السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

جنود مجهولون.. شهداء ثورة 23 يوليو

جنود مجهولون.. شهداء
جنود مجهولون.. شهداء ثورة 23 يوليو
كتب - ابراهيم رمضان

ربما لا يعرف الكثيرون منا أن لثورة 23 يوليو شهداء، ولم يركز الإعلام على مر تاريخه لإبراز تضحياتهم وسارت على نفس الدرب  كل الكتب الدراسية والمراجع، التي أرخت لهذه الحقبة التاريخية التي انتقلت فيها مصر من ضيق الحكم الملكي إلى رحابة الحكم الجمهوري، وكأن وجود شهداء خلال أحداثها سيؤدي إلى خلع اللقب الذي أطلق عليها أنها ثورة بيضاء.

المفاجأة أنه كان لهذه الثورة شهيدان هما الأمباشي "عبدالحليم محمد أحمد الشرتة" من قرية "منقباد" بمحافظة أسيوط كان جنديًا بالكتيبة الأولى التي تولت مهاجمة مقر قيادة الجيش والاستيلاء عليه.

والشهيد الثاني كان فردًا ضمن طاقم حراسة رئاسة الجيش وهو الأمباشي (عطية السيد) من قرية "نهطاي" بمحافظة الغربية.

القصة يكشفها الكاتب الصحفي عادل حمودة، نائب رئيس تحرير مجلة روزاليوسف الأسبق ورئيس تحرير صحيفة الفجر الأسبوعية الخاصة حاليا.

ويذكر "حمودة" في تقرير صحفي نشره بـ"مجلة روزاليوسف" في العدد 3241 في 23 يوليو 1990، أنه عندما كان يكتب مذكرات رئيس الجمهورية الأسبق، اللواء محمد نجيب وجد بين أوراقه صورة فوتوغرافية قديمة جعلته يتوقف عندها طويلا، وكانت عبارة عن صورة "مقبرة" مرجة مطلية بالجير الأبيض.. عليها لوحة صغيرة تحمل العبارة التالية: "الأمباشي عبدالحليم محمد أحمد الشرته- استشهد بكوبري القبة في 23 يوليو 1952.

ويتابع "وكانت هناك صورة أخرى لمحمد نجيب وهو يضع باقة من الزهور على المقبرة وبجانبه نجم آخر من نجوم ثورة يوليو هو خالد محيي الدين، بينما كان بعض رجال حرس الحدود، بثيابهم المميزة، يؤدون تحية السلاح".

ويوضح حمودة "وسألت محمد نجيب عن هذه الصورة التي أصبحت في يدي فقال لي: إن الأمباشي "عريف" عبدالحليم محمد الشرته كان أحد جنود كتيبة البكباشي (مقدم) يوسف صديق التي استولت على مبني رئاسة الجيش ليلة 23 يوليو 1952 وقد استشهد أثناء عملية الاقتحام".

ويكشف عن أن عبدالحليم الشرته من صعيد مصر من قرية "منقباد" القريبة من مدينة أسيوط، وشهرة منقباد الوحيدة سببها وجود معسكر كبير للجيش، خدم فيه بعض الضباط الأحرار مثل جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، وكان عبدالحليم الشرته وقت استشهاده 24 سنة.. وكان متزوجًا وكانت زوجته "حبلى" بابنه الذي ولد بعد دفنه بشهور".

ويشير إلى أنه "في سن التجنيد تطوع عبدالحليم الشرته في الجيش وألحقوه بالكتيبة الأولى "مدافع ماكينة، التي كان يقودها البكباشي يوسف صديق.. وكان عليها مساندة الكتيبة 13 في الاستيلاء على رئاسة الجيش، ليلة الثورة لكن بسبب التضارب في تحديد ساعة الصفر، أصبحت الكتيبة الأولى صاحبة الدور الأول في نجاح الثورة.. وكان عدد أفرادها 60 جنديًا من بينهم كان عبدالحليم الشرتة".

ويتابع "تحركت هذه القوة الصغيرة في اتجاه رئاسة الجيش، وكان داخل مبنى الرئاسة حوالي 150 جنديًا يقودهم جاويش يدعى مصطفى العدلي، أما الضابط العظيم فكان في تلك الليلة حسن سري الذي أصدر أوامره بإطلاق النار على المهاجمين".

ويشير إلى أن "عملية إطلاق النار استمرت - بين المهاجمين والمدافعين - نحو ربع الساعة، أصيب بعدها عبدالحليم الشرته إصابة قاتلة.. فتوقف ضرب النار.. إذ كانت لإصابته تأثير شديد على رفاقه المهاجمين.. كما أن رفاقه المدافعين أحسوا بالألم لمصرعه، فأصدر الصول (مساعد) محمد شوقي (حكمدار) خدمات رئاسة الجيش في تلك الليلة أمرًا بوقف إطلاق النار دون الرجوع إلى حسن سري، فكان أن تمكنت قوة يوسف صديق من اقتحام المبني والدخول إلى فناء القيادة.. ثم كان أن اقتحموا السلم الخلفي وارتقوه إلى الدور العلوي وفي أثناء صعودهم اعترض طريقهم الأمباشي عطية السيد دراج (من قرية نهطاي - محافظة الغربية) وهو من حرس رئاسة الجيش فأصابه يوسف صديق إصابة قاتلة.. فكان ثاني اثنين دفعًا الثمن في تلك الليلة".

لم تنشر الصحف.. التي زفت خبر نجاح الثورة - خبرًا عن مصرع "الشرته" و"دراج" فقد أصر الجميع على أن الثورة "بيضاء" لم ترق قطرة دم واحدة.. كما أن التركيز القوي على دور "الضباط الأحرار.. ألغى تماما أية إشارة إلى دور الرتب الأدنى.. مع أن هذه الرتب هي التي قدمت كقرابين للذبح فداء للتغيير.

وبعد أكثر من سنة ونصف السنة سافر (محمد نجيب) في رحلة طويلة إلى الصعيد امتدت من أهرامات الجيزة إلى خزان أسوان، رافقه فيها خالد محيي الدين.. وفي مكان مهجور من قرية "الشرته" كان عليهما أن يضعا باقة من الزهور على قبر متواضع دفن فيه "الشرته" وبعد قراءة الفاتحة والتقاط الصور التذكارية، غادر الجميع المكان الذي أصبح بعد هذه الزيارة - نسيًا منسيًا.. فلا أحد زارة مرة أخرى.. ولا أحد جدد طلاء الجير الأبيض من جديد.

 

تم نسخ الرابط