الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

شاعر شامي يكتب قصيدة مدح والعالم كله يُخفيها

شاعر شامي يكتب قصيدة
شاعر شامي يكتب قصيدة مدح والعالم كله يُخفيها
كتب - محمد نسيم

تراث مدفون (9)

(نصوص عربية، ننفرد بنشرها)

...

هذا المخطوط من مقتنيات دار الكتب القومية بمصر، ولا يزال قابعا في الظلام.

وكما نفهم أن تقوم دار نشر لبنانية بنشر ديوان الشاعر أمين الجندي كاملا، إلا هذه القصيدة الرائعة، كذلك نفهم أن يتم تجاهلها من المصريين وغيرهم.

القصيدة، التي ننفرد بنشر أجزاء منها هنا، تتكون في 180 بيتا، وهي في مدح محمد علي باشا وأبنائه، خصوصا إبراهيم باشا، قائد جيوش والده وفاتح الشام والحجاز وغيرهما.

تجاهل الشاميين للقصيدة لا شك أنه لأسباب سياسية وتاريخية وطائفية، أما تجاهل المصريين فهو غير مستغرب أيضا؛ فلا يزال عصر محمد علي واقعا بين كره الإسلاميين له من ناحية، وتشويه الناصريين وغيرهم من ناحية أخرى.

القصيدة الطويلة الرائعة من نظم الشاعر الشيخ أمين الجندي، الحمصي، ونستطيع أن نُعرِّفه، باختصار، في هذه الأسطر التالية:

أمين بن خالد بن محمد بن أحمد الجندي العباسي القرشي (1766-1841 م) شاعر سوري من أعيان مدينة حمص، مولده ووفاته فيها، تردد كثيرا إلى دمشق فأخذ عن علمائها وعاشر أدباءها، تقرب من إبراهيم باشا المصري لما فتح الشام (1832م) لكونه ممن دعا إلى نبذ حكم الأتراك. ورافقه إلى مصر، وقدمه إبراهيم باشا إلى والده محمد علي وعلماء مصر، فأعجب به الجميع. واصطحبه إبراهيم باشا إلى لبنان، وحل في ضيافة الأمير بشير الشهابي، ثم رجع إلى وطنه حمص.

كان له دور في إبعاد اليهود عن مناصب الدولة ومراكز الحسبة وإدارة أمور الحج وحفظ الدفاتر، إذ أرسل إلى السلطان العثماني بقصيدة تعالج هذا الموضوع، فحقق في ذلك السلطان وأمر بالدفاتر أن تعرّب بعد أن كانت تُكتب بالعبرية.

تستمد القصيدة أهميتها ــ بالإضافة لقيمتها الأدبية ــ من تسجيلها لأحداث مرت بها مصر، من وجهة نظر أدبية، وجهة النظر تلك التي يندر وجودها في فترات زمنية مختلفة، ربما تكون أهم من وجهة النظر التاريخية الطبيعية المدوّنة بطريقة تقليدية.

ولطول القصيدة، نختار منها بعض الأبيات، من أولها، بعضها في مدح محمد علي باشا، وبعضها في الكلام عن فساد الحكم التركي العثماني في تلك الأيام، وأبيات من بداية مدح الشاعر لإبراهيم باشا، ابن محمد علي باشا.

...

مقدمة المخطوط

بسم الله الرحمن الرحيم.

هذه القصيدة التي سارت بها الركبان، و(أقرت بالبلاغة عنها على البيان)، نظم العالم العامل، والأديب الماهر الكامل، نابغة الزمان، و(فنان) العصر والأوان، السيد الشيخ محمد أمين الجندي، أخذ بيده المعيد المبدي، مادحا بها حضرة الحسام القاطع، والشهاب الساطع، ذا السدة الباذخة، والذروة التي هي على ذوائب الجوزاء شامخة، عزيز مصر القاهرة، وقامع الفئة الباغية الفاجرة، متعنا الله بطول حياته، وغمرنا بجزيل هباته.

وقد اشتملت على ذكر الفتوحات الساحلية، والبلاد الشامية، وغالب البلاد الرومية، إلى أدنة المحمية، معرضا بمدح أبنائه الكرام، الوزراء الفخام، لا سيما صاحب هذا العقد النظيم، الوزير المشير إبراهيم، المخصوص بالفتح والإسعاد، من رب العباد.

...

