السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

قصة سيطرة أردوغان على الأمن والقضاء .."2"

قصة سيطرة أردوغان
قصة سيطرة أردوغان على الأمن والقضاء .."2"
كتب - عادل عبدالمحسن

تستكمل "بوابة روزاليوسف" اليوم نشر التقرير الذى أعده الصحفي التركي "ياووز أجار" تقريراً موسعاً نشره موقع صحيفة "الزمان التركية" عن المؤامرات التى حاكها الرئيس التركى رجب لإحكام سيطرته على السلطة والتخلص من حلفائه للأنفراد بالحكم  

يقول القرير إن أردوغان في البداية  تحالف مع القوى المحلية والغربية “الناجحة” في الديمقراطية لـ”الوصول إلى السلطة”، ثم نقض هذا التحالف وتحول إلى التحالف مع كل من “الإسلاميين” الذين لا يؤمنون بالديمقراطية أصلاً ويعبترونها “قطارًا” يجب النزول منه في أول محطة بعد “التمكين”، والقوى الشرقية الراسبة أو الضعيفة في الديمقراطية كإيران وذلك لـ”ضمان بقائه في السلطة للأبد”. لذا نرى أن أردوغان بدأ يتخلى عن “القوة الناعمة” في الداخل والخارج بعد حصوله على دعم نصف الشعب التركي في الانتخابات البرلمانية عام 2011 وبدأ يتوجه إلى استخدام “القوة الغاشمة” لزيادة شعبيته وتطبيق مشاريعه في الداخل والمنطقة، لدرجة أن كثيرًا من المحللين، منهم الصحفي المخضرم “علي بولاج”، كانوا يرون أن “روح أرجنكون”   المتوغلة في أجهزة الدولة انتقلت إلى “جسد أردوغان” أو حلت في جسده عن طريق “التناسخ” بعد تسممّه بالقوة والسلطة، وشرع يستخدم الأساليب التي كانت تستخدمها قديمًا تلك العصابة المارقة.

لذلك لما بدأت تحقيقات الفساد والرشوة في 2013 كان أردوغان قد انتهى من وضع الإطار العام لمشروعه الكفيل بإخراجه من هذا المأزق؛ حيث أظهرت التسجيلات الصوتية لجنرالات أرجنكون المسجونين أن أردوغان وعدهم عام 2012 بإخراجهم من السجن شريطة تحالفهم معه في الفترة الجديدة.

كما ذكر الجنرال “جيم عزيز تشاكماك” في المكالمة الهاتفية المسربة مع زميله الجنرال “فاتح إيلجار” أن حكومة أردوغان في صدد إعداد مشروع سيتم تنفيذه قريبًا جدًّا سيخرجون بموجبه من السجن ومن ثم سينتقمون من الذين أودعوهم السجن حتى أطفالهم ونسائهم وشيوخهم. ومن اللافت أنه كان يقول: “تركيا ستعود إلى رشدها وصوابها عبر حرب أهلية. وسترون أننا سنخرج من هذا السجن خلال عام بفضل تعديلات قانونية يجري إعدادها حاليا من قبل الحكومة. وبعد ذلك سيكون ثأرنا شديدًا من الذين حاكمونا وسجنونا، إنهم سيدخلون السجن مكاننا. فنحن سنضعهم في السجن ذاته الذي وضعونا فيه”، وكل ما ورد في هذا التسجيل الصوتي تحوّل إلى حقيقة بعد سنة، إذ اتهم أردوغان أعضاء الأمن والقضاء المشرفين على تحقيقات "أرجنكون" بالانتماء إلى “الكيان الموازي” وأقالهم من وظائفهم أولاً ثم اعتقلهم جميعا في فترات مختلفة.

التحالف مع أرجنكون النسخة الكردية

من جانب آخر قوَّى أردوغان هذا التحالف بتحالف آخر عقده مع النسخة الكردية لأرجنكون، “اتحاد المجتمعات الكردستاني”، الهيئة الإدارية المدنية العليا لحزب العمال الكردستاني المسلح، الذي تصنفه تركيا ضمن التنظيمات الإرهابية، فبدأ يفرج عن المحكومين من قياداتهم واحدًا تلو آخر حتى قبل الإفراج عن جنرالات "أرجنكون". ومن ثم أعلن في نهاية 2012 أنه أمر منذ فترة رئيسَ الاستخبارات “هاكان فيدان” بالتفاوض مع زعيم حزب العمال الكردستاني المحكوم عليه بالحبس مدى الحياة “عبد الله أوجلان” من أجل تأسيس السلام وحل المسألة الكردية. وكشفت “سجلات مفاوضات الاستخبارات مع أوجلان” التي حصلت عليها جريدة “مليت” ونشرت في 28 فبراير 2013 أن هذا التحالف كان قائمًا على أساس دعم الأكراد لأردوغان في تحقيق حلمه الخاص بنقل تركيا إلى النظام الرئاسي مقابل العفو العام عن العناصر المسلحة وفرض إقامة جبرية على "أوجلان" بدلاً من الحبس أولاً، ومن ثم الإفراج عنه تمامًا ومنح الحكم الذاتي للأكراد في شرق تركياوهذا ما أكد صحته زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي “صلاح الدين دميرتاش” في تصريحات أدلى بها للمحكمة بعد اعتقاله من قبل أردوغان عقب الانقلاب الفاشل في 2016.

من اللافت جداً أن أوجلان كان يشير إلى وجود مشكلتين أساسيتين لهما ويطالب أردوغان بحلهما بمقتضى هذا التحالف، الأول: الأنشطة التعليمية لجامعات ومدارس ومعاهد التحضير الجامعي وصالات القراءة والمطالعة لحركة الخدمة، متهمًا إياها بالحيلولة دون انضمام كوادر جديدة إلى صفوفه وعودة المنضمين إليه في أول فرصة للاستفادة من الفرص التعليمية والاقتصادية التي كانت توفرها الخدمة لزملائهم  وهذا يفسر سبب مبادرة عناصر العمال الكردستاني إلى إحراق بيوت الطلبة التابعة للخدمة في الولايات الشرقية خاصة.

والثاني: العمليات الأمنية التي كان ينفذها أمن ديار بكر بصورة ناجحة ضد عناصر حزب العمال الكردستاني المسلحة.

من اللافت جداً أن "أوجلان" كان يستخدم مصطلح “الكيان الموازي” قبل ثلاثة أشهر من إطلاق "أردوغان" هذا الوصف على حركة الخدمة، إذ قال أوجلان في 15 سبتمر 2013: “جهاز أمن ديار بكر يعمل مثل الدولة الموازية. والجماعة (حركة الخدمة) هي التي تدير هذه الدولة الموازية.

ومن اللافت للانتباه أيضا أن أوجلان كان قد وصف تحقيقات الفساد والرشوة في 2013 بـأنها “ضربة موجهة لمفاوضات السلام الكردية”، وزعم أن “الكيان الموازي” يريد الإطاحة بأردوغان بسبب مبادرته إلى تسوية المشكلة الكردية عن طريق الحوار. وكذلك أعلن رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش وقتها أن حزبه لن يوافق على إسقاط حكومة أردوغان بمثل هذه المحاولة الانقلابية  ورغم محاولة  أوجلان إظهار فتح الله كولن أنه ضد مفاوضات السلام التي أطلقها أردوغان إلا أن الأخير كان قد أعلن دعمه للمفاوضات في أحد دروسه مستشهدًا بالآية الكريمة ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ وبقوله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾  

 معاهد التحضير الجامعي فتيل الأزمة

لقد لاقت مطالبة أوجلان بإغلاق مؤسسات الخدمة التعليمية صدى إيجابيًّا في نفس أردوغان الذي كان يخطط لإغلاق معاهد التحضير الجامعي منذ سنوات حكمه الأولى؛ إذ إن هذه المعاهد كانت تحقق نجاحات كبيرة في عملها التعليمي وكان الدارسون فيها يجتازون الامتحانات العامة بسهولة مقارنة بالآخرين، لذلك لم يستطع واحد من وزراء التعليم في حكومة أردوغان المتعاقبين الإقدام على تنفيذ هذا المخطط حتى عام 2013 لمخالفته واقع المنظومة التعليمية في تركيا وتقييده لحرية المبادرات الاستثمارية الخاصة.

وقد تعمد أردوغان إثارة نقاش حاد حول قضية إغلاق معاهد التحضير الجامعي بقوة قبيل بدء تحقيقات الفساد والرشوة، ليبدأ تطبيق خطته التي تستهدف القضاء على الخدمة وليشوش على أي ملفات فساد يمكن أن تكتشف لاحقا.

فقد اعترف أردوغان بأن جهاز الاستخبارات التركي أرسل إليه تقريرا قبل 6 أشهر من بدء تحقيقات الفساد حذره فيه من الأضرار التي يمكن أن تلحق بحكومته بسبب علاقات بعض الوزراء مع رجل الأعمال التركي الإيراني الأصل رضا ضراب الذي نشرت المعارضة وثائق تثبت أنه “جاسوس إيراني”. وإذا أضفنا إلى ذلك طبيعة الملفات السرية التي أظهرها رئيس الأركان الأسبق بويوك آنيط لأردوغان خلال احد الاجتماعات   

ومما يعزز ذلك أيضا ما تسرب من تسجيلات صوتية حصلت عليها الشرطة الألمانية في إطار تحقيقات جواسيس أردوغان على الأراضي الألمانية عام 2014، فقد تساءل المدعو “د.هونكار” مع المتهم “أحمد دوران يوكسل” في مكالمة هاتفية جرت بينهما بعد 3 أيام من بدء عمليات الفساد والرشوة في 17 ديسمبر  2013: “ما الذي يجب أن نفعله؟ لا بد من وجود كبش فداء للتخلص من هذه الاتهامات”، فرد عليه يوكسل قائلاً: “كبش الفداء موجود. لقد تم اختيار فتح الله كولن. إنه سيتعب كثيرًا. وسيتم تصفية وفصل 17 ألفاً من رجال الشرطة في هذا الإطار  

وبعد تكشف فضائح الفساد والرشوة في نهاية 2013 بدأ أردوغان يهاجم الخدمة بشراسة في جميع خطاباته معبرًا عنها بمصطلح “الكيان الموازي” أو “الدولة الموازية”، وقد بدأ هذا الاصطلاح غريبًا على الشارع التركي، فأردوغان لم يستخدمه من قبلُ في حق حركة الخدمة، بل لم يتخذ موقفًا سلبيًّا -في العلن على الأقل– من هذه الحركة طيلة عقد كامل من حكمه، إن استثنينا الخلاف المصطنع حول إغلاق “معاهد التحضير الجامعي”، مما تسبب في حالة من الارتباك وانقسام الشعب تبعًا لذلك بين مؤيد لأردوغان في أطروحته ومعتبرٍ الكيان الموازي “حقيقة”، ومعارض له ومعتبرٍ إياه “تمويهًا” يصدره أردوغان لشعبه ليتستر على فساد حكومته ويستخدمه ذريعة لتصفية معارضيه.

وقفة مع مصطلح “الكيان الموازي”

كان “يالتشين أكدوغان” كبير مستشاري أردوغان هو مَن استعار مصطلح الكيان الموازي من مخترعه لأول مرة عبد الله أوجلان، وأعاد طرحه مجددًا بعد بدء تحقيقات الفساد، ليصف به حركة الخدمة، نظرًا لأنه كان ضمن مهندسي مفاوضات السلام مع العمال الكردستاني. فقد زعم قائلاً: “هناك كيان موازٍ توغل في أعماق الدولة خطط للانقلاب على حكومة أردوغان من خلال تزوير أدلة إدانة وإلصاقها بالوزراء، تمامًا مثلما نصب مؤامرة للجيش التركي لاعتقال كبار الجنرالات في إطار قضية "أرجنكون"، وذلك على الرغم من إقالة أردوغان كل الوزراء المتهمين بالفساد.

ومن المفارقة أن أكدوغان ذاته هو الذي اعترض بشدة على إلصاق مصطلح الكيان الموازي بحركة الخدمة قبل عام كامل من بدء تحقيقات الفساد. فبعدما استدعت النيابة العامة في 7 فبراير  2012 رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان للتشاور حول انخراط بعض عناصر الاستخبارات في صفوف حزب العمال الكردستاني والمشاركة معهم في أعمال إرهابية، إضافة إلى إطلاق سراح رجالٍ تم اعتقالهم على أنهم إرهابيون بحجة أنهم “رجال الاستخبارات” صرح قائلا: “لن أسمح بتشكيل دولة موازية داخل الدولة”، وهنا علق بعض الكتاب الصحفيين من أمثال “أمره أوسلو” و”آرزو يلديز” على هذا التصريح بالقول: “إنه يقصد بالدولة الموازية حركة الخدمة. فانبرى أكدوغان مدافعًا عن الخدمة وكتب حينها مقالاً باسمه المستعار “ياسين دوغان” بعنوان “نحن مدركون للعبة” نفى فيه وقوف الخدمة وراء هذه الحادثة التي اعتبرها إعلامُ أردوغان “تدخلًا في سياسة الحكومة الخاصة بمفاوضات السلام الكردية مع أوجلان”. ففي المقال الذي نشرته صحيفة “يني شفق” الموالية للحكومة في صفحتها الرئيسية تحت عنوان “بالتأكيد ستفشل هذه اللعبة”، أكد على “عدم وجود أي صراع بين حزب العدالة والتنمية وحركة فتح الله كولن، كما تصوّره بعض الأطراف ووسائل الإعلام في أعقاب استدعاء رئيس جهاز المخابرات فيدان”. وأضاف “من غير الممكن أن يسود صراع أو نزاع في مجال السلطة والإدارة بين مجموعتين تسعيان إلى تقديم خدمات إلى شعبهما في مجالين مختلفين”، ثم لفت إلى أهمية “الأخوّة والتضامن بين المجموعتين اللتين تجمع بينهما المثل العليا الخالدة وليس المنافع والمصالح العابرة”. كما شدد على أن آمال من يسعون إلى “إثارة الفتنة والبغضاء والعداوة بين الحكومة برئاسة أردوغان ومؤيدي حركة الخدمة بقيادة كولن لن تتحقق على الإطلاق، ولن يكون الطريق معبدًا أمام الحاقدين والحاسدين لتنفيذ مخططاتهم المنحوسة

ومن المثير للدهشة أن صحيفة يني شفق حذفت رابط هذا المقال بعد ما اشتدت الأزمة بين الخدمة وحزب أردوغان إلا أن نصه موجود في الرابط الذي ذكرناه.

ويبدو أن هذا الانفعال الذي أبداه أكدوغان متمثلا في نفي ما ردده هؤلاء الصحفيون كان محاولة لحجب تكشف السيناريو الذي حاكوه خلف الأبواب المغلقة مع حليفيهم الجديدين أرجنكون وحزب العمال الكردستاني قبل أوانه.

تم نسخ الرابط