فرسان.."الجبتانا"

كتبت - هند سلامة

"الجبتانا" عنوان قد يبدو صادمًا للعرض الراقص، الذي قدمه المخرج والمصمم مناضل عنتر على مسرح الجمهورية، وبعد تأمل ومشاهدة، سوف تعلم أن "الجبتانا" يضم أسفار التكوين المصرية جمعه مانيتون السمنودى المولود 270ق.م، من محفوطات المعابد المصرية، أو هو مدونة شعبية دينية تحكي قصة الشعب المصري ومنها نسخ بالقبطية، كتب مانيتون نصين الأول "الجبتياكا"، وهو تاريخ الأسرات الفرعونية المعروف لدى علماء المصريات، نصوصها أقرب للعهدين القديم والجديد، وبها العديد من الجمل التي تظهر بعد ذلك في العهدين" كل هذه التفاصيل الدقيقة والمحملة بعبق تاريخ مصر القديم، ربما لن تلحظها كثيرًا بالعرض المسرحي الراقص أو لن تحرص على فهمها من شدة المتعة التي سيأخذك لها مصمم ومخرج العرض مناضل عنتر.

يعتبر عرض "الجبتانا" التعاون الأول لمناضل مع فرسان الشرق الفريق، الذي يهتم بإعادة صياغة التراث القديم في قالب فني راقص، وكان لهذا التعاون وقع مختلف وجديد على الفريق؛ حيث اهتم مناضل وبشكل كبير بالمبالغة في إظهار إمكانياته، وتمادى في هذا الجانب إلى درجة كبيرة حتى طال واستطال منه العرض؛ وبرغم هذا الطول إلا أن متعة مشاهدة تتابع المشاهد الراقصة في انسياب ومرونة وتمكن ومهارة جسدية عالية، قد تنسيك الشعور بالملل أو حتى الاهتمام بمعرفة قصة العرض، وتسلسل أحداثه التي ربما لم يكن لها حضور كبير أو وضوح في مقابل حضور طاقة الراقصين المشاركين؛ الذين كانوا بحق فرسان "الجبتانا".

قد يهتم البعض بمتابعة دراما العرض والمغزى، الذي أراده المخرج، ويؤخذ على عروض الرقص المعاصر عدم الاهتمام بصياغة دراما محكمة الصنع أو قوية الحبكة؛ ورغم إقبال مناضل على تقديم كتاب تاريخي معقد يحمل الكثير من الأفكار والمعاني، إلا أن كل هذا تلاشى أمام الانتباه إلى ما يتم على خشبة المسرح، بدء من تصميم الديكور والملابس، الذي انقلب بهما المسرح إلى معبد فرعوني كبير؛ ثم التصميم الحركي للراقصين الذين أعدوا أنفسهم جيدًا للوقوف في هذه اللحظة والإفصاح عن أنفسهم وموهبتهم البدنية متعددة الجوانب، والتي أعاد المخرج إحيائها واكتشافها من جديد، حيث فتح مساحات للجميع كي يعبر كل منهم عن جسده..!

في هذا العمل موسيقى صنعت عليها رقصات جماعية وثنائية متنوعة لعدد غفير من أعضاء الفريق، الذي اكتشفنا به مواهب كبيرة، بعنصريه النساء والرجال في تنوع الحركة وتفاوت بل وتنافس معظمهم في مستوى اللياقة البدنية والقدرة على المواصلة والابتكار، وكأن العمل استعراض لمهارات الأداء، وبالتالي يرجعنا هذا العرض إلى تغيير المفهوم السائد والتصور الثابت عن الرقص المعاصر بضرورة تقديم دراما واضحة محكمة الصنع لأن العمل الراقص في النهاية قوامه جودة وتنوع التصميم الحركي والمهارة الفنية في سياق فكرة ما سواء تمكنت من إدراك تفاصيلها أو لم تتمكن الفيصل هو جودة العمل حركيا وبدنيًا وتشكيليًا والخروج بمفردات وتصميم مبتكر، ثم كيفية تنفيذ هذا التصميم والقدرة على تحقيق المتعة البصرية والسمعية للجمهور وفي "الجبتانا"، ابتكر مناضل على موسيقى أحسن اختيارها تعبيرات ومفردات حركية جديدة على رأسها مشهد التحطيب، الذي تم تصميمه على مقطع من أوبرا عايدة، قدم فيها الراقصون مشهدًا من أقوى وأمتع مشاهد العرض، وفي تتابع مستمر خرج علينا عدد من أعضاء الفريق نراه في ثوب فني وطاقة حركية كبيرة تنبئ بخروج مواهب غير قليلة في مجال الرقص المعاصر؛ مواهب تحتاج إلى المزيد من الرعاية والاهتمام؛ وبها يتسع حجم المنافسة بين فرق الرقص بدار الأوبرا منافسة قد تساهم في تغيير شكل الرقص المعاصر خلال الأيام المقبلة.

شارك في بطولة العرض أشرف كوداك، هاني حسن، ياسمين سمير، دنيا محمد، هدير حلمي، إسلام محمد، محمد هلال، عبد الرحمن دسوقي، نادر جمال، فاطمة محسن، زينب حسن، نور الدين عمر، إبراهيم خالد، أحمد عاطف، محمد أمين، مصطفى سعد، باسم مجدي، نوران محمد، لميس جمال، نورهان جمال، حبيبة إبراهيم، هنا مصطفى، مي رزيق، رانيا، باهي هشام، أحمد فتحي.