القضاء الإداري: بدل التكنولوجيا للصحفيين يصرف مدى الحياة وليس منحة
كتبت - وفاء شعيرة
أرست محكمة القضاء الإداري مبدأ قانونيا مهما يقضى بأحقية جميع الصحفيين المقيدين بجدول المشتغلين بنقابة الصحفيين، صرف بدل التكنولوجيا والمراجع سواء عملوا في مؤسسات صحفية أو خارج هذه المؤسسات ولا يستثنى أحد وبأثر رجعى، ومن ثم أحقية المحالين للمعاش - الذين اكتمل عطاؤهم داخل مؤسساتهم - المقيدين بجدول المشتغلين ويعملون بمؤسسات صحفية أو خارجها أو لم يعملوا أحقيتهم في البدل.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار طه سعيد وبعضوية المستشارين الدكتور خالد عبد الفتاح وأحمد فوزى الخولي وشريف عبد الغنى بإلغاء قرار نقابه الصحفيين بالامتناع عن إدارج الزميل مصطفى ثروت مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط السابق ضمن كشوف المستحقين للبدل، اعتبارا من 9-12-2014 تاريخ انتهاء عمله في وكالة أنباء الشرق الأوسط وحتى الآن مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزامها ووزير المالية بصرف البدل لجموع الصحفيين وإن كانوا على المعاش.
وقالت المحكمة إن الصحفي المدعى يستحق بدل التكنولوجيا والمراجع من تاريخ انتهاء عمله في الوكالة - أ ش أ - وان هذه البدلات يجب أن تكون للصحفيين كافة ولا يستثنى أحد وهو من ضمن الصحفيين الذين يعملون خارج المؤسسات الصحفية وبالتالي من حقه الحصول على هذه البدلات أسوة بالصحفيين العاملين في تلك المؤسسات، وقد أوجب الدستور مساواة ذوى المراكز المتماثلة، ومن ثم امتناع الجهة الإدارية عن صرف البدل للزميل - معاش - يعد مخالفا للقانون.
وكانت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية منذ 25 يونيو 2013 قد أصدرت برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة لحكمها التاريخي في القضية رقم 2562 لسنة 67 ق لصالح أحد الصحفيين على المعاش وجموع الصحفيين بإلزام المجلس الأعلى للصحافة الذى حل محله الهيئة الوطنية للإعلام بالتضامن مع وزير المالية بمنح أحد الصحفيين بدل التدريب والتكنولوجيا، باعتباره مقيداً بجدول نقابة الصحفيين وصرف الفروق المالية أخصها إلزام الدولة باتخاذ إجراءات منح ذلك البدل لجميع الصحفيين المقيدين بجدول النقابة واعتباره جزءً من الراتب أياً كانت الصحيفة التي يعملون بها قومية أو مستقلة أو حزبية أو وكالات أنباء وسواء كانت مطبوعة أو رقمية. باعتبار أن العاملين بالكلمة لا يتوقفون إلا حينما تنتهي الحياة لم يصدر مجلس النواب حتى الآن أي تشريع بتقنين هذا البدل وزيادة قيمته.
قالت المحكمة إن بدل التدريب والتكنولوجيا حقا لصيقا للصحفيين وليس منحة من الدولة وانه اكتسب منزلة في ضمير الدولة أكثر من عشرين عاما وأصبح عرفا إداريا من القواعد الراسخة في القانون الاداري لا يجوز مخالفته. وأن الحكمة من تقرير ذلك البدل هي التسلح التكنولوجي لتنمية مهارات العمل الصحفي وتذوق الفن المهني للوفاء بحق الشعب في المعرفة مشيرة إلى أن قيمة البدل ضئيل ولا يتناسب مع كرامة الصحفيين ولا يجب وقوفهم موقف المستجدي من السلطة التنفيذية وعلي الدولة إعادة تقديره عند تقنينه ليعبر عن حقيقة العصر.
وأكدت أنه يجب أن تدرك الدولة في يقين قياداتها أن الصحافة المصرية تحققت لها الريادة في أوائل القرن الماضي لحريتها واقتربت من مقاييس الأداء العالمية، وأنه يجب تسليح الصحفيين بالتكنولوجيا المهارية لتكون عابرة للحدود والقارات.
وأضافت المحكمة أن الصحافة مهنة البحث عن الهموم والمتاعب وليس الغنائم والمكاسب، وشاركت في إثراء الحركة الوطنية والبناء الديمقراطي ولا يجب تكبيل حركة الصحفي لتحويله إلى مجرد موظف لكبت قدراته المهنية لمواجهة التطور التكنولوجي في علم الصحافة. وأن الغاية من ذلك معايشة واقع الحياة المهنية إلى يعيشها الصحفيون في سبيل أداء رسالتهم النبيلة وتفاعلا منها مع ظروف الواقع الصحفي وما يحتاجه من أدوات مهنية للتدريب واستخدام التقنيات الحديثة في وسائل التكنولوجيا والاتصال في دقائق العمل الصحفي.
وأشارت المحكمة إلى أن نقابة الصحفيين بتاريخها العريق تتحمل مسؤوليتها التاريخية للزود عن حقوق الصحفيين تجاه الدولة التي نطق بها هذا الحكم حقا وعدلا وصدقا، وأشارت المحكمة إلى أن القصد من منح هذا البدل هو إتاحة الفرصة أمام الصحفيين للاستعانة بأدوات العصر للمساهمة في تنمية مهارات العمل الصحفي ولمواجهة التحديات التي تلازم تطور صناعة الصحافة من فنون التحرير الصحفي والإخراج الصحفي وجمع المعلومات والطباعة وإدارة المؤسسات الصحفية والإعلان، وما يقتضيه ذلك من مهارات تذوق الفن المهني.
القصد من منح البدل إتاحة الفرصة أمام الصحفيين للاستعانة بأدوات العصر للمساهمة في تنمية مهارات العمل الصحفي ولمواجهة التحديات:
وذكرت المحكمة أن المحكمة تجد لزاماً عليها أن تبين الحكمة من تقرير بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين لبيان مدى أهميته بالنسبة لمهنة الصحافة، فهذا البدل مقرر لمواجهة أدوات العصر ومستحدثاته نتيجة للتطور الهائل المذهل في العلوم ووسائل التكنولوجيا اللازمة لمهنة الصحافة وعلى قمتها تكنولوجيا الاتصال بدءاً من الهاتف المحمول والآي باد ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي وغيرها من الأدوات المتلاحقة التي يستخدمها الصحفي في تحميل الأخبار والمعلومات بسرعة مذهلة وهي أدوات العصر التي أضيفت إلى الصحافة التقليدية المسماة بالورقية فاضحي تأثيرها لازماً للعصر خادماً للحقيقة ساحراً للكلمة دون التغول عليها فضلاً عما يحتاجه الصحفي من دورات تدريبية وبعثات داخلية وخارجية ومقررات تأهيلية، وأن القصد من منح هذا البدل هو إتاحة الفرصة أمام الصحفيين للاستعانة بأدوات العصر للمساهمة في تنمية مهارات العمل الصحفي ولمواجهة التحديات التي تلازم تطور صناعة الصحافة من فنون التحرير الصحفي والإخراج الصحفي وجمع المعلومات والطباعة وإدارة المؤسسات الصحفية والإعلان فضلاً عما يقتضيه ذلك من مهارات التذوق والنقد الفني، وبهذه المثابة فإن تقرير هذا البدل يبدو لازماً للحياة المهنية للصحفي وبدون استعانة الصحفيين بأدوات التكنولوجيا فلا يمكنهم القيام بوظائفهم الأساسية في الوفاء بحق الشعب في المعرفة، ولا تستطيع الصحافة التعبير عن الرأي العام وتوجيهه وفى وضع الحقائق أمام أعين الشعب وتبصيره بما يجري حوله، وبما تقدمه للمواطنين من أنباء وآراء، بحسبان أن حق المواطنين في المعرفة هو جوهر العمل الصحفي وغايته وهو ما يستوجب ضمان التدفق الفوري المباشر للمعلومات وتمكين الصحفيين من الحصول عليها من مصادرها بما يستوجب إسقاط أية قيود تحول دون نشرها أو أية قيود تنال من حق الصحفي في الاستعانة بمستحدثات تكنولوجيا العصر اللازمة للمهنة.
قيمة البدل ضعيفة لا تتناسب مع كرامة الصحفيين، ينبغي على المشرع تقنينه وزيادته:
قالت المحكمة إن ما قررته نقابة الصحفيين والمدعى من أن قيمة ذلك البدل هو 762 جنيه لا يكفي لتغطية نفقات المهنة ومن ثم يغدو هذا المبلغ في ضوء مواجهة مستحدثات التكنولوجيا من قبيل اللغو بالنظر إلى عدم مناسبته مع ما يتكبده الصحفي من نفقات ومصروفات في سبيل تزوده بأحدث وسائل التكنولوجيا في علم الصحافة مع هذا المبلغ الضئيل ولا يتناسب بذلك مع كرامة الصحفي المهنية، مما يستنهض عدل المحكمة في مناشدة المشرع في إعادة تقدير قيمة البدل المشار إليه عند تقنينه، حتى يكون ذلك معبراً عن حقيقة العصر وما يلازمه من تكاليف مستحدثات وسائل التكنولوجيا، التي أضحت حقيقة متطلبة في جميع مراحل أدوات العمل الصحفي، سيما أن الصحفيين يتعرضون أثناء ممارستهم المهنة لمخاطر جسيمة قد تودى بحياتهم نتيجة البحث عن الحقيقة.
وهو ما يتوجب معه أن يكون تقرير ذلك البدل متناسباً وحقاً لصيقاً لمهنة الصحافة وليس منحة من الدولة إن شاءت منحتها تارة، وإن رغبت منعتها تارة أخرى مما يتوجب تقنينه من الدولة بعد أن صار من مستلزمات المهنة فلا يجب بعد ثورة الشعب ضد كل مظاهر الفساد أن يتم التقطير في الأرزاق على الصحفيين بل يتعين الحيلولة دون وقوفهم موقف المستجدي من السلطة التنفيذية.
الصحافة مهنة البحث عن الهموم والمتاعب وليس المغانم والمكاسب، مصر أول من أدخل الصحافة إلى المنطقة العربية:
وأضافت المحكمة أنه لا يفوتها أن تشير إلى أن الصحافة المصرية هي مهنة البحث عن الهموم والمتاعب وليس البحث عن المغانم والمكاسب وأن مصر أول من أدخل الصحافة إلى المنطقة العربية التي شاركت بتاريخها المجيد في إثراء الحركة الوطنية وإرساء حجر الأساس في البناء الديمقراطي وأن رواد القلم قدموا تضحيات رائعة على رأسهم عبد الله النديم وتوالى نضال أجيال الصحفيين دفاعاً عن الحريات المهنية والعامة باعتبار أن حرية الصحافة الركن الركين في الضمير العام للأمة، فضلا عن العديد من التحديات التي يتعرض لها الصحفي تحول دون أداء رسالته على الوجه لأكمل منها التلويح دائماً بإلغاء تقرير ذلك البدل فضلاً عن التوسع في تكبيل حركة الصحفي في بعض التشريعات لتحويله إلى مجرد موظف حتى لا تظهر قدرته الحقيقية وإسهاماته المهنية ومثل تلك الأمور تضع المهنة في مأزق تفقد فيها مصر ريادتها أمام التقدم والتطور التكنولوجي التي تميزت به الصحافة الحديثة، وهو ما يتوجب على الدولة صرف ذلك البدل وعدم التفرقة بين أعضاء المهنة الواحدة رغم تماثلهم في مراكزهم القانونية بالقيد في جداول نقابة الصحفيين.
صحافة مصر في بداية القرن الماضي اقتربت من مقاييس الأداء العالمية وبناء شخصية الصحفي الموسوعي في عالم التخصص هي بمثابة القاعدة الصلبة للانطلاق لآفاق رحبة:
ومن حيث إن المحكمة – وهي جزء من نسيج هذا الوطن – تسجل أنه يجب على الدولة في ثوبها الجديد سيما بعد ثورة 25 يناير 2011 أن تدرك في يقين قيادتها المسؤولة أن الصحافة المصرية قد حققت منجزاتها الأساسية ثقافياً ومهنياً عندما تمتعت بالحرية في بداية القرن الماضي مما وضعها في موقع الريادة العربية واقتربت من مقاييس الأداء العالمية وأن الرقي المهني وبناء شخصية الصحفي الموسوعي في عالم التخصص هي بمثابة القاعدة الصلبة للانطلاق لآفاق رحبة، وأن الإبداع غير المقيد هو قرين الحرية وهي تشكل البنية الأساسية لبناء الحصن المنيع للدفاع عن حقوق المجتمع، وأنه إذا كانت طبيعة المهنة قد فرضت على أبنائها التضحية بأرواحهم من أجل أداء رسالتها المقدسة، فإنهم كذلك يتكبدون نفقات ومصروفات مالية لكي يضاعفوا قدراتهم المهنية ليتسلحوا بالتكنولوجيا المهارية، خاصة في هذا العصر الذى تتميز فيه أنواع المعرفة بالتجدد والتطور، وهو ما يجب ألا يغيب عن ذهن وعقل الدولة لتجعل من الصحافة المصرية صحافة عابرة للحدود والقارات وتكون قادرة على مخاطبة الرأي العام فتكسب ثقته وتضاعف احترام الآخرين لوطننا وهذا لن يتحقق إلا عندما توفر الدولة للصحفيين ما يمكنهم من أن يتسلحوا جميعاً كأبناء المهنة الواحدة بلا تمييز بكل مقومات الريادة وعلى قمتها بل في أعلى مدارجها التسلح التكنولوجي والتأهيل التدريبي المتصل والمستمر، والذى كشفت عنه الدعوى الماثلة.



