرة السورية هالا الشعار، من شعراء قصيدة النثر المعاصرين، ينهل شعرها، عموما، من المعين نفسه الذي ينهل منه معظم الشّعراء السّوريين المعاصرين، وهو مأساة الحرب الأهلية السورية، وقد صدرت لها، عن دار "الينابيع"، بدمشق، سنة 2016، مجموعة شعريّة بعنوان "سلالة السّرو".

أما في مجال قصيدة الهايكو، التي كتبتها مؤخرا، فتتجلى في نصوصها، بوضوح، هذه المقاومة الجمالية، بنصوص هايكو تتميز برقة ورشاقة الياسمين، وقد صدر لها ــ إلكترونيًّا ــ في هذا المجال عدة مجموعات هايكو.

فيما يلي، نصوص مختارة من مجموعتها (لمحة حياة)، المنشورة إلكترونيا ضمن سلسلة "شعراء نادي الهايكو العربي"، وهي ــ كأكثر نصوص الشاعرة ــ تتناول لقطات بسيطة لها علاقة ــ بشكل أو بآخر ــ بتفاصيل الحرب الأهلية السورية وتداعياتها، وتجلياتها في الحياة اليومية للإنسان السوري.

لنرى كيف تعمل رقة وبساطة لغة الهايكو وصوره وتراكيبه، في محاولة مقاومة بعض ما يضغط على واقعنا المعاصر من قبح وشرور.

...

 

(شُموخ)

دويٌّ هائلٌ

الجميعُ على الأرضِ

شامخةٌ هذه الياسمينة

...

(لا مُبالاة)

رَصاصٌ بعيدٌ

اليمامةُ تحتمي بشُرفتي

الياسمينُ لا يُبالي

...

(رحيل)

دونَ عويلٍ أو جنازٍ

تودِّعُ أزهارَها المتساقطةَ

ياسمينتي

...

(أحراش)

عليكَ أنْ

تدَعَها تمُرُّ بهدوء

أفعى هذه الأحراش

...

(مُسعف)

خلفَ عربةِ الإسعافِ

يهرَعُ حاملا

حقيبةً مدرسية

...

(نُزوح)

التلميذةُ النازحةُ

تحاولُ ألّا يدخلَ الماءُ

ثقبَ حذائها

...

(ابتسامة)

رغمَ النزوحِ

والتهابِ الكبدِ، تلميذي

يُتقنُ ابتسامتَه

...

(فِرار)

بينَ ذراعيها

قفصٌ وطائر، الصغيرةُ

الهاربةُ من المعركة

...

(هجرة)

فوقَ كلِّ المُدنِ

التي لا أستطيعُ أن أزورَها

يُحلِّقُ الطيرُ المُهاجر

...

(إكليل)

حربٌ في المدينةِ

كلاهما يغمُرُهُ الوردُ

القاتلُ والقتيل

...

(ضباب)

ليس ضبابًا

مُثقلا جناحُهُ بغبارِ المعاركِ

يُحلِّقُ السنونو

...

(قوس قزح)

قليلٌ من المطرِ

فوقَ المدينةِ المُدَمَّرةِ

ها هو قوسُ قزح

...

(عشق)

رغمَ الحربِ،

في الشارعِ الخلفيِّ

ثمَّةَ عاشقان

...

(جديلة)

خِلسةً تُرخِي جديلتَها

الصغيرةُ الكارهةُ

للحِصار

...

(ملاجئ)

عواصفُ بَحريّة

هل تملكُ الأسماكُ

ممراتٍ آمِنَة

 

 
 
 
تم نسخ الرابط