الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

"بوابة روز اليوسف" تتبع شجرة العائلة لأحفاد ضحايا دنشواي

بوابة روز اليوسف
"بوابة روز اليوسف" تتبع شجرة العائلة لأحفاد ضحايا دنشواي
المنوفية- منال حسين

الأحفاد: نفخر بتضحيات أجدادنا واستشهادهم أوسمة على صدورنا

نسلنا ممتد.. والاحتلال وأذنابه "اتهد" وفي مزبلة التاريخ مأواه

 

"دنشواى".. قرية في ريف مصر انتفض أهلها دفاعا عن الأرض والعرض عندما أصاب جنود الاحتلال الإنجليزي لمصر يوم 13 يونيو من عام 1906، أثناء اصطيادهم الحمام السيدة ”أم محمد“ فلاحة، بطلق ناري تسبب في دخوله في  واشتعال النيران في جرن القمح فظن الأهالي مقتلها.

"دنشواي" شهدت ملحمة بطولية عندما قام أهلها بحبس 3 ضباط إنجليز داخل القرية في حين تمكن آخران من الهروب ولم يكن القدر رحيما بأهالي دنشواي، حيث سقط أحد الضباط الهاربين على الأرض ليفارق الحياة من ضربة شمس أصابته داخل قرية "سرسنا"، وبالرغم من محاولة ”السيد أحمد سعيد“ إسعافه إلا أن الضابط الآخر قام بضربه على رأسه بالبندقية ليسقط أول شهيد من أهالي المنوفية ويطلق عليه بعد ذلك "شهيد المروءة".

وفي خلال ساعات نجحت قوات الاحتلال في محاصرة القرية والقبض على 52 متهما من الفلاحين، وتم تشكيل هيئة المحكمة لتتكون من ”بطرس غالي باشا، رئيس المحكمة، وفتحي زغلول بك، ومستر هيتر، ومستر وانتر بوته، والمدعى العمومي إبراهيم الهلباوي“، الذي كان متطوعا للدفاع عن المتهمين قبل قيام قوات الاحتلال بدفع رشوة له قيمتها 300 جنيه ليطالب بعدها بالإعدام والعقوبات المشددة للمتهمين.

وفي 28 يونيو من عام 1906، قامت قوات الاحتلال باصطحاب المتهمين من دنشواي إلى محكمة شبين الكوم سيرا على الأقدام.

وأصدرت المحكمة برئاسة بطرس غالي أحكامها بالإعدام ضد كل من ”الشيخ حسن علي محفوظ، والسيد عيسي سالم، ويوسف حسن سليم، ومحمد درويش زهران“  وبجلد 8 فلاحين والأشغال الشاقة المؤبدة، ضد 9 آخرين وتبرئة باقي الأبرياء

تفاصيل كثيرة في إعدام الأبرياء على مقصلة الشنق العلنية من الاحتلال الإنجليزي ضد أهل القرية يعلمها المصريون حيث قامت بنصب صوان كبير أمام المحكمة ودعوة جميع المسؤولين بمحافظة المنوفية لحضور النطق بالحكم ليكونوا عبرة لأي منوفي يتجرأ على ضباط قوات الاحتلال، وبذلك يصبح الحكم على أهالي دنشواي هو أسرع حكم في التاريخ.

ولكن هناك سؤال يطرح نفسه: هل لهؤلاء الضحايا أحفاد؟! هذا ما حاولنا الإجابة عنه في تلك السطور

ذهبنا إلى قرية دنشواي للإجابة عن هذا السؤال، وهناك وجدنا أحفاد الشهداء والمحكوم عليهم، يتفاخرون بأمجاد وبطولات أجدادهم، وارتباط أسمائهم بالشهداء، فهم لم يكونوا بعيدا عن الأحداث بالرغم من مرور أكثر من 100 عام على الحادث، بسبب حكاوي الآباء والأجداد لهم بتفاصيل ما حدث، ومن أشهر الأحفاد المستشار حسن السيسي، حفيد المحكوم عليه بالجلد ”محمد أحمد السيسي“، والدكتور مبروك خير الله، دكتور التنمية البشرية وحفيد المحكوم عليه السيد خير الله.

فإذا تتبعنا شجرة عائلة الشيخ حسن محفوظ- أول من نفذ فيه حكم الإعدام- نجد أنه كان له ثلاثة أولاد وهم ”عبد الرحمن، ومحمد، وعلي“ أنجب عبد الرحمن نجله إبراهيم لينجب إبراهيم ”علاء الدين، وسعيد، وخالد“ وهم الأحفاد المتبقية للشيخ والموجودة حاليا بالقرية، خاصة بعد انقطاع نسل نجله الثاني محمد بعد إنجابه لـ”عبد الحميد، وحسن“ الذين لم يستطيعا الإنجاب، أيضا أنجب علي نجله ”محمد أمين“ الذي أنجب بعد ذلك ”هناء، وطارق“ ليتوقف نسله بعد ذلك.

أما عائلة محمد درويش زهران، فكانت تتكون من ”بركات، وفهيمة، وعبد المطلب، وفريدة“ حيث أنجب بركات” محمد، ودرويش، وزهران“ لينجب محمد نجله محمد الذي أنجب جمال الذي أنجب بعد ذلك محمد، الذي أنجب ”ممدوح، ومرتضى، وكرم“، أما درويش فقد أنجب عبد المنعم، الذي أنجب بعد ذلك محمد لينجب درويش، أما زهران الابن الثالث لبركات فقد توفي قبل زواجه.

أما الابن الثاني للشهيد زهران وهو عبد المطلب، فأنجب ”محمد، وفهيمة“ وانقطع نسله بعد ذلك، وتزوجت ”فهيمة وفريدة“ ابنتا الشهيد من خارج القرية.

ونأتي للشهداء ”السيد عيسى سالم، ويوسف حسن سليم“، فلم يكن لهم نسل نظرا لتنفيذ حكم الإعدام بهم قبل زواجهم.

 لم ننس أيضا المتهمين والمحكوم عليهم بـ50 جلدة وسجن لمدة عام، وأهمهم حسن إسماعيل السيسي، والذي أنجب ”السيد، وفاطمة، وست الكل“ لينجب السيد نجله إسماعيل الذي أنجب بعد ذلك ”فتحي، ومبروك، والسيد، وصبحي“ فأنجب فتحي ”عاطف، ومحمود، ومحمد“ وينجب مبروك ”أسامة، وأحمد، وعصام“، وينجب السيد ”إسلام، وأسماء“ كما أنجب صبحي ”مصطفى، ومحمد“.

وبالنسبة للمحكوم عليه إبراهيم السيسي فأنجب ”مبروك، وصابحة“ حيث أنجب مبروك نجله محمد الذي أنجب بعد ذلك مبروك الذي أنجب زكريا لينجب زكريا ”ياسر، وأشرف، وإسماعيل“، والمحكوم الثالث ”محمد السيد علي“أنجب معوض الذي أنجب ”علي، ومحمد، والسيد“ فأنجب السيد ”معوض، ومبروك“.

ومن المحكوم عليهم بالجلد فقط كان السيد الفولي والذي لم يعثر له على أي نسل داخل قرية دنشواي ويرجح الأهالي عدم انتمائه للقرية وتبرعه للدفاع مع الفلاحين وقت الحادثة، أيضا هناك المحكوم عليه ”عبد الهادي شاهين“ الذي أنجب مبروك لينجب محمد الذي أنجب مبروك، الذي أنجب بعد ذلك ”خالد، وناصر، ومحمد، ومنى، وفاطمة“.

ونأتي إلى المحكوم عليه بالجلد ”محمد أحمد السيسي“ فقد أنجب خليل الذي أنجب محمد، الذي أنجب ”عبد الرسول، والحداد“، لينجب الحداد ”ممدوح، ومحمد، وفوزي“ وينجب عبد الرسول ”محمد، ومبروك، وأحمد، ومنيرة“، وينجب مبروك ”إبراهيم، ورضا، وأشرف، ومحمد“.

أيضا المحكوم عليه بالجلد ”السيد خير الله“ أنجب أحمد الذي أنجب مبروك لينجب مبروك ”خير الله، وصقر“وينجب خير الله ”مبروك، وإسلام، وأحمد، وأسامة“، وينجب صقر ”علاء، ومحمود“.

 

 

"بوابة روزاليوسف" حاورت أحفاد الشهيد الشيخ حسن علي محفوظ، البالغ عددهم ثلاثة أحفاد هم المتبقون من نسل الشهيد داخل القرية، وأحفاد الشهيد محمد درويش زهران، وهم أيضا ثلاثة أحفاد، هؤلاء هم من تبقوا من نسل الشهداء، ليرصدوا الملحمة الوطنية ومعرفة أمجاد وبطولات أجدادهم وماذا فعلوا في مواجهة الاحتلال من خلال حكاوي الآباء والأجداد.

 

 

في البداية قال علاء الدين إبراهيم عبد الرحمن حسن محفوظ، حفيد أول شهيد قامت قوات الاحتلال بإعدامه شنقا وصاحب الـ54 عاما ويعمل "معلم خبير": جدي الشيخ حسن محفوظ كان محفظا للقرآن الكريم، وهو أول من تصدى لقوات الاحتلال الإنجليزي فور دخولهم القرية، مضيفا أنه ظل معلقا بالمشنقة لأكثر من نصف ساعة ليكون عبرة للجميع حتى لا يتجرأ أحد بعد ذلك على الضباط والعساكر الإنجليز.

وأضاف شقيقه سعيد إبراهيم صاحب الـ51 عاما ويعمل بمديرية التربية والتعليم بالمنوفية، أن بطولات أهالي قرية دنشواي سطرتها كتب التاريخ بحروف من ذهب، قائلا: ظل والدي وجدي يتحاكيان بما فعله جدي الأكبر الشهيد حسن محفوظ، فلم يخش إلا الله وواجه طلقات الخرطوش الذي وجهتها قوات الاحتلال للفلاحين.

 

أما خالد إبراهيم الحفيد الثالث للشيخ حسن محفوظ وصاحب 49 عاما، ويعمل معلم أول بمدينة العريش بشمال سيناء، يقول: إن جده قام أيضا بمنع الضباط الإنجليز من صيد الحمام مشتبكا معهم بعد إصابة الفلاحة إم محمد وإشعال النيران في جرن القمح، فكان أول من أشعل شرارة الثورة على الضباط الموجودين بالقرية، لذلك اختارته قوات الاحتلال ليكون أول المعدومين.

أما مرتضى جمال محمد محمد بركات محمد درويش زهران، حفيد الشهيد محمد درويش زهران بقول: إنه فخور بما فعله جده وأهالي قرية دنشواي إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر مشيرا إلى أن سبب قيام قوات الاحتلال بتنفيذ حكم الإعدام بجده هو قيامه بضرب الـ5 ضباط الإنجليز وأخذ سلاحهم وإخفائه في منزله.

وأضاف ممدوح جمال محمد الحفيد الثاني لمحمد درويش زهران، أنهم حتى الآن لم يعثروا على أماكن دفن أجدادهم الشهداء بعدما أخفى الضباط والعساكر المصريون أماكن دفنهم بعد تعليمات من قوات الاحتلال، كي لا يتخذوا من مقابر الشهداء مزارا يجسد بطولاتهم ويسجل مجازر الاحتلال بمصر، مضيفا أن نساء القرية ظللن يزرن مكان تنفيذ أحكام الإعدامات لفترة طويلة بشكل يومي كونه المكان الأخير الذي شهد الضحايا نظرا لعدم معرفة أماكن دفن ذويهم.

وأشار كرم جمال محمد الحفيد الثالث، إلى أنه وأشقاءه يعملون داخل متحف دنشواي، معربا عن سعادته عند شرح أحداث المجزرة للزائرين، كونه يعود به لأحداث مأساوية شهدتها القرية كشفت عن بطولات واستبسال الفلاحين أمام طلقات الخرطوش.

 

 

وأوضح رجب شوقي، أحد العاملين بمتحف دنشواي، أنه تم إعدام يوسف حسن سليم الشهيد الثالث، بسبب ضربه أحد الضباط الإنجليز، مشيرا إلى أن المتحف جسد بشكل ميسر حادثة تاريخية مهمة من خلال التماثيل واللوحات الموجودة بداخله، منوها لقيام طلاب المدارس بمراكز محافظة المنوفية المختلفة بزيارة المتحف، نظرا كونه يعد مزارا سياحيا وتاريخيا.

يذكر أن مصر خلدت ذكرى ضحايا حادث دنشواي بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 حيث قام الزعيم جمال عبد الناصر عام 1961 بوضع حجر الأساس لمتحف دنشواي بنفس مكان وقائع الإعدامات والجلد، ويضم صورا ولوحات وتماثيل سريالية وتشكيلية، لتجسد ما حدث، وقد تم تطوير المتحف وافتتاحه على يد المهندس هاني المنياوي في 1 يوليو من عام 1999.

 

 

داخل المتحف نجد بهوا كبيرا في آخره مشنقة وبجوارها تمثال لسيدة تصرخ خوفا من إعدام نجلها مع المتهمين، ومن ورائها فلاح مقيد اليدين ينتظر تنفيذ حكم الإعدام شنقا، هذا التمثال يجسد مدى قوة الفلاح المصري وعدم اكتراثه بحكم الإعدام الظالم، أيضا داخل المتحف نجد ممرا طويلا يوضع على جانبه الأيمن صور ورسومات المذبحة وأمامها على الجدار الأيسر صور لهيئة الدفاع وهيئة المحكمة.

وينتهي بك المطاف بالمتحف إلى قاعة كبيرة جسدت على جدرانها أحداث المذبحة وتنفيذ الأحكام الصادرة من الإعدام والجلد، ومأساة نساء القرية، أيضا تم تجسيد على جدران المتحف ما فعله الزعيم مصطفى كامل ومحاولاته المستميتة لإنقاذ باقي المتهمين من أحكام الحبس.

تم نسخ الرابط