الشهاوي: أكتوبر حرب استرداد الكرامة ومحمد المصري دمر 27 دبابة
كتب - عمر علم الدين
"ح.ر.ب" ثلاثة حروف.. كلمة قليلة في حروفها عظيمة في تأثيرها، أنها الحرب تأخذها الدول مضطرة إليها، ويدفع ثمنها الشعب لاسترداد حقه، وحماية أرضه وعرضه، ويواجه قادة جيشها المصاعب والتغلب على العراقيل للوصول إلى النصر المنشود هكذا كان الحال في أكتوبر، فقد واجه المسؤولون كثيرا من المشاكل والمعضلات أثناء وضع وتنفيذ الخطة، حيث استطاعت العبقرية العسكرية المصرية أن تتغلب على أعظم وسائل الحرب المتقدمة الحديثة. وقد جاء اليوم الذي تنبه له الرئيس السادات وقال فيه سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه، وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره.
ويبدأ اللواء ا. ح محمد الشهاوي، رئيس أركان الحرب الكيميائية السابق، ومستشار كلية القادة والأركان، وأحد أبطال أكتوبر حديثه عن العقبات وعن حرب أكتوبر قائلا:
إن حرب أكتوبر هي حرب الكرامة.. حرب العزة.. الحرب التي استرد فيها المقاتل المصري كرامته ورفع رأسه، ورفع رأس العرب بهذا النصر المعجزة الذي ما زال يدرس في جميع المعاهد العسكرية العالمية.
وقد استطاع قادتنا التغلب على الصعاب الكثيرة للوصول إلى النصر والتي كان منها:
التغلب على خطة إشعال قناة السويس بالنابالم أثناء عبور قواتنا للقناة، حيث رصد عناصر الاستطلاع قيام إحدى النقاط القوية للعدو بإجراء تجربة لدفع المواد الحارقة والنابالم على سطح القناة وإشعالها وتحويل المجري المائي إلى لهب يرتفع إلى 15 مترا ودرجة حرارة تصل إلى 700 درجة مئوية. وأن العدو قام بإعداد (32) تجهيزة على طول القناة في المحاور والقطاعات الرئيسية الصالحة لاقتحام القناة وبين النقط القوية. وتتصل هذه التجهيزات بخزانات خاصة داخل الدشم ومواسير تدفع المواد الحارقة إلى سطح القناة، وبعد إجراء الكثير من التجارب على أسلوب التغلب على تلك الموانع الحارقة في مناطق شبيهة بقناة السويس مثل الرياح البحيري وترعة الإسماعيلية تم التوصل إلى أن أفضل وسيلة للتغلب على ذلك هو قفل هذه الفتحات بوسيلة معينة وإبطال مفعولها. حيث تم تدريب مجموعة منتقاة من العناصر الهندسية ورجال الصاعقة المدربين على الأعمال الهندسية للقيام بهذه المهمة في أقصر وقت على ألا يتجاوز ذلك على خمس دقائق من لحظة الوصول إلى هذه الفتحات. ووجد أن أفضل وقت لتحقيق هذه المهمة الخطيرة، هي بعد ساعة الصفر (1400) يوم الهجوم 6 أكتوبر وأثناء القصفة الثانية للمدفعية التي تضرب الأهداف الحيوية في عمق العدو مثل مراكز القيادة ومرابض المدفعية. وكان على هؤلاء الأبطال ألا يستخدموا أي وسيلة من وسائل العبور والاعتماد على الذهاب والعودة على السباحة تحت الماء، ونجحوا في تحقيق مهمتهم.
ويضيف اللواء الشهاوي: قامت إدارة الحرب الكيميائية بمعاملة القوارب المطاطية وملابس الميدان للموجة الأولى من الاقتحام معاملة كيميائية للوقاية من نيران النابالم تحت أي احتمال ممكن.
ويواصل بطل أكتوبر حديثه عن حرب أكتوبر قائلًا: نجحنا في التغلب على كلاب الحراسة المدربة في المواقع الحصينة بخط برليف حيث كانت بعض كلاب الحراسة المزود بها (خط برليف) ذات خصائص تستطيع بها إذا عجزت وسائل العلم الحديثة من كشف الأفراد المتسللين، أن تقوم هي بالكشف من خلال قدرتها على تشمم وتحديد أي شخص غريب يقترب بل وتحديد مكانه. وهذه النوعية من كلاب الحراسة مدربة تدريبا عاليا ولا تتناول طعامها إلا من مدربيها فقط، وبعد دراسة مستفيضة قام بها علماء الطب البيطري وعلم السلالات للحيوانات توصل الباحثون إلى حقيقة أن هذه الكلاب لا تفقد قدرتها على السيطرة على نفسها أو تخرج عن طاعة مدربها إلا في حالة واحدة نادرة هي عندما تشم رائحة إفراز "جزء حساس" من أنثى سلالتها وكان هذا هو المدخل لشل عمل الكلاب، وتم ذلك عن طريق تحضير وجبة مزودة بهذه الإفرازات بعد تسميمها بنوع من السموم عديم الرائحة وسريع التأثير بحيث تقتل الكلب في أقل من خمس دقائق ثم وضعت هذه الوجبات في دانات كرتونية تطلقها الهاونات على مواقع تواجد الكلاب وبمجرد سقوط الدانة يحترق الكرتون وتبقى الوجبة على أن يتم ذلك أثناء القصفة الأولى لنيران المدفعية والمركزة على خط برليف.. ونجحت الخطة ولم يسمع لهذه الكلاب أي صوت طوال عمل القوات أثناء القصفة الثانية للمدفعية.
وكما تم التغلب على الساتر الترابي بارتفاع 22 مترا والموانع المقامة عليه وفتح الثغرات فقد جمع خط برليف في بنائه بين النظريات العسكرية القديمة والحديثة في الدفاع. فقد استند في دفاعه إلى نظرية الخندق، وكانت قناة السويس تمثل أكبر خندق مائي، وأخذ أيضا من نظريات الحرب القديمة إقامة الحصون العالية وكان الساتر الترابي يحقق له ذلك، كما أخذ من نظريات الحرب الحديثة بناء الدشم والطرق المستورة وتزويد هذا الخط الدفاعي بأحدث الأسلحة والمعدات الحديثة. والمعروف أنه لاختراق أي خط دفاعي لابد من فتح الثغرات في الموانع مثل الألغام والأسلاك الشائكة. وطرق فتح هذه الثغرات معروفة ومتعددة، منها فتح الثغرات بضربات الطيران وهذه مكلفة، وفتح ثغرات بواسطة نيران المدفعية وهذه تحتاج إلى استهلاك كميات كبيرة من الذخيرة، وفتحها بواسطة عناصر المهندسين وهذه تحتاج إلى تقدم العناصر الهندسية لتحديد وضع هذه العبوات في الأماكن المطلوب فتحها. وكان الحل لفتح الثغرات هو أن يسبح بعض عناصر المهندسين لتحديد أماكن الثغرات ووضع المواد المتفجرة أثناء تنفيذ القصفة الثانية للمدفعية ورجعوا إلى الشاطئ الغربي للقناة. وفي أثناء القصفة الثالثة على خط برليف، تم تفجير هذه العبوات من غرب القناة ما ساعد رجال المدفعية على تركيز نيرانهم لفتح هذه الثغرات. أما عن فتح الثغرات في الساتر الترابي لتأمين إنشاء الكباري فلقد وضعت دراسات مستفيضة للتوصل إلى أفضل طريقة لفتح هذه الممرات أو الثغرات والتي يكون عرضها 30 مترا وعمقها هو عمق الساتر الترابي 200 متر وارتفاعها 22 مترا.. لقد نجح المهندسون في التوصل إلى فكرة حديثة غير تقليدية وهي استخدام المضخات لفتح الثغرة في الساتر الترابي. وهكذا مرة أخرى تغلب الفكر العسكري المصري على أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا الحديثة.
ويقول اللواء الشهاوى خلال أكتوبر تم التغلب على سرعة التيار في قناة السويس: كانت تبلغ سرعة التيار من 0.8– 1متر/ ثانية وهذه سرعة عالية جدا في الموانع المائية، وقد تؤدي هذه السرعة إلى صعوبة المحافظة على الاتجاه لوصول القوارب المحملة بالأبطال إلى النقاط المحددة لها. وكذا ضمان عمل المعديات ومركبات العبور الحاملة للأسلحة والمعدات في الوصول والعودة إلى نقاطها الأساسية. وبما يضمن عدم تكديس أي وسائل في نقطة أخرى للمحافظة على عامل الوقت المحسوب بكل دقة في خطة العبور. وقد تقرر أنه لا بد من تثبيت أحبال متينة على الضفة الغربية وضرورة تثبيتها على الضفة الشرقية من القناة حتى تساعد وسائل العبور على المحافظة على الاتجاه، ولقد تحدد الوقت المناسب لتنفيذ ذلك أثناء القصفة الثانية للمدفعية والذهاب والعودة سباحة، وقد حقق الأبطال مهامهم بنجاح ودون أن يشعر العدو بذلك، وهكذا تغلب الفكر والشجاعة على عوامل طبيعية وصناعية غير عادية.
ويلفت بطل أكتوبر إلى انه تم أيضا تم التغلب على حمولات الأوزان الإضافية التي يفرضها التخطيط على مقاتل المشاة، فقد كان على جندي المشاة أن يقاتل كجندي مشاة ثم يقاتل ضد دبابات العدو بعد تزويده بالأسلحة المضادة للدبابات، ثم يعود كفرد هندسي لزراعة الألغام.. وحيث إنه لا إمداد بالسلاح أو الذخيرة قبل انتهاء اليوم الأول للقتال، فقد كان من الضروري أن يتحمل جندي المشاة عبء الأوزان الإضافية اللازمة لتحقيق المهمة بنجاح، واستطاع الفكر العسكري المصري، أن يتوصل إلى أسلوب يخفف عبء الوزن على المقاتل المصري وسرعة تسلقه واقتحام الساتر الترابي وخط برليف في الوقت المحدد الذي يجب ألا يزيد على خمس دقائق ليكون جاهزا لمقابلة دروع العدو (دباباته) وكان هذا الأسلوب هو اللجوء إلى عربات الجر أي عربات صغيرة بعجل ذات ضغط معين يسهل عملية السير على سطح هذا الساتر وأن يتولى جرها فردان أحدهما في المقدمة والآخر يقوم بالدفع من الخلف، على أن تحمل هذه العربات بباقي خط الذخيرة المخصصة للأسلحة المضادة للدبابات، وكذلك بعدد من الألغام، وتتميز هذه العربات بخفة الوزن والقدرة على تسلق الساتر الترابي بنفس معدل سرعة تقدم المشاة وكان لهذا الفكر العسكري المصري دور كبير في إنجاح مهام الموجات الأولى من الاقتحام في أحرج المواقف التكتيكية، ولقد نجح أبطال المشاة والقوات الخاصة في مقابلة وتدمير دبابات العدو ومن هؤلاء الأبطال المقاتل محمد المصري الذي استطاع بمفرده تدمير 27 دبابة للعدو وأصبح المقاتل يواجه الدبابة بصدره وبصاروخه ما أحدث المفاجأة التكتيكية التي لم يتوقعها العدو الإسرائيلي حينئذ.
ويشير اللواء الشهاوي إلى أن أكتوبر بطولات ومواقف لا تنسى علّمت العسكرية العالمية ويجب أن يتعلم منها شبابنا العزيمة والابتكار وقهر الصعاب.