القصيدة

عَرِّجْ أخَا البأسَا لِنَحْوِ بني العُلا .:. والثُم ثرى أعتابِهم مُتذلِّلا

إني رأيتُ العِزَّ من شدقاتهم .:. لَمَعَتْ بوارِقُهُ وأَوْمَضَ وانجلى

والحرُّ لا يرضى بحملِ مَذَلَّةٍ .:. ولو اغتدى فوقَ الرمالِ مُجَنْدَلا

يغنيه ضمُّ كعوبهِ عن كاعِبٍ .:. وعناقُ بِيضِ الهِنْدِ عن بِيضِ الطَّلى

وبجلْبةِ الهيجاءِ: شربُ دمِ العِدا .:. أشهى له من شربِ كاساتِ الطِّلى

ولسمعه يحلو صهيلُ الخيلِ، لا .:. لحنُ الغناءِ وصوتُ خَشْخَشَةِ الحِلى

جعل الأريكةَ صَهْوَةً نَجْدِيَّةً .:. والمُتَّكَا سُمْرَ القنا والمَنْصِلا

يهوى اللهاذمَ والرماحَ، وغيرُهُ .:. يهوى الغزالةَ والغزالَ الأكحلا

فدَعِ التعجبَ مِنْ شجاعةِ مَنْ مضى .:. مِنْ قبلُ، واتركْ عامِرًا ومُهَلْهَلا

وزِنِ الرجالَ، فإنَّ مِنْ أفرادِها .:. مَنْ لا يُزانُ بألفِ ذاتٍ في المَلا

يا صاحِ، إن جلَّتْ خطوبُك أو عدا .:. صرف الزمان ولست تلقى موئلا

يمم ذرى علم الشهامة والعُلا .:. وبظله الممدود كن متظللا

فهو الإمام البر، والبحر الذي .:. منح المنائح للعفاة وأجزلا

مولى كبسم الله ظل مقدما .:. في كل مرتبة على أهل الولا

ملك بدا في صورة بشرية .:. فلذا يبيت لربه متبتلا

بسعادة الدارين فاز، مع الأولى .:. نودوا: ألست بربكم؟ قالوا: بلى!

فاق الأوائل سؤددا وفخامة .:. وسما الأواخر رفعة وتفضلا

إنْ عُدَّ في المتأخرين فإنه .:. ختم، وختم الرسل أشرفهم عُلا

بحر يرى مثلي مدائحَ مثله .:. فرضًا إذا هو بالنوال تَنَفَّلا

لا زال غيثُ الجودِ من راحاته .:. مُتجسما مُتصببا مُتهطلا

فالمحْ كمالا بالفخار متوجا .:. والحظ جمالا بالوقار مجللا

تلقاه عند البأس جمرا مُسعَرًا .:. وتراه يوم الأنس روضا مخضلا

أضحى سميًّا للرسول وصنوَهُ .:. فغدا حَرِيًّا بالمحامد والعُلا

ولقد غدا الدين الحنيف بسيفه .:. يفترُّ عن ثغرِ السرورِ تهلُّلا

كم منكرات قد أزال وجودها .:. عنا، وكم من باطل قد أبطلا

شهم إذا زارت ضراغمُ بأسه .:. نهشتْ أراقمُهُ الجوانحَ والكُلى

ما جَرَّ جيشا للجهاد محاربا .:. إلا وجر الرعب جيشا أولا

ذو همة علوية لو صادمت .:. في الحرب طودا شامخا لتزلزلا

فلنا الهناء معاشر الإسلام في .:. حكم به قدر الشريعة قد عَلا

هذا ولما فاض جور الترك في .:. ظلم العباد وصار أمرًا مُشكِلا

وتظاهرت عمالهم بمفاسد .:. ومظالم وحوادث لن تقبلا

وتمسكوا بالبدعة السوداء لا .:. بالسنة الغراء فارتد على

ظنوا بأن الله ليس يذيقهم .:. بؤسا وأن طغاتهم لن تخذلا

والله غير ما بهم من نعمة .:. لما تغير حالهم وتبدلا

وقضاتهم للسحت قد أكلوا فهل .:. أبصرت حيا من مضرتهم خلا

نبذوا الشريعة من وراء ظهورهم .:. وعتوا وزادوا في الضلال توغلا

ومشايخ الإسلام أصبح جهلهم .:. عِلْمًا، فلم ترَ قط منهم أجهلا

حتى إذا ما الله أنفذ حكمه .:. في دولة الباغين أن تتحولا

وأقام في مصر لنصرة دينه .:. شهما شجاعا محسنا متفضلا

فهناك قام بأمر ربٍّ قادرٍ .:. بالحق يصدع، وهو أعدل مَنْ ولى

واستلَّ سيفا ما له مِنْ غامدٍ .:. للفتح قام مُكبِّرا ومُهَلِّلا

أعني خليلَ الحربِ إبراهيمَ، مَنْ .:. لرِكابِه الجيشُ العرمرمُ قد تلى

هو سيدُ الوزراء، درةُ عقدهم .:. وأجلُّ من بالمكرمات تسربلا

تم نسخ الرابط